عملية شرق الفرات: روسيا تمنع التصادم التركي ــ السوري

عملية شرق الفرات: روسيا تمنع التصادم التركي ــ السوري

تتواصل العملية التركية في شرق الفرات السوري، التي دخلت يومها السادس، بالتوازي مع حراك سياسي على 3 محاور أساسية، الأبرز على خط موسكو – أنقرة، والهادف بشكل أساسي لمنع أي تصادم بين القوات التركية التي تواصل تقدمها في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) والنظام السوري الذي حرك قواته إلى المناطق التي لا تزال خاضعة لـ”قسد” بناء على اتفاق الضرورة الذي فرضه الهجوم التركي.

وبرزت، أمس الاثنين، مؤشرات تظهر حرص موسكو وأنقرة على منع أي توتر بين الطرفين بما في ذلك بعث الطرفين رسائل طمأنة لبعضهما البعض. وتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، عن أنه لا توجد أي مشكلة مع السياسة الإيجابية لروسيا في عين العرب (كوباني)، بالتزامن مع بدء انتشار قوات الأسد على الحدود التركية في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة “قسد”، فيما كشف الكرملين عن وجود تواصل منتظم، بما في ذلك على المستوى العسكري، مع أنقرة، مشدداً على أنه “لا يريد التفكير في احتمال وقوع اشتباك بين القوات الروسية والتركية في سورية”.

في موازاة ذلك، تواصل تركيا حراكها على أكثر من محور، بما في ذلك الهجوم الذي شنه أردوغان على الدول الأوروبية الحليفة في حلف شمال الأطلسي، مؤكداً مواصلة العملية “حتى تحقيق النصر الكامل”. ويتعلق الحراك الثالث بتوافق النظام السوري والأكراد على تسليم المناطق التي كانت تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) عليها إلى قوات النظام، وهو ما حدث عبر دخولها إلى بلدة تل تمر، التي تقع على طريق استراتيجي يربط بين الشرق والغرب على الحدود مع تركيا. وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني “تفهمه للمخاوف التركية”، فإنه شدد على رفض طهران للهجوم الذي تشنه القوات التركية في شرق الفرات.

وفي حين تبدو مواقف الدول الإقليمية والمعنية بالملف السوري واضحة، لا يزال التخبط يسيطر على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أول من أمس الأحد، أن ترامب أمر القوات الأميركية في شمال سورية بالبدء في الانسحاب “بأمان وبأسرع وقت ممكن”، فيما أعلن مسؤول أميركي، أمس الإثنين، أن الفريق الدبلوماسي الأميركي الذي يعمل في مشاريع إرساء الاستقرار غادر شمال شرق سورية. وفي إطار إبقاء الوضع العسكري تحت السيطرة ومنع انزلاقه، تسارعت، أمس، الاتصالات العسكرية على أعلى مستوى بين الأميركيين والروس والأتراك. وذكرت وكالات أنباء روسية أن رئيس الأركان العامة للجيش الروسي فاليري غيراسيموف أجرى محادثات هاتفية مع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي. وأوضحت أن الاتصال الهاتفي، الذي جاء بعد إعلان الولايات المتحدة سحب باقي قواتها من شمال سورية، ركز على القضايا “ذات الاهتمام المشترك”. كما بحث غيراسيموف مع رئيس الأركان التركي يشار غولر، هاتفياً، المستجدات الأخيرة في سورية. وذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أن المسؤولين العسكريين بحثا المستجدات الراهنة والوضع الأمني في سورية.


أشار أردوغان إلى أنه “حتى الآن يبدو أنه لن تكون هناك أي مشكلة مع السياسة الإيجابية لروسيا في عين العرب”

“وقال أردوغان، في مؤتمر صحافي في مطار أتاتورك في إسطنبول قبيل سفره إلى العاصمة الآذرية باكو، إن القوات التركية في مرحلة تنفيذ قرارها المتخذ بخصوص منطقة منبج السورية، فيما أشارت قناة “الجزيرة” إلى غارات وقصف مدفعي مكثف تمهيداً لتقدم القوات التركية وتلك التابعة للمعارضة السورية باتجاه منبج. وحول الاتفاق الذي أبرم بين أكراد سورية والنظام، قال أردوغان: “هناك الكثير من الشائعات”، مضيفاً “يبدو أنه لن تحدث مشكلة” في عين العرب (كوباني). وأشار إلى أنه “حتى الآن يبدو أنه لن تكون هناك أي مشكلة مع السياسة الإيجابية لروسيا في عين العرب. أما بالنسبة إلى منبج، فنحن في مرحلة التنفيذ كما كنا قررنا”. وتابع “عند إخلاء مدينة منبج سيدخلها أصحابها الحقيقيون”، في إشارة إلى فصائل الجيش السوري الحر التي تستعد لدخول المدينة.

