مقتل البغدادي.. داعش في مفترق طرقات الدم أو الانقراض

مقتل البغدادي.. داعش في مفترق طرقات الدم أو الانقراض

في أغسطس الماضي، قيل إن أبا بكر البغدادي يمر بظروف صحية معقدة، بعد أن بدا هزيلا في آخر ظهور له عبر مقطع مصور نشر في أبريل الماضي، واعترف طبيبه، رباح البدري، الذي قبض عليه منذ ثلاثة أشهر في مدينة الموصل العراقية، بالحالة الصحية السيئة.

أوحت الحالة المتدهورة بضرورة اختيار خليفة للتنظيم الممتد عبر خلايا متعددة شرقا وغربا، قبل أن تتكاثر الصراعات والخلافات حول القيادة البديلة، ويتشظى التنظيم الذي يواجه تحديات جسيمة بعد دحره في كل من العراق وسوريا.

وأعلن داعش وقتها أنه بالفعل اختار صديق البغدادي في محبسه بالعراق عام 2003، أمير محمد سعيد عبدالرحمن محمد المولى، أو كما يُعرف باسم عبدالله قرداش، الرجل الثاني في التنظيم والخليفة المنتظر. قبل ذلك التاريخ لم يكن قرداش معروفا على نطاق كبير، لأنه قليل الظهور في مشاهد الاجتماعات والقيادة، واكتفى منذ بداية ازدهار التنظيم أن يلعب دور المشرع والمفكر والمطور لآليات الجماعة الاستراتيجية والهجومية.

وقالت تقارير صحافية غربية إن قرداش ولد عام 1976 في مدينة تلعفر، أقصى شمال غرب العراق. ويصف الكاتب والباحث الأميركي كولن كلاركي في كتابه الذي صدر هذا العام باسم “ما بعد الخلافة” أن الرجل الثاني في داعش عرف عنه أنه “مقاتل شرس، ومتعصب وشديد التطرف إلى درجة أن البغدادي نفسه يقوم بتحجيم تهوره ورغباته التدميرية”.

ويُعرف قرداش بلقب “الأستاذ” لحصوله على بكالوريوس في الشريعة من كلية الإمام الأعظم في جامعة الموصل، وعمل كقاض شرعي لدى تنظيم القاعدة قبل أن يُعتقل في أحد سجون مدينة البصرة، حيث التقى البغدادي هناك.

وتنبأ كولن كيلاركي، أستاذ السياسة الدولية بمعهد البحوث السياسية والأمنية بجامعة ميلون الأميركية، في تصريحات سابقة لـ”العرب”، بأن “موت البغدادي قد يسفر عن كيانات جديدة تجمع بين مناصرين للقاعدة وداعش معا”. وقال “إن تجربة داعش مثيرة وغير مسبوقة وحققت جوانب معقدة من العمل الجهادي، وعلينا عدم تجاهل أنها انبثقت من تنظيم القاعدة، والعودة للتنظيم الأم أمر وارد إلى حد كبير”. وتابع “التنظيمان يكملان بعضهما في الوقت الحالي، وربما ينتج ذلك تعاونا أو كيانا جهاديا جديدا، فداعش يبحث عن أيديولوجية فكرية مطورة بعد خسارته في سوريا والعراق، والآن في أفريقيا بعد إعلان هزيمة بوكو حرام بنيجيريا، وبالتالي بدأ يتبنى خطاب القاعدة من خلال فيديوهات تستخدم أبجدياتها وفكرها، في حين يفتقد القاعدة للقائد والصورة الملهمة للإرهاب المثير والمخيف وكذلك الأدوات الإعلامية لفعل ذلك وهو ما يمتلكه داعش”.

نبوءة وتحذيرات
يحقق الإرهابي والقائد المحتمل لداعش نبوءة خبراء حذروا من عواقب خسارة التنظيم للأراضي المتبقية والتي يسيطر عليها في سوريا والعراق، ويمنح من راهنوا على عودة جديدة بعد التدخل التركي في شمال شرق سوريا، أملا في استعادة ممارسة العنف والتجنيد.

ومرجح أن يشهد العالم ولادة أنماط إرهابية أشد خطورة، تتناسب مع طبيعة قرداش، فالرجل لن يكون امتدادا أو مجرد منظم للعمل حاليا، ويمكن أن يعيد تشكيل التنظيم بصورة تزيد من قوته الضاربة والاستهداف، على حساب التوسع الفكري والاستقطاب الجهادي.

يمتلك الرجل قدرة ذهنية شديدة التعصب، وضعته في مرتبة أصحاب الاضطرابات النفسية من فئة الشخصيات المضادة للمجتمع أو من يعرفون بـ”السيكوباتيين”. يفسر كلاركي ذلك بأنه “المُنظر الأول لكل ما يتعلق بأبجديات الذئاب المنفردة أو ظاهرة الأفراد الذين استخدموا أكثر الأدوات بدائية، مثل السكاكين والدهس بالسيارات لتنفيذ هجوم إرهابي دون حاجة إلى عمل مشترك أو توجيه مباشر من قيادات التنظيم”.

واستند الكتاب إلى شهادات جنود عادوا من سوريا وانضموا إلى داعش لسنوات طويلة. وبحسب مؤلفه كلاركي، أكد أن العائدين من سوريا والعراق أشاروا إلى قدرته المستمرة على تقديم أفكار وحشية متفردة في العمليات التي استهدفت الدعاية، مثل استخدام وسائل الإعدام في تصوير مشاهد الحرق أو عبر ملف تطوير الضربات والهجمات الخارجية.

