لم أقرر بعد ما إذا كانت تكاليف الاتفاق النووي مع إيران تستحق مزاياه، لكنني توصلت إلى خلاصة واحدة وهي أنّ حجّة الرئيس الأمريكي باراك أوباما القائلة إنّ “الخيار البديل لهذا الاتفاق هو الحرب” هي حجّة خاطئة.
فلنفترض أنّ الكونغرس أبطل نقض الرئيس لقرار رفض الاتفاق، ما الذي سيحدث في اليوم التالي؟
لقد قال الرئيس أوباما إنّ تصويت الكونغرس على هذا النحو لا يبطل الاتفاق فحسب بل يدمّر أيضاً كافة القيود الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، مما سيدفع الإيرانيين إلى الإسراع نحو إنتاج قنبلة. وتقول حجّة الرئيس إنّه من شأن هذا التطور أن يفتح الباب أمام قيام سباق إقليمي نحو التسلّح النووي ويدفع الولايات المتحدة أو إسرائيل إلى اتخاذ خطوات عسكرية لمنع إيران من الوصول إلى إنتاج قنبلة نووية. أما إيران، فمن المرجح أن ترد على أي من الحالتين من خلال قيام «حزب الله» بإطلاق آلاف الصواريخ باتجاه إسرائيل، مما يؤدي بدوره إلى اندلاع الحرب.
ولكن هل هذه حقاً هي سلسلة الأحداث الأكثر ترجيحاً؟ كلا.
قد تبدأ الشكوك توارد الرئيس الأمريكي حول اتفاق فيينا نظراً لما يواجهه من معارضة قد تتطور إلى ثورة محتملة داخل حزبه بالإضافة إلى المعارضة شبه الكاملة من قبل الجمهوريين. وإذا كان لا يزال ينوي إنقاذ الاتفاق النووي، سيتوجب عليه العودة إلى طاولة المفاوضات – مع شركائه في «مجموعة الخمسة زائد واحد» أولاً ومع إيران بعد ذلك – لضمان [إدخال] تحسينات معيّنة.
وقد تشمل مثل هذه التحسينات على سبيل المثال إعطاء إيران قدر أقل من الوقت لتأخير عمليات التفتيش، والحفاظ على حظر توريد الأسلحة لفترة أطول، وتفصيل العواقب بصورة واضحة ومتفق عليها لمختلف أنواع الانتهاكات الإيرانية. بمعنى آخر، إنّ التصويت بالرفض قد يجبر الرئيس الأمريكي إلى السعي [للتوصل] إلى ما يُشار إليه عامةً كـ “اتفاق أفضل”.
لكن لنفترض أنّ أوباما يصرّ على إقرار النص الحالي على الرغم من الهزيمة المذلة التي لحقت بإنجازه الرئيسي في سياسته الخارجية. علينا في هذه الحالة أن نتذكر بالتحديد ما سيصوت عليه الكونغرس، أي تقييد قدرة الرئيس الأمريكي على التخلي عن العقوبات المفروضة على إيران. إن هذا كل ما في الأمر، إذ سيحافظ الرئيس على صلاحيات منصبه التي تسمح له بالسعي إلى تنفيذ الاتفاق بطرق أخرى.
وفي هذه الحالة، أعتقد أنّ السيناريو المحتمل قد يكون على النحو التالي:
قالت الإدارة الأمريكية أنّها ستحاول الحصول على دعم مجلس الأمن الدولي لاتفاق فيينا في الأيام المقبلة. ويعني ذلك أنّ الاتفاق سيُدرج ضمن القوانين الدولية قبل أن يتمكن الكونغرس من التصرف، على الرغم من أنّه سيتم توقيت قرار مجلس الأمن بحيث لا يصبح نافذ المفعول إلا بعد تصويت الكونغرس على الصفقة.
ولنقل أنّ الكونغرس سيصوّت في أوائل شهر أيلول/سبتمبر على إبطال نقض الرئيس. عندئذ سيتوجّه الرئيس العازم على إقرار الاتفاق إلى الجلسة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة ليعلن أنّه سيفعل كل ما في وسعه لتنفيذ الاتفاق. وإذا لم يسمح له الكونغرس بالتنازل عن العقوبات، كما فعل فيما يخصّ ترحيل بعض المهاجرين غير الشرعيين، فعندئذ سيوجه قراراً إلى وزارة الخارجية ووزارة الخزانة الأمريكيتين بتركيز سلطتهما في تنفيذ القوانين على قضايا أخرى. وسيثير ذلك غضب الكونغرس وستلوح معركة قانونية في الأفق.
