نصرالله القلق يحاول تهدئة الشارع الغاضب بالوعود

نصرالله القلق يحاول تهدئة الشارع الغاضب بالوعود

بيروت – فشل حسن نصرالله أمين عام حزب الله، في خطاب له السبت، في استمالة عشرات الآلاف من المتظاهرين رغم محاولته إظهار دعمه للاحتجاجات التي تهز لبنان منذ أيام وفي نفس الوقت التمسك ببقاء الحكومة ومن ورائها التسوية السياسية التي منحت حزب الله وحلفاءه السيطرة على الحكم في البلاد.
ورد المتظاهرون على خطاب نصرالله، الذي سعى فيه لتحميل المسؤولية إلى “بعض السياسيين”، بشعار يقول “كلهم يعني كلهم، ونصرالله واحد منهم”، أي ضرورة استقالة كل السياسيين بمن في ذلك نصرالله وأن جميعهم يتحمل مسؤولية الأزمة، ولا يمكن لأي شخصية أو جهة أن تتنصل من المسؤولية وتتهم الآخرين.

وكشف نصرالله في خطابه بمناسبة أربعينية الحسين عن ارتباك واضح بين استرضاء الجمهور الغاضب وحرصه على أن تبقى الأمور كما هي، بإعلان دعمه لبقاء الحكومة والبحث عن حلول “بروح جديدة ومنهجية جديدة”.
وقال الأمين العام لحزب الله إنه يدعم الحكومة الحالية “ولكن بروح جديدة ومنهجية جديدة” وإن الاحتجاجات المستمرة تظهر أن الطريق للخروج من هذه الأزمة ليس بفرض ضرائب ورسوم جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود.
وقال “عند فرض ضرائب جديدة على الفقراء سننزل على الشارع”.
واعتبرت أوساط سياسية لبنانية أن نصرالله سعى لشراء الوقت مع تجنب الصدام مع مطالب المحتجين الذين رفعوا السقف عاليا بالدعوة إلى استقالة السياسيين وسقوط النظام كله. لكن ذلك لم يكن ممكنا ولم تعد خطابات نصرالله قادرة على إقناع الجمهور بما في ذلك أهالي الجنوب الذين ردوا على عنف ميليشيات حزب الله وحركة أمل بالهجوم على مكاتب لنواب الحزب والحركة ووصفوا بعض هؤلاء النواب بالحرامية. كما أحرق المتظاهرون صورا لنصرالله وسياسيين آخرين بينهم نبيه بري زعيم حركة أمل مطالبين الجميع بالتنحي.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن التجاء ميليشيات الحزب إلى تفريق المظاهرات بالقوة ما يعكس خوفا من تغييرات يمكن أن تفقد الحزب السيطرة الحالية على المشهد، محذرة من الالتفاف على الانتفاضة بأيد إيرانية مثلما جرى في ثورة الغضب التي اجتاحت العراق مؤخرا.
وحذّر نشطاء على مواقع التواصل من أن انتفاضة لبنان يمكن أن تنتهي إلى مصير مشابه لانتفاضة العراق الأخيرة لافتين إلى أن البيئة الأمنية واحدة، في إشارة إلى استعمال الميليشيات الموالية لإيران في لبنان والعراق للعنف في مواجهة الاحتجاجات.
ولليوم الثالث في مسيرة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النخبة السياسية التي يقول المتظاهرون إنها خربت الاقتصاد وأوصلته إلى نقطة الانهيار، أضرم المحتجون النار في إطارات وقطعوا الطرق وتظاهروا في مناطق عديدة من البلاد.
وأمهل سعد الحريري رئيس وزراء لبنان “شركاءه في الحكومة” 72 ساعة للتوقف عن تعطيل الإصلاحات وإلا فسوف يتبنى نهجا مختلفا، في تلميح محتمل لاستقالته.
ويشارك في أكبر احتجاجات يشهدها لبنان منذ أعوام متظاهرون من مختلف الطوائف والدوائر وأعادت التظاهرات إلى الأذهان ثورات اندلعت في 2011 وأطاحت بأربعة رؤساء عرب. ورفع المحتجون لافتات وهتفوا بشعارات تطالب حكومة الحريري بالاستقالة.
لكن نصرالله قال إن الحكومة الحالية لا تتحمل وحدها مسؤولية ما آلت إليه الأمور وأضاف “اليوم الوضع المالي والاقتصادي هو ليس وليد الساعة وليس وليد السنة ولا الثلاث سنوات ولا وليد العهد الجديد ولا الحكومة الحالية وإنما هو نتيجة تراكم عبر سنوات طويلة”.
وقال “نحن لا نؤيد استقالة الحكومة الحالية. هي بساعة السلامة وطالعين من انتخابات والبلد مرتاح والعالم مطولة بالها على بعضها وبقينا سنة حتى تشكلت حكومة”.
وتابع “إذا استقالت هذه الحكومة يعني ما في حكومة. من غير المعلوم أن تتشكل الحكومة بسنة ولا بسنتين والبلد وقته ضيق. الكل يجمع أن البلد وقته ضيق وما في وقت طويل وما في ترف أن نقعد نشكل حكومة وتأخذ معنا سنة وسنتين”.
وقال “البعض يتحدث عن تشكيل حكومة جديدة.. عم نعذب حالنا على الفاضي لأن الحكومة الجديدة إذا كانت سياسية ستتمثل من هذه القوى السياسية… البعض يتحدثون عن حكومة تكنوقراط. حكومة التكنوقراط لا تستطيع أن تصمد أسبوعين”.
واعتبر نصرالله أن “الحكومة الحالية إذا عجزت عن المعالجة يصعب العثور على حكومة جديدة تستطيع أن تعالج بكل صراحة. لكن المهم هو أن تذهب هذه الحكومة وتعكف يوما وثلاثة وأربعة وخمسا وتناقش وتجد المخارج”.
وتحمّل دوائر سياسية واقتصادية حزب الله المسؤولية عن الأزمة الشاملة التي يعيشها لبنان بسبب العقوبات الخارجية، وخاصة الأميركية على أنشطته، والقلق الذي بات يسيطر على المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال نتيجة ذلك.

