بغداد – كشفت مصادر سياسية عراقية عن خطط فصائل مسلحة موالية لإيران، تنشط ضمن قوات الحشد الشعبي، للزج بعناصرها في صفوف المحتجين، في التظاهرات المؤمل انطلاقها في المدن العراقية، الجمعة.
وذكرت مصادر استخبارية عراقية لمراسل “العرب” في بغداد أن حركة عصائب أهل الحق وحركة النجباء وكتائب حزب الله، وجميعها ميليشيات عراقية موالية لإيران، وجهت عناصرها بالنزول إلى ساحات التظاهر والاختلاط بالمحتجين.
وأبلغت المصادر “العرب”، أن “هذه التحركات تسعى إلى تحقيق أهداف عدة، أولها التجسس ومعرفة مزاج الحراك الشعبي والتأثير عليه، وثانيها منع المتظاهرين من التوجه إلى المنطقة الخضراء أو محيط السفارة الإيرانية، ورابعها افتعال صدامات مع قوى الأمن لجرها إلى استخدام العنف، ورابعها إمكانية ضرب التظاهرات من الداخل إذا تطلب الأمر”.
وبدت بغداد قلقة ومستنفرة، قبل ساعات من الموعد المحدد لجولة جديدة من التظاهرات، اليوم الجمعة، استكمالا للتظاهرات التي شهدتها المدن العراقية بداية الشهر الحالي وقمعتها القوات الأمنية مودية بحياة العشرات من المتظاهرين السلميين.
يأتي ذلك في وقت برّأ فيه رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي مدير مكتبه أبوجهاد الهاشمي من قمع الاحتجاجات الشعبية مطلع الشهر الجاري.
وكانت مصادر إعلامية وسياسية قد كشفت الدور الرئيسي الذي قام به الهاشمي في قمع المتظاهرين نظرا لقربه من مركز صنع القرار في بغداد وعلاقته الوثيقة مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.
ويشغل الهاشمي منصب مدير مكتب رئيس الوزراء، وهو منصب بدرجة وزير وفقا للقانون العراقي، ويتمتع شاغله بصلاحيات واسعة.
وينتمي الهاشمي إلى المجلس الأعلى الإسلامي الذي تأسس في طهران في ثمانينات القرن الماضي، وكان منتسبا لفيلق “بدر” الجناح العسكري للمجلس، الذي قاتل مع صفوف الجيش الإيراني في الحرب ضد العراق.
وازداد التشنج في العاصمة العراقية مع اقتراب موعد التظاهرات، حيث باتت قوات الأمن مشغولة بتنظيم صفوفها وتوزيع عناصرها في مختلف المواقع، وبات السكان مهتمين بشراء المواد الغذائية وخزنها، تحسبا لإعلان حظر التجوال، كما حدث خلال موجة التظاهرات الأولى مطلع أكتوبر.
وفي محاولة لطمأنة السكان الخائفين في بغداد، عقد مجلس الأمن الوطني، وهو تشكيل خاص يضم رئيس الوزراء بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيري الداخلية والدفاع ورؤساء الحشد الشعبي والمخابرات والأمن الوطني، وبعض أبرز الجنرالات، اجتماعا مساء الأربعاء، ليؤكد “الحق في التعبير عن المطالب المشروعة بالتظاهر السلمي”، على أن “تتكفل القوات الأمنية بحماية المتظاهرين والممتلكات العامة والخاصة، وعدم السماح بحرف التظاهرات عن مسارها السلمي، والدعوة للتعاون من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار”.
وقال مراسل “العرب” في بغداد إن لجانا تنسيقية صغيرة وعديدة تحث المتظاهرين من مختلف أرجاء العاصمة العراقية على حمل خيم وفراش للنوم والتوجه نحو أقرب ساحة عامة، استعدادا للاعتصام فيها، حتى تحقيق مطلب إسقاط النظام السياسي، فيما ذكر نشطاء أن المدرسين يخططون لإطلاق إضراب في المدارس الحكومية بالتزامن مع الموجة الثانية من التظاهرات.