ولكن حتى في هذه المرحلة لا تكون الولايات المتحدة قد انتهكت الاتفاق. فوفقاً للصفقة، تتمثل الخطوة التالية بتطبيق إيران للقيود النووية المفروضة عليها، أي تجميد عمل أجهزة الطرد المركزي وتعديل تصميم مفاعل آراك لإنتاج مادة البلوتونيوم وغيرها، بشكلٍ يرضي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ويقدّر أغلبية الخبراء أنّ ذلك سيستغرق ما لا يقل عن ستة أشهر. ولن تكون دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» ولا الأمم المتحدة مضطرة إلى تطبيق التزاماتها برفع العقوبات (أو تعليقها في ما يخصّ الولايات المتحدة) إلا بعد تأكيد «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أنّ إيران قد لبّت المتطلبات المنصوص عليها.
وبعبارة أخرى، حتى لو رفض الكونغرس الأمريكي سلطة الرئيس على التنازل عن العقوبات المفروضة على إيران في أيلول/سبتمبر، فإن الرئيس أوباما لن يبدأ باستخدام هذه السلطة قبل الربيع المقبل على الأقل. وفي هذه المرحلة، أي عندما يحاول الرئيس الأمريكي الإلتفاف حول قرار الكونغرس، من المتوقع أن يرفع [الزعماء الجمهوريون ومن بينهم] السيدين ماكونيل وبوينر قضيتهما إلى المحاكم. وفي النهاية، يكون القرار في يد المحكمة العليا. وفي ذلك الحين، قد يكون الرئيس في منصبه، كما من المحتمل أن يكون قد أنهى فترة ولايته الثانية.
ولكن ما هي الخطوات التي ستتخذها إيران خلال قيام هذه المنافسة السياسية المحلية في الولايات المتحدة؟ هل تتخلى عن إنجازاتها الدبلوماسية الهائلة في فيينا مقابل الإندفاع بجنون نحو الحصول على قنبلة؟ إن هذا الاحتمال مستبعد جداً. أعتقد أنّ إيران ستسعى إلى استغلال المشاحنات الداخلية في الولايات المتحدة لعزل أمريكا عن شركائها في التفاوض.
وسيقول الدبلوماسيون الإيرانيون الملمّون بمجرى الأمور، “نحن نأسف جداً لرؤية عقول صغيرة في الكونغرس تحاول تبديد آمال السلام والأمن المشترك. لكننا لن نسمح لهم بذلك، وسنستمر في محاولة الالتزام بأحكام الاتفاق”. وهذه أفضل وسيلة تستطيع إيران من خلالها ضمان قيام الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة برفع العقوبات المفروضة عليها، وفي الوقت نفسه، تعميق الانقسامات بين واشنطن وحلفائها الرئيسيين.
لنضع هذه القضية في السياق المناسب. سيؤدي رفض الكونغرس الأمريكي للاتفاق مع إيران إلى قيام وضع غير جيّد. ففي حين أنّ هذا الرفض قد يقنع الرئيس أوباما بالسعي لإبرام “اتفاق أفضل” للحصول على الدعم التشريعي، لا يمكن لواشنطن أن تخدع نفسها عبر الاعتبار أنه بإمكان الولايات المتحدة العودة إلى نقطة الصفر في المفاوضات بكل بساطة، أو الاستمرار في فرض نظام العقوبات الحالي وكأن الجهود الدبلوماسية التي بُذلت خلال العامين الماضيين لم تحدث أبداً. إن واشنطن ستجد نفسها في وضع جديد أكثر غموضاً من قبل.
إلا أنّ هذه الفوضى بعيدة كلّ البعد عن الحرب. ومن وجهة نظري، إن الحرب الوحيدة التي قد تندلع نتيجة تصويت الكونغرس على عدم إقرار الاتفاق هي حرب كلامية بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في الولايات المتحدة، الأمر الذي ستفصل فيه المحكمة العليا في نهاية المطاف. بمعنى آخر، إن السيناريو الأسوء الذي قد ينتج عن هذا التصويت هو سير الأمور على منوالها المألوف في واشنطن.
روبرت ساتلوف
معهد واشنطن