ويقول الكاتب الأميركي “قرداش صاحب فكرة استخدام عمليات الدهس بالسيارات، وكان أبرز أعماله وتوجيهاته حادث مدينة نيس الفرنسية عام 2016 وراح ضحيته أكثر من 80 شخصا”.

واستطاع قرداش الولوج أكثر في تطوير أدوات التنظيم الهجومية بعد تراجعها نهاية عام 2017 في أوروبا، باستخدام النساء والأطفال أو ما يعرف باسم استراتيجية الأسر المفخخة في تطوير الهجوم البدائي في مناطق متفرقة، وهو ما جرى استخدامه بالفعل في أفغانستان وفرنسا وباكستان وإيران خلال عام 2018.

مذهب قرداش يعتمد على التدمير المطلق والعشوائي، وهو يرى في ذلك النموذج الأمثل لخلخلة دفاعات الأجهزة الأمنية الغربية

قد تفسر شخصية القيادي الجديد طبيعة ما يؤول إليه التنظيم من تغير، ربما يصل إلى درجة التحول الشامل في شكل وتكوين داعش ومنهجيته الحركية، ولا يعني ذلك أن طريق الخليفة المنتظر سوف يصبح مفروشا بالورد.

يفتقد قرداش إلى كاريزما وفصاحة البغدادي في الخطابة، على الرغم من دراسته الدينية، وتقدير المنتمين إلى التنظيم له باعتباره يحمل علما شرعيا وافيا. ويخشى الظهور أمام الأضواء أو تحت مظلة الخطابة في المساجد، ما يفسر انعدام ظهوره تقريبا، وصعوبة العثور على صورة له، بخلاف واحدة تداولتها بعض وسائل الإعلام مؤخرا، فضلا عن غيابه المستمر عن التجمعات الكبيرة أو سماع اسمه ضمن القادة الكبار للتنظيم والفاعلين، مثل أبي يعقوب المقدسي، وأبي مصعب الصحراوي وأبي حارث العراقي.

يؤكد كلاركي في كتابه “أنه يمتلك رؤية تدميرية وعسكرية مميزة، ويفضل اللجوء إلى القتل وإراقة الدماء، ولا يميل إلى التخطيط للمستقبل، ولا يظهر كرجل صاحب رؤية قيادية لانتشار التنظيم والتجنيد الوسع”.

كشفت بعض التقارير الغربية أن مذهب قرداش يعتمد على التدمير المطلق والعشوائي، وهو يرى في ذلك النموذج الأمثل لخلخلة دفاعات الأجهزة الأمنية الغربية أمام ضربات داعش. يتبنى القيادي المحتمل لداعش خطة “اللا خطة” التي صنعت هيمنة التنظيم وقوته، وأوحت بصعوبة قهره ومحاصرته، ويؤمن بنظرية الجهاد العالمي على أوسع نطاق، دون تركيز على خصوصية المكان أو وجود خلافة حقيقية على أرض الواقع.

يبدو عبدالله قرداش متأثرا بالمدرسة العفرية التي كانت تضم عتاة المجرمين والقادة في التنظيم، وجُلهم من مدينة تلعفر بالعراق، مثل حجي بكر العفري، وحجي أمان العفري، وأبي علاء العفري، وهي مدرسة محافظة وشديدة التطرف إلى درجة التضحية بأبنائها وصغارها في سبيل تحقيق الغاية والهدف. ولذلك لا يجد قرداش غضاضة في تحويل الأطفال إلى قنابل مفخخة بين المناطق المستهدفة دون شكوك لتنفيذ المهمة المطلوبة.

في حالة حسم مسألة القيادة لصالحه سيكون أمامه البحث عما يجمع عليه رعاياه وأنصاره، ومنع الانشقاق المتوقع، لأن هناك تيارا قويا رافضا له، أغلبه يتشكل من جنود جاؤوا من سوريا وبلدان غربية متباينة، ويطلق عليهم “المهاجرون”، بينما يحظى بدعم قادة داعش العراقيين وأتباع أبي مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة السابق، وهم يريدون المحافظة على حصر الولاية والقيادة بينهم، ومواصلة حمل لواء الجهاد.

من ضمن مهام قرداش المنتظرة عندما يتم الاستقرار عليه كزعيم للتنظيم، جمع الشتات سريعا قبل أن يتحول مقتل البغدادي إلى رمز لهزيمة ساحقة، ويتحصل على ولاء ومبايعة الجماعات المناصرة لداعش في آسيا، والأهم في قارة أفريقيا التي يعتقد كثيرون أنه يتم الترتيب لتكون قاعدة داعش الجديدة في العالم.

وإذا مر سيناريو تولي قرداش بسلام وحدثت انشقاقات داخلية يمكن السيطرة عليها، سوف ينتقل تنظيم الدولة الإسلامية إلى مرحلة خطيرة من العنف الذي يطول المدنيين بطريقة انتقامية، الأمر الذي يفرض على الأجهزة الأمنية المزيد من الجاهزية، ويحتم على الدول التي اخترقها التنظيم أو وضع أقدامه فيها الاستعداد لمرحلة كبيرة من العنف، بعد الانتهاء من طقوس البيعة.

العرب