ورحّب الرئيس التركي بقرار الولايات المتحدة سحب ألف جندي من شمال سورية. وخاطب أردوغان دول شمال حلف الأطلسي، متسائلاً: “هل ستقفون إلى جانب حليفكم في الناتو (تركيا)، أم إلى جانب الإرهابيين؟ بالطبع لا يستطيعون الإجابة”. وشدد أردوغان على أنه لن يتراجع “عن الهجوم مهما قيل”. وقال، في باكو: “نحن مصممون على مواصلة العملية حتى نهايتها دون أن نعبأ بالتهديدات. وسنكمل قطعاً المهمة التي بدأناها”. وندد بانتقاد الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية للعملية التركية، مطالباً بتمويل دولي لـ”المنطقة الآمنة” التي تعتزم أنقرة إقامتها في شمال شرق سورية.

من جهته، أعلن الكرملين أن هناك اتصالاً وثيقاً بين روسيا وتركيا حول العملية في شمال سورية. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس، إن المسؤولين الروس والأتراك على اتصال وثيق حول الأمر. وحول ما إذا كان هناك خطر حدوث صدام بين القوات الروسية والتركية في سورية، قال بيسكوف: “لا نريد حتى التفكير في ذلك”، موضحاً أن هناك تواصلاً بين الجيشين لمنع أي حوادث. وأشار إلى أن موسكو حذرت كل أطراف الصراع السوري بالفعل من أجل تفادي أي عمل من شأنه تصعيد الوضع أو الإضرار بالعملية السياسية الهشة. وأحجم بيسكوف عن التعليق عند سؤاله عما إذا كانت موسكو تشعر أن الوقت قد حان لتركيا لوقف عملياتها العسكرية داخل سورية. وقال عن التنسيق بين البلدين: “هناك اتصالات بين السلطات الروسية والتركية، وبالأخص جرت مكالمة هاتفية (بين الرئيسين) ومكالمات أخرى بين وزيري الخارجية. هناك أيضاً قنوات اتصال بين الجيشين”.
في هذه الأثناء، وبالرغم من اتحادها ضد العملية العسكرية التركية، إلا أن الدول الأوروبية فشلت بالاتفاق على حظر تسليم الأسلحة إليها، كما كانت تسعى ألمانيا وفرنسا. وأعلن وزراء خارجية دول الاتحاد، في بيان بعد اجتماع في لوكسمبورغ، أمس، أن “الاتحاد الأوروبي يدين تحرّكات تركيا العسكرية التي تقوّض بشكل جدي الاستقرار والأمن في المنطقة برمتها”. ولم تعلن دول الاتحاد الأوروبي فرض حظر على بيع الأسلحة إلى تركيا بسبب معارضة بريطانيا، وفق ما قالت مصادر دبلوماسية. وأعربت فقط عن التزامها بـ”اعتماد مواقف وطنية حاسمة إزاء سياساتنا المتعلقة بتصدير الأسلحة إلى تركيا”، وفق البيان. ودافع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ عن موقفه من العملية العسكرية التركية، وقال خلال جلسة للجمعية البرلمانية للحلف في لندن رداً على أسئلة من وفدي فرنسا وإيطاليا عما وصفوه بنهجه التصالحي حيال تركيا: “يجب ألا نخاطر بالمكاسب التي حققناها ضد عدونا المشترك. تركيا مهمة لحلف شمال الأطلسي. نواجه خطر تقويض الوحدة التي نحتاجها في الحرب ضد داعش”.

في هذه الأثناء، ووسط التخبط الذي يلف التعاطي الأميركي مع التطورات في سورية، تناغمت، أمس، اتهامات ترامب ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار للأكراد بشأن الإفراج عن عناصر من تنظيم “داعش”. وقال الرئيس الأميركي، في سلسلة تغريدات: “الأكراد ربما يفرجون عن البعض لحملنا على التدخل. من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية التي يتحدر منها هؤلاء الجهاديون احتجازهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة”. وكرر تهديده “بعقوبات كبيرة” على تركيا. وأعلنت الإدارة الأميركية، الجمعة الماضي، أنها ستعد عقوبات على تركيا، من دون أن تقدم تفاصيل حولها. واتهم أكار المقاتلين الأكراد “بإفراغ” سجن في شمال شرق سورية يحتجز فيه عناصر “داعش” قبل وصول القوات التركية إلى المنطقة. وأشار إلى أن السجن هو المكان الوحيد الذي يحتجز مسلحين من “داعش” في القطاع الحدودي شرق نهر الفرات الذي يشكل هدف الهجوم العسكري التركي.


الكرملين: هناك اتصالات بين السلطات الروسية والتركية


ميدانياً، دخلت العملية التركية العسكرية ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) يومها السادس، في ظل تقدم يحققه الجيش التركي و”الجيش الوطني السوري” (يتألف من فصائل معارضة)، خصوصاً في ريف تل أبيض في ريف الرقة الشمالي. وقالت مصادر من “الجيش الوطني” إن القوات المشاركة في العملية العسكرية المدعومة من الجيش التركي واصلت عمليات القصف المدفعي والتمشيط في محاور تل أبيض ورأس العين. وأوضحت أن القوات تمكنت من التقدم في محور الطريق الواصل بين رأس العين وبلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي.

