من بيروت إلى بغداد الشعب يصرخ “لا للطائفية نريد دولة مدنية”. وفي بيروت يكتب الشعب السطر الأخير من عصر 14 مارس (آذار) 2005، الذي أنتج خروج جيش النظام السوري من لبنان ليكتب السطور الأولى من ولادة جديدة للبنان تبدأ في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2019. 14 عاماً بين 14 مارس 2005 و20 أكتوبر 2019 يجمع بينهما ثورة شعبية عفوية عارمة ملأت الساحات والشوارع في قلب العاصمة ومحيطها، وتمددت إلى مختلف المناطق اللبنانية. فجّرها قلق على مستقبل ومصير، وعلى سيادة ولقمة عيش كريمة.
الشيعة ينتفضون على نصر الله
بين بغداد وبيروت عاد الشريك الشيعي بشكل واضح كاسراً حاجز الخوف والتهديد. ففي بغداد قتل قناصة العشرات من العراقيين ولكن بقيت الثورة هادرة ولم تستكِن. أما في بيروت، فنزلت الملايين إلى الساحات لترد على الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي توعد اللبنانيين والسياسيين بعظائم الأمور فكانت الرسالة مدوية وصادمة. المدن والبلدات ذات “اللون الشيعي” قالت كلمتها “لا للثنائية المتجسدة في حزب الله وحركة أمل”، وواجه المتظاهرون بصدور عارية الرصاص والعراضات المسلحة. وهنا لا بد من التوقف أمام جملة من العوامل التي أدت إلى خروج البيئة الشيعية عن العباءة الإيرانية.
أولاً – احتكرت ثنائية “حزب الله – حركة أمل” كل الوظائف المخصصة للطائفة الشيعية، وقد استطاعت على مدى 30 سنة الماضية توظيف عشرات الآلاف من المناصرين في الدولة، لكن في السنوات الماضية وبسبب وضع الدولة المالي بدأ هذا الأمر يتقلص إلى حدوده الدنيا لينضم عشرات الآلاف من الشبان الشيعة إلى جيش العاطلين من العمل، ما زاد حالات الفقر والتململ في المناطق الشيعية بشكل غير مسبوق.
ثانياً – الأزمة المالية التي يعاني منها حزب الله بسبب العقوبات الأميركية التي خنقت داعميه الإيرانيين انعكست بشكل كبير على تقديماته للمناصرين والمحازبين، والمؤسسات التابعة له والتي تضم الآلاف من المواطنين الشيعة. فهذا الحزب الذي ربط أكثر من مليون شيعي خلال العقود الماضية بمؤسسات تابعة له لم يعد قادراً على استكمال تمويلها.
ثالثاً – مارس الحزب السطوة والاستبداد في بيئته تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” وخوّن كل من عارضه. ولا يخفى أن الضيق الاقتصادي والمعيشي والشكوى من سياسة السلطة، يطال كل الفئات والطوائف. ونظراً إلى انخراط حركة أمل وحزب الله في السلطة فإن الاتهامات وجهت إليهما من قبل المناصرين بالمسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية المزرية.
حزب الله يرمي كرة النار على “أمل”
مصادر شيعية معارضة تشير إلى أن هول الصدمة الشعبية دفع بحزب الله باتجاه محاولة التنصل من تحمل المسؤولية الاجتماعية الاقتصادية ورميها على “شريكه” في الثنائية حركة أمل في محاولة لركب موجة النقمة المتصاعدة ضد السلطة وإظهار نفسه شريكاً في مطالبة السلطة وتحميلها وزر الانهيار الاقتصادي-الاجتماعي، مشيرة إلى أن الصراع الخفي بين الحزب والحركة بدأ بالخروج إلى العلن بشكل واضح.
اقرأ المزيد
لبنان… جنبلاط يطالب باسيل بالتنحي والمتظاهرون لن يغادروا الساحات
ماذا تعني استقالة وزراء حزب القوات اللبنانية من الحكومة؟
ولفتت المصادر إلى أن مندسين من حزب الله اخترقوا صفوف المتظاهرين في المناطق الشيعية وحاولوا التصويب باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري والعمل على تحييد حسن نصر الله، مضيفة أن الرسالة وصلت إلى بري حيث وللمرة الأولى بتاريخها، امتنعت قناة NBN التابعة لبري عن نقل خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وهي الوحيدة بين الشاشات اللبنانية التي لم تنقل الخطاب، في وقت كانت تبث مسيرة تضامن مع الرئيس بري في صور.
وشدّدت المصادر نفسها على أن محاولات نصر الله رمي كرة النار على حركة أمل واستمالت المتظاهرين فشلت وكشفت عن ارتباك واضح بين استرضاء الجمهور الغاضب وحرصه على أن تبقى الأمور كما هي، بإعلان دعمه بقاء الحكومة والبحث عن حلول “بروح جديدة ومنهجية جديدة”.
نصر الله يتمسك بالحريري
ورأت المصادر أن نصر الله سيستميت لإبقاء الوضع الراهن كما هو، حيث يعتبر أن التركيبة الحالية هي الخط الدفاع الأول عن مشروعه الممتد من طهران إلى بيروت. وتضيف أن رئيس الجمهورية يغطي مشروعه الإقليمي والحكومة التي يرأسها الحريري باتت أداة بيده لتسويق سياساتها محلياً ودولياً بلباس شرعي ومجلس نيابي وفق توازنات تعطيه هامش الإمساك بتوازنات السلطة، معتبرة أن نصر الله بات مدافعاً شرساً عن الرئيس الحريري.
في المقابل، تشير مصادر سياسية لبنانية إلى أنها تدرك أن تريث الحريري بتقديم استقالته مرتبط بتوازنات واتصالات دولية ومن ضمنها فرنسا، التي تربطها مصالح مع إيران ولديها قنوات اتصالات فاعلة مع حزب الله، إلا أنها تعتبر أن على الحريري أن يختار بين الزعامة والحكومة.
نصر الله يهدد جنبلاط؟
وأشارت المصادر إلى أن الشارع السني بأكثريته الساحقة تموضع بشكل واضح في ساحتَي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت وبقية المناطق اللبنانية، وأنه لا يزال ينتظر انضمام الحريري إلى صفوف المتظاهرين، مشيدة بموقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي اتخذ قرار الاستقالة من التسوية المدمرة للبنان.
وتخوّفت المصادر من أن يكون رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد تلقى رسائل تهديد دموية من النظام السوري أو حزب الله، ما يدفعه للتريث والتراجع عن الشراسة الذي بدأها في الأيام الماضية، مذكرة أن جنبلاط كان أول من أطلق شعار “العهد الفاشل” وهو أول من نزل على الأرض للتحرك ضد عهد ميشال العون، داعية جنبلاط إلى كسر حاجز الخوف وتسجيل اسمه على لائحة الشرف التي ستقود المرحلة المقبلة من تاريخ لبنان الجديد.
اندبندت العريي