زيارة رئيس الوزراء الباكستاني الأخيرة إلى كل من إيران والسعودية، وإن وضعتها منابر إعلامية تحت عنوان جهود وساطة تبذلها إسلام آباد بين الرياض وطهران، فقد أظهرت مجدّدا أن ظروف بدء حوار بين العاصمتين لم تتهيّأ بعد، نظرا إلى عدم وجود تغييرات موضوعية يمكن البناء عليها، ومن ذلك عدم تلمّس السعودية أي تغييرات فعلية في السياسات الإيرانية المسبّبة للتوتر في العلاقة بين البلدين، وذلك على الرغم من التغير الجزئي في الخطاب الإيراني تجاه المملكة نحو نوع من اللين والمرونة.
الرياض – لا يستبعد بعض المراقبين للشؤون السعودية أن تكون التغييرات التي قضت بتعيين الأمير فيصل بن فرحان وزيرا للخارجية بدلا من إبراهيم العساف، مرتبطة بمستقبل موقف المملكة برمته من إيران، سواء تعلّق الأمر باحتمالات التصعيد، أو باحتمالات فتح أبواب الحوار بناء على المساعي التي يبذلها رئيس وزراء باكستان عمران خان.
وعلى الرغم من أن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير نفى وجود وساطة بين السعودية وإيران، إلا أن ما صدر عن خان في طهران والرياض، كما صَمْت العاصمتين عن مداولات الرجل، أوحى أن ما توصّل إليه ليس سلبيا، وإن كانت جهوده لم تفتح كوة واضحة في جدار القطيعة بين السعودية وإيران.
واعتبرت مصادر دبلوماسية أن السعودية وإيران تعاملتا مع حادث تعرض حاملة نفط إيرانية في البحر الأحمر قبالة مدينة جدة إلى تفجير، بكثير من الروية والتأني.
فعدا عن نفي الرياض أي مسؤولية عن الحادث، انتقلت المنابر الإيرانية من التلميح إلى اتهام السعودية بالوقوف وراء الأمر، إلى اتهام إسرائيل والولايات المتحدة بذلك، على أساس أنهما تعملان على تخريب الجهود الباكستانية.
وكانت تلك الناقلة قد تعرضت لتفجير قيل إنّه ناتج عن ألغام بحرية أو صواريخ موجهة قبل يومين من وصول عمران إلى طهران. ومع ذلك لم يؤثر الحادث على مداولات الرجل مع مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، ولم يتداع الحدث على التصريحات الإيجابية، التي صدرت عن خامنئي وروحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف حول استعداد إيران للحوار، وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية.
ورأت مصادر إيرانية مراقبة أن القيادة الإيرانية عملت على وضع أمر التعرض لناقلة النفط داخل سياق قانوني يستدعي تحقيقا قبل توجيه الاتهام بدقة. واعتبرت المصادر أن هذه المقاربة ابتعدت عن العاديات الإيرانية، التي كانت تستدعي صدور تصريحات مهولة مهدّدة من قبل جنرالات الحرس الثوري والجيش، واقتربت تماما من السلوك الذي انتهجته الإمارات في ملازمة الهدوء والتريث والركون إلى نتائج التحقيق في الاعتداءات التي طالت سفنا بالقرب من الفجيرة، كما اقتربت من الأسلوب الذي انتهجته السعودية في الركون إلى تحقيق تشارك به عواصم دولية للكشف عن حيثيات تعرض منشآت أرامكو للقصف داخل أراضيها.
واشنطن طلبت من عمران خان استطلاع إمكانيات الحوار بين إيران والسعودية، وموسكو لم تعلن رعايتها لمساعيه
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان رفض تسمية دولة بعينها في الوقوف وراء اعتداءات الفجيرة، فقد اتهم وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير إيران بالوقوف وراء اعتداءات أرامكو. إلا أن هذه الاتهامات بقيت سياسية ولم تأخذ بعدا رسميا يستدعي إجراءات دولية ضد إيران.
وتكشف مصادر دبلوماسية أن الدوائر المختصة لا تملك أي معطيات حول وجود فرص لفتح حوار بين السعودية وإيران، مذكّرة بأن مساعي عمران خان لـ”تسهيل” الحوار بين البلدين، وفق تعبيره، ليست الأولى لمسؤول باكستاني، وأن كافة المحاولات التي جرت قبل ذلك من قبل مسؤولين باكستانيين باءت بالفشل.
وتلفت هذه المصادر إلى أن التصريحات التي صدرت عن الجانب الإيراني على هامش زيارة عمران لطهران ركزت وكررت أن مفتاح الحل يبدأ بإيجاد التسوية المناسبة في اليمن، فيما لم يصدر عن الجانب السعودي الكثير على هامش زيارة المسؤول الباكستاني للسعودية.
وترى مصادر خليجية متخصصة أن إعلان جماعة الحوثي وقف الاعتداءات ضد الأراضي السعودية يؤشر فعلا إلى أهمية الملف اليمني بالنسبة إلى إيران، واستعداد طهران لبعث رسائل المرونة من خلال اليمن. وتضيف المصادر أن ترحيب نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بإعلان الحوثي ودعوته إلى حل سياسي في اليمن، يبعث أيضا برسالة إيجابية تصبّ داخل ورشة الحوار التي يعمل عليها الزعيم الباكستاني.
ويرصد مراقبون في الولايات المتحدة صمتا في واشنطن حيال مساعي عمران خان، لاسيما من أجل فتح حوار بين واشنطن وطهران، ما يطرح أسئلة حول مستقبل الحوار السعودي الإيراني.
وتلاحظ المصادر أن الإدارة الأميركية لم تنف ما أعلنه عمران من أن واشنطن طلبت منه استطلاع سبل الحوار مع إيران، إلا أنه لم يصدر عن تلك الإدارة ما يمكن أن يعتبر إيجابيا في هذا الصدد. وذكّرت المصادر أن إعلان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر عن إرسال 2000 جندي مع منظومات صاروخية دفاعية إلى السعودية، يمكن إدراجه في خانة التصعيد ضد طهران، مع العلم أن قرار إرسال الدعم العسكري اتخذ قبل ورشة عمران خان وإثر تعرض منشآت أرامكو في السعودية للاعتداءات.
وتلفت مصادر في موسكو إلى أن مبادرة خان لا تحظى برعاية دولية شاملة وتأخذ طابعا تجريبيا، خصوصا أن إيران لا تعتبر خان طرفا محايدا، وتأخذ عليه قيامه بأول زيارة له للخارج بعد تسلمه منصبه إلى السعودية، وتعتبر ذلك مظهرا لانحيازه للرياض.
وتضيف المصادر أن طهران أرسلت وزير الصحة الإيراني لاستقبال خان في المطار حين زار طهران بعد مرور أشهر على زيارته للرياض، تعبيرا عن امتعاض إيران من خيارات الزعيم الباكستاني. وتخلص مصادر موسكو إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه نفى، على هامش زيارته الأخيرة للسعودية، قيامه بأي وساطة بين الرياض وطهران، معتبرا أن البلدين لا يحتاجان إلى وسيط، ما يعني أيضا أن لا رعاية روسية لمساعي الوسيط الباكستاني.
العرب