مقتل أبو بكر البغدادي: نهاية مرحلة

مقتل أبو بكر البغدادي: نهاية مرحلة

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيام فرقة «دلتا» للعمليات الخاصة بهجوم بالمروحيات ليلة السبت الماضي، حيث قامت بإنزال تمكنت خلاله من قتل إبراهيم عواد السامرائي المعروف بأبي بكر البغدادي، زعيم ما يسمى «الدولة الإسلامية».
تحدث الأمريكيون عن دخول قوّاتهم «مجمّعا»، ومحاصرة البغدادي في نفق مسدود مما أدى لتفجيره نفسه، وكذلك فعلت زوجتان له، تلبسان حزامين ناسفين، كما قتل أيضا ثلاثة من أولاده، وعدد من جماعته ومرافقه، فيما جرح اثنان من القوات الخاصة «جروحا طفيفة» وقتل «كلب موهوب» من طاقم العملية الأمريكية.
مصادر «القدس العربي» في المقابل، قدّمت صورة أكثر دقة وواقعية للعملية، فتحدثت عن مقتل عشرة معظمهم من الخلية المرافقة للبغدادي، وفيهم عراقيون وسوريون وتونسي، إضافة إلى البغدادي نفسه ومرافقه، وثلاث نساء وطفلين، وقد اختفت جثة البغدادي ومرافقه، والواضح أن الأمريكيين نقلوهما معهم.
إضافة إلى أشكال التهنئة الدولية العديدة للأمريكيين بنتيجة العملية، فقد سارعت جهات كثيرة إلى الحصول على جزء من «جائزة» القضاء على البغدادي، على رأسها الحكومة العراقية، التي أعلنت أنها هي من زودت الأمريكيين بