أسترجع بهذا المقال سلسلة مقالات للكاتب والباحث الكويتي خليل علي حيدر، فقد كتب خليل حيدر قبل سنوات مقالات على فترات متقطعة عنونها كالآتي:
بين السعودية وإيران
شيعة الكويت ومغامرات السياسة الإيرانية
شيعة الكويت ومأساة حلب
يخلص الكاتب في هذه المقالات إلى أن الشيعة السياسية بالكويت وبالمنطقة عموما قد صادرت التشيع التلقائي لدى الشيعة العرب لصالح مشروع إيران للتشيع السياسي، ومفاده باختصار هو الولاء للولي الفقيه وهو ما لا تخفيه أحزاب الشيعة السياسية بالعراق ولبنان واليمن والكويت والبحرين، بل إن زعيم حزب الله اللبناني صرح علنا وجهارا نهارا إلى أن كل تمويل وتموين ودعم حزبه يأتي مباشرة من إيران، ويكتب خليل حيدر باختصار حول الشيعة بالخليج الآتي:
“قلة من الشيعة تدرك ان السعودية في الواقع أهم بكثير في هذا المجال من ايران، وأن السعودية والدول الخليجية هي التي تضمن للشيعة هذا التسامح المذهبي وهذا المستوى المعيشي الرفيع.. لا مغامرات السياسة الايرانية.. ان مستوى معيشة الشيعة ومصالحهم واستقرار حياتهم، وحتى أسعار عقاراتهم وتجارتهم، وكل ما هو جدير بالاهتمام والدفاع، مرتبطة وبقوة باستمرار قوة دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، مهما كانت التفاصيل بعد ذلك.”
والواقع أن ما ينطبق على شيعة الخليج هو ما بدا ينطبق جليا بانتفاضتي العراق ولبنان هذه الأيام، فالعراق ولبنان تديرهما أحزاب الشيعة السياسية التي تعلن الولاء لطهران، فارتبط تحكمهما بهاتين الدولتين المنكوبتين بالفساد والمزابل المتراكمة وغياب الخدمات الضرورية لحياة الإنسان، وهما من الدول التي تتمتع بخيرات هائلة لو أحسن استغلالها لتحولت (وبالذات العراق) لجنان خضراء من النعيم والخدمات والنظافة.
ما جرى ويجري بالعراق ولبنان اليوم، هو بظاهره ثورة ضد الفساد والتخلف وغياب الخدمات، ولكنه بجوهره ثورة ضد الهيمنة الإيرانية على هاتين الدولتين من خلال تحكمها بهما بإحزابها السياسية المسلحة.
الثورة في العراق اندلعت ببغداد، لكنها استعرت جنوبا حيث الغالبية “الشيعية”، وبالتالي هي ثورة شيعية عراقية وطنية ضد التشيع الإيراني، ومطالب الثوار هي مطالب وطنية تصطدم بالضرورة مع المشروع الإيراني الذي جلب الخراب والفساد لهذه الدول، فقد أدرك المحتجون والثائرون أن إيران ينطبق عليها القول الشعبي “ما عزّيت نفسي، أعزّيك”، أي لن يعطيك الحافي نعلا يقيك من الرمضاء الحارقة، ما جرى ويجري بالعراق ولبنان اليوم هو إعلان فشل تلك التركيبة “الطروادية” لإيران داخل البلدان التي تتدخل بشئونها وتنشيءُ أحزابا “طروادية” لها عاثت بلبنان والعراق فسادا وقهرا.
قمعت -وإن مؤقتا- الأحزاب التابعة لإيران بالعراق ثورة الشباب هناك بدموية ووحشية معهودة بالمشهد العراقي الحديث- مع الأسف الشديد، فقتلت أكثر من مائة وخمسين وآلاف الجرحى وعشرات المفقودين والمعتقلين، ولكن نظير تلك الأحزاب بلبنان (حزب الله وأمل) يقف فاغرا فاه حول تماسك وصلابة الشباب اللبناني الذي لم تنخر الطائفية السياسية في عظامة الوطنية، ويمط الطائفيون شفاههم عجبا من هذا الشباب الذي تجاوز النفس الطائفي البغيض مطالبا بالإصلاح وملقيا باللوم على جميع مكونات السياسة اللبنانية دون استثناء مرددين “كِلُّن يعني كلن”. أتوقع أن بكنانة حزب الله وقوى الفساد بلبنان سهاما لم يرموها بعد، لكن الخلاصة أن ثورة العراق التي خمدت بدموية بشعة وإن مؤقتا، رفعت شعار “إيران برا برا”، وثورة لبنان تنشد كنس القوى السياسية كلها، بمن في ذلك الأقوى بينها وهو حزب الله الذي يتحكم بالمشهد غير آبهين بتهديدات زعيمه حسن نصر الله بخطابه الأخير.
ثورتا لبنان والعراق بدايات لنهاية المشروع الإيراني بهاتين الدولتين، وما كتبه خليل حيدر قبل أعوام للشيعة العرب من نصح بضرورة التمسك بوطنيتهم في وجه التبعية لإيران، بدت تصدق بالمطالب الوطنية المشروعة بلبنان والعراق وتعزز عوربة هذه المطالب في وجه مصالح إيران لصالح شعبي هاتين الدولتين.
اندبندت العربي