وتعليقا على دخول التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر على خط التظاهرات وإعلانه تأييدها، حذر مراقبون من “عملية تسليم واستلام للحكم الطائفي، من جماعة الفصائل الولائية المقربة من إيران إلى الصدريين، أي من تحالف البناء بقيادة هادي العامري إلى الإصلاح بقيادة الصدر بعد تظاهرات 25 أكتوبر”.
أهداف تحركات الميليشيات
وروج مقربون من هذه الفصائل المسلحة الموالية لإيران أنباء عن “فرصة أخيرة”، منحت لعادل عبدالمهدي.
وقال هؤلاء إن مقربين من الصدر والعامري اجتمعوا في بغداد، الأربعاء، وتوصلوا إلى اتفاق تمنح بموجبه حكومة عبدالمهدي بضعة شهور لتنفيذ برنامج إصلاحي جذري.
وأضافوا أن هذا الاتفاق انتهى إلى تنظيم “مسيرة سلمية”، الجمعة، على أن تحمل شعارات عامة تتعلق بضرورة محاسبة الفاسدين وإصلاح الأوضاع.
وبرغم أن مقتدى الصدر تعهّد علنا بأنه سيتصرف إذا تكررت الاعتداءات الحكومية على المحتجين، إلا أن تنسيقيات التظاهرات أخذت هذه التطورات بريبة، ووزعت تعليمات على المتظاهرين بتجنب الاحتكاك مع ملثمين أو وجوه غير معروفة داخل الساحات والانحياز نحو المناطق السكنية بهدف الاعتصام في حال رصدت تحركات مريبة داخل المواقع الرئيسية المحددة للتجمع.
ودعا الصدر، الخميس، الرئيس العراقي برهم صالح وقوات سرايا السلام إلى التدخل لنشر السلام في حال تعرّض المتظاهرون للاعتداء خلال المظاهرات الشعبية التي ستنطلق، الجمعة، في بغداد والمحافظات.
ويستعرض الكاتب العراقي محمد غازي الأخرس، الخيارات المرتبطة بتظاهرات الخامس والعشرين من أكتوبر في العراق، مشيرا إلى أن “هناك من يتحدث مثلا عن تغيير رئيس الوزراء أو تبديل الطاقم ككل بالرئاسات الثلاث والكابينة الوزارية”. وأضاف الأخرس “بالتوازي مع هذا، هناك من يتحدث عن الأزمة بوصفها حدثا أو سلسلة أحداث مرتبطة بمعادلات خارجية وداخلية”، مشيرا إلى أن “ثمة من يتحدث عن الأفكار فيطالب بتغيير النظام السياسي كله، الدستور وقانون الانتخابات ومنطق التمثيل السياسي، بل حتى نوع العقائد السياسية الفاعلة، من الإسلام السياسي حتى الليبرالية المزيفة”.
ومضى قائلا، “أنا أميل إلى هذا النوع من التعاطي”، معتبرا أن “الموضوع أكبر من نوري المالكي أو عبدالمهدي أو مقتدى الصدر أو السيستاني (…) الموضوع يتعلق بالأفكار، يتعلق بالمنطق أو المنظومة التي سيرت حياتنا السياسية منذ عام 2005، أي منذ إقرار الدستور وإجراء أول انتخابات أسست لنظامنا السياسي المشوّه”.
وتساءل الأخرس “هل يمكن التغيير بهذا المعنى؟”، مجيبا بـ”نعم.. يمكن ولكنه أشبه بالعملية الجراحية المعقدة، تحتاج طبيبا بارعا وأدوات تقنية يصعب توفرها في عراق اليوم”.
في غضون ذلك، قالت مصادر سياسية إن القوى السياسية الشيعية تتداول ثلاثة أسماء لخلافة عبدالمهدي على رأس الحكومة، في حال أيقنت أن عليها التضحية به لتهدئة المحتجين.
وكشفت المصادر أن أكثر المرشحين حظا لخلافة عبدالمهدي هو وزير التعليم في الحكومة الحالية قصي السهيل، مضيفة أن المرشح الثاني هو محافظ النجف الأسبق، والنائب عن تحالف النصر حاليا، عدنان الزرفي، فيما أشارت إلى أن المرشح الثالث في قائمة بدلاء عبدالمهدي هو محافظ البصرة أسعد العيداني.
العرب