لم تكن المظاهرات الأخيرة في العراق اعتيادية بالمرة، فبالإضافة إلى هويتها الشبابية والعفوية كانت الدماء والعنف المفرط الذي واجهه المتظاهرون عنوانا آخر لها، وقد أحرجت المظاهرات والأحداث التي رافقتها الطبقة السياسية في العراق.
وبعد انقضاء عشرة أيام منها، جاءت خطبة الجمعة لممثل المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني لتضع حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في حرج مضاعف، بعد أن طالبت بتحقيق شامل للأحداث وتقديم نتائجه قبل 25 من الشهر الجاري، وهو موعد معاودة المظاهرات، ليستجيب عبد المهدي ويوجه بالتحقيق.
وأمس الثلاثاء، ظهرت نتائج التحقيق الذي أجرته لجنة يرأسها وزير التخطيط نوري الدليمي، لتصب المزيد من الزيت على لهيب الرأي العام.
غضب وسخرية
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي -رغم حجبها وتردي خدمة الإنترنت- بمنشورات تنتقد نتائج التحقيق اجتمعت أغلبها على اعتبارها ليست واقعية، فكتب الصحفي عمر الشاهر في منشور له “حمدا لله على براءة السيد القائد العام للقوات المسلحة من دماء المتظاهرين”، في إشارة إلى عدم تحميل عبد المهدي أي مسؤولية عما وقع.
وجاء منشور الصحفي أحمد الشيخ ماجد مذكرا بخطاب عبد المهدي الأول بعد المظاهرات والذي ذكر فيه أن ما يجري “صراع بين الدولة واللادولة”.
واستغرب الشيخ تبرئة عبد المهدي من الأحداث، وعدم التطرق إلى دوره في فض المظاهرات أو إصدار أوامر إطلاق النار.
أما الأكاديمي والشاعر حازم هاشم فقد كان منشوره مقتضبا “نتائج اللجنة التحقيقية بحاجة إلى تشكيل لجنة تحقيقية أخرى”، في إشارة إلى عدم واقعية وصدقية التحقيق.
وفي فقرات التقرير النهائي للنتائج، ذكرت اللجنة أنها توصلت إلى حقيقة عدم إصدار أوامر إطلاق نار من القادة المسؤولين، وأن ما حصل ارتجال لعناصر الأمن.
وتعليقا على ذلك، سجل مدونون استغرابهم من استمرار ما أطلقت عليه النتائج “ارتجالا” لأكثر من أسبوع، دون موقف علاجي من القادة المسؤولين.
اعلان
شبح القوانين
وورد في تقرير النتائج التي أطاحت بعشرات الضباط الميدانيين والمنتسبين وعدد من القادة كقائد عمليات بغداد أنه ستتم إحالة الملف من اللجنة إلى القضاء لإكمال التحقيق.
ووفق الخبير القانوني علي التميمي، فإن “الآمر أو القائد مسؤول عن الجريمة ويعد شريكا فيها وإن لم يعطِ أوامر بذلك وفق المادة 24 من قانون العقوبات العسكرية العراقي”.
ويكمل التميمي حديثه للجزيرة نت “نفس الحال ينطبق على المادة 52 من قانون قوى الأمن الداخلي، وحتى قانون العقوبات العراقي عاقب في المادتين 48 و49 على التحريض والتوجيه باستخدام العنف، ويوجب مساءلة القادة عن القتل العمد وإحداث العاهات”.
وضمن النتائج التي خرج بها التحقيق اعتراف بوجود عنف واستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل، واعترف بسقوط 149 قتيلا في صفوف المتظاهرين و4207 جريحا، إضافة إلى ثمانية قتلى من قوات الأمن، كما أن اللجنة الوزارية المكلفة بالتحقيق أقرت بوجود قناص استهدف المتظاهرين، لكنها عزت الأمر إلى مجهول.
التقرير الحكومي لم يكشف عن الجهات الحقيقية التي أمرت بقتل المتظاهرين.. على الحكومة الاستقالة والاعتذار من الشعب عن الجريمة التي ارتكبت بحق المواطنين العزل خصوصا وان استهدافهم حصل في اكثر من محافظة وفي اكثر من موقع مما يدلل ان التوجيه كان من جهة مركزية عليا.#لا_لبيع_الوطن
حفلة النقد
كما استقطب إعلان نتائج التحقيق بأحداث المظاهرات آراء كثيرة اتفق أغلبها على انتقاد الحكومة واللجنة التي أجرت التحقيق، فعلق رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على النتائج بالقول إن “تقرير الحكومة لم يكشف القتلة، وتوجيه فتح النار كان مركزيا”.
ووصف النائب في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي التحقيق بـ”السخيف والتافه”، وانضم وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي إلى حملة النقد بالقول “إن التقرير لم يكشف الجناة بل أخفاهم”، في حين تساءل تيار الحكمة الذي يتزعمه عمار الحكيم عن القناصين والمندسين ومصير المعتقلين.
وسجل رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية الدكتور مناف الموسوي ملاحظاته على تقرير نتائج التحقيق بالقول للجزيرة نت إن “التقرير لم يكن موفقا، فهو لم يتحدث عن قتلة المتظاهرين أو من أصدر الأوامر بذلك، كما لم يتعرض إلى القناصين الذين قتلوا المتظاهرين أو الجهة التي ينتمون لها”.
وتضمن تقرير نتائج التحقيق إحصائية صحية لدائرة الطب العدلي تبين أن 70% من الإصابات لقتلى المظاهرات في منطقتي الرأس والصدر.
سبب آخر للتظاهر
وطالب مواطنون بمحاكمة علنية من أجل معرفة المتورطين بقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء ومن أصدر الأوامر بذلك.
ويقول غيث محمد -وهو أحد المشاركين في مظاهرات بغداد طوال أيامها- “إن ما وقع بحق المتظاهرين إبادة، وإذا انتهى التحقيق بهذا الشكل فسيكون مهربا للمتورط الحقيقي في هذه الإبادة”.
بينما يرى عبد الوهاب الحمداني -وهو متظاهر من مدينة الناصرية جنوبي البلاد- أن “التحقيق لم ينجُ من تدخلات خارجية وإرادات سياسية”.
ويشير الحمداني إلى أن “الحيادية غائبة عن التحقيق، فهو ألقى باللوم على مجموعة معينة من الضباط ولم يتطرق للقيادات العليا أو الفصائل.
ويرجح أن “المتظاهرين الحقيقيين لا يأبهون بنتائج التحقيق، وسيجددون مظاهراتهم بغضب وزخم أكبر”.
ويتفق المتظاهر غيث محمد مع هذا الرأي، فيرى أن نتائج التحقيق ستخلق دافعا إضافيا للتظاهر والاحتجاج يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، مؤكدا أنها لن تؤثر على حركة الاحتجاج بل ستزيد قوته.
المصدر : الجزيرة