من جانبها، قالت وزارة الدفاع التركية في بيان، إن العمليات العسكرية في شرق الفرات أسفرت، منذ بدايتها، عن “تحييد 550 عنصراً” من “قسد”، التي تمثل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري. وأكدت أن قوات “الجيش الوطني” سيطرت على قرى جديدة في ريف تل أبيض، بينها العلي وباجلية، وحمام التركمان، وأم عظام، والصخرات، والدوغانية، وذلك بعد تمشيطها والتأكد من خلوها من عناصر “الوحدات” الكردية الذين انسحبوا إلى ناحية عين عيسى بريف الرقة الشمالي. على الصعيد ذاته، لا تزال الاشتباكات محتدمة داخل مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي بين فصائل المعارضة المساندة للجيش التركي وعناصر من “قسد”.

وبالتوازي مع العمليات العسكرية من جانب الجيش التركي، يبدو أن هناك مساعي تبذل من عدة أطراف من أجل إيقاف العملية في منطقة شرقي نهر الفرات، وبدء مفاوضات “جادة” بين الجانب التركي وقيادة “قسد”، وفق مصادر مطلعة أكدت، لـ”العربي الجديد”، أنه “جرت بالفعل منذ أيام مفاوضات بين الطرفين في مدينة أربيل العراقية، بوساطة من قبل قيادة إقليم كردستان العراق، إلا أنها فشلت، فبدأ الأتراك العملية العسكرية”. وأكدت أن قيادة الإقليم لا تزال تبذل جهوداً لتجسير الهوة بين الطرفين لتفادي تصعيد كبير في شمال شرقي سورية.

وفي محاولة من قيادة “قسد” لخلط الأوراق في المنطقة، أبرمت اتفاقاً مع النظام، برعاية روسية، الأحد الماضي، ينص على دخول قوات النظام إلى شرق الفرات وانتشارها على طول الحدود السورية التركية لـ”مؤازرة قوات سورية الديمقراطية لصد هذا العدوان وتحرير المناطق التي دخلها الجيش التركي ومرتزقته المأجورين”، وفق بيان “الإدارة الذاتية” التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي.

وذكرت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن رتلاً من قوات النظام دخل، فجر الاثنين، إلى منطقة شرق الفرات عبر مدينة الطبقة، بعيد ساعات من استهداف طائرات تابعة للتحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، رتلاً لقوات النظام في منطقة الرصافة، جنوب غربي مدينة الرقة، كان كما يبدو يستعد للتوجه الى مدينة الطبقة. ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عن مصدر ميداني زعمه دخول قوات النظام إلى مدينتي منبج وعين العرب، مشيراً إلى أن هذه القوات فصلت المناطق التي توجد فيها فصائل المعارضة عن مدينة منبج، وأن ما سماها بـ”القوات المحلية” الموجودة في المدينة “فتحت جميع حواجزها أمام مرور الجيش السوري تمهيداً لمواجهة العدوان التركي”. وذكرت وكالة “سانا” أن وحدات تابعة للنظام دخلت إلى مدينة الطبقة وريفها ومطارها العسكري وبلدة عين عيسى وعدداً كبيراً من القرى والبلدات في أرياف الرقة الجنوبي والجنوبي الغربي والشمالي.

وأكد مصدر رفيع المستوى في “مجلس سورية الديمقراطي” (مسد)، وهو الجناح السياسي لـ”قسد”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الاتفاق لا يتضمن تسليم المدن للنظام، مشيراً إلى أنه ينص على انتشار على الحدود في محاولة لإيقاف العملية العسكرية التركية. من جانبه، قال الباحث السياسي المقرّب من “الإدارة الذاتية” الكردية في شرق نهر الفرات إدريس نعسان، في منشور على صفحته على “فيسبوك”، أن الاتفاق مع النظام “سيشمل كوباني (عين العرب) ومنبج ولن يشمل الجزيرة السورية من رأس العين إلى نهر دجلة، وسيكون عبر انتشار الجيش على الحدود فقط دون التدخل في أمور الإدارة”.

من جانبه، قال المرصد السوري لحقوق الانسان إن قوات النظام بدأت الانتشار في منطقة تبعد 6 كيلومترات عن الحدود السورية التركية. وتوقع تعزيز ذلك الانتشار باتجاه رأس العين، مشيراً إلى أن الاتفاق بين “قسد” وروسيا يأتي “لمنع تركيا من قضم مزيد من الأراضي السورية بعدما سيطرت على نحو 1500 كيلومتر مربع” خلال العملية التي بدأت الأربعاء الماضي، زاعماً أن قوات النظام دخلت أطراف مدينة منبج وستدخل إلى مدينة عين العرب.

العربي الجديد