ماكرون و«الشر الإسلامي»: أي وحش نواجه؟

ماكرون و«الشر الإسلامي»: أي وحش نواجه؟

طالبت 90 شخصية عامة فرنسية الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إدانة الاعتداء الذي كانت ضحيته سيدة خلال اجتماع للمجلس الإقليمي لمنطقة «بورغون فرانش كونتي» الفرنسية، حين طلب المسؤول المحلي جوليان أودول، الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف، من المحجبة التي كانت ترافق مجموعة من الأطفال التلاميذ بينهم ابنها إلى اجتماع المجلس الإقليمي، أن تنزع حجابها باسم «المبادئ الجمهورية والعلمانية».
ردا على هذا الاعتداء اللفظي أمام الجمهور العام نشرت الشخصيات العامة المذكورة عريضة في صحيفة «لوموند» تحت عنوان: «سيدي الرئيس قل كفى للكراهية ضد المسلمين في فرنسا»، وجاء في إحدى فقراتها قولهم: «هذا المشهد وهذه الكلمات وهذا السلوك من أعمال العنف والكراهية شيء لا يصدق! لقد جعل اليمين المتطرف الكراهية ضد المسلمين أداة رئيسية للدعاية، لكنه لا يحتكرها؛ إذ أن أعضاء من اليمين واليسار لا يترددون بدورهم في تشويه صورة المسلمين».
يأتي هذا الحادث الرمزي ورد الفعل المذكور عليه بعد دعوة من ماكرون قبل أيام دعا فيها الأمة الفرنسية إلى التوحد لمكافحة ما سماه «الوحش الإسلامي» وإلى «مجتمع يقظ»، ويبدو أن فئات سياسية، من اليمين واليسار، كما أشارت العريضة، قد فهمت من الدعوة إيقاظ «الوحش العنصري» بين الفرنسيين وتوحيدهم ضد المسلمين تحت مزاعم «العلمانية والمبادئ الجمهورية» التي لا تتسع لوجود امرأة محجبة مع أطفال في اجتماع عام.
معلوم أن غضبة ماكرون التي أنتجت تحريضه المعلن ضد المسلمين كانت نتيجة لقيام أحد موظفي الشرطة الفرنسيين بقتل عدد من زملائه قبل أن يقتل هو نفسه، وقد تم ربط الهجمة بـ«اعتناق» الموظف المذكور لـ«الإسلام»، مما جعل الرئيس الفرنسي يبسط الحادثة الإرهابية على الطريقة الانفعالية التي قرأناها، رغم أنها تعبير عن حالة معقدة تفترض دراسة اجتماعية نفسية عميقة لحالة الشخص المذكور الذي وجد منفذه إلى الإرهاب عبر أيديولوجيا جهادية متطرفة، وكان يمكن أن يتجه إلى أيديولوجيا عنصرية غربية متطرفة مثلا.
الرد على هذا التبسيط الساذج للأمور استدعى أشكالا من التصرفات التي تجمع بين العنصرية والغباء، فظهر هاشتاغ على وسيلة التواصل الاجتماعي «تويتر» يقول: «بلغ عن مسلم»، وتبع ذلك قيام وزير الداخلية كريستوف كاستانير في جلسة استماع أمام لجنة القوانين في الجمعية الوطنية بتحديد «شكل المسلم المتطرف» أمام النواب وبعض صفاته مثل «إقامة الصلوات بانتظام» و«عدم إقامة علاقات مع النساء» و«أن يكون الشخص ملتحيا»!
دفعت توصيفات كاستانير للمسلمين مجيد الكراب، النائب من أصل مغربي، إلى تنبيه الوزير أنه هو نفسه ملتح، وفتح ذلك باب السخرية من منطق ماكرون وكاستانير التبسيطي فبدأ ناشطو وسائط التواصل بنشر صور سياسيين فرنسيين ملتحين، وقال أحد المغردين: «سيد كاستانير، هل يمكنني التبليغ عن الإمام عبد العلي مأمون. هو رجل ملتح يغني بلهجة مارسيليا قائلا الله أكبر وتحيا فرنسا»، وقالت أخرى: «أنا أقرأ القرآن بالفرنسية ولا آكل لحم الخنزير. هل يمكنني أن أبلغ عن نفسي؟»، وقالت أخرى: «أريد التبليغ عن جارتي. يسميها أولادي ماما جوزيت وهي تحب الكسكسي والحلويات الشرقية وتعجبها ملابسي الشرقية. أظن أنها أصبحت راديكالية».
بحديث ماكرون عن توحيد «الأمة» في مواجهة «الوحش الإسلامي» ووزير داخليته عن «لحية الإرهابي» تنحدر السياسة الفرنسية إلى مستوى الشعبوية اليمينية المتطرفة وتتلاقى، بشكل مقصود أو غير مقصود، مع خطاب الإرهابيين نفسه، سواء كانوا عنصريين غربيين يرفعون راية «الرجل الأبيض الأرقى حضاريا وعرقيا»، أو جهاديين يرفعون راية «الدولة الإسلامية» السوداء، باستثناء أن ماكرون وكاستانير هما في موقع السلطة ويتحملان مسؤولية قانونية وأخلاقية عن أقوالهما وأفعالهما.

القدس العربي