ويقول المستثمرون والمصرفيون والاقتصاديون إن عشرة مليارات دولار على الأقل مطلوبة لتجديد الثقة بين اللبنانيين في الخارج الذين دعموا الاقتصاد على مدار العشرات من السنين من خلال الاحتفاظ بحسابات مصرفية في وطنهم.
غير أن عدة مصادر قالت إن على بيروت أن تلبي شروطا تهدف إلى إضعاف نفوذ حزب الله في الحكومة لضمان الحصول على تمويل دول خليجية وبينها السعودية التي عملت ما في وسعها لدعم لبنان لكنها اصطدمت بنفوذ حزب الله وإيران على قطاعات حيوية في لبنان.
ويرى كثيرون أن حزب الله الخاضع لعقوبات أميركية يكتسب مزيدا من السيطرة على موارد الدولة من خلال تسمية وزير الصحة في يناير الماضي بعد أن أدت انتخابات العام الماضي إلى تزايد حلفائه في مجلس النواب.
ويقول البعض إن دولا مثل السعودية والولايات المتحدة مدفوعة للإمساك عن تقديم الدعم لبيروت في إطار سياستها الأوسع التي تسعى لإضعاف إيران وحلفائها الذين يخوضون حروبا بالوكالة مع دول خليجية على عدة جبهات.
وقال سامي نادر مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية ومقره بيروت “صبرهم على إيران وحزب الله تضاءل كثيرا. و’الاستثناء اللبناني’ اختفى”.
وأضاف “مال الميزان وأصبحنا الآن على خلاف مع أصدقائنا السابقين لأن حزب الله له اليد العليا الآن سياسيا”.
وقال الرئيس الإقليمي السابق لبنك غربي كبير دون مواربة “الناس نفد صبرهم على الفساد الذي يعمل فيه ببساطة برلمان متجمد دون أي سلطة على تقسيم الكعكة بين الساسة”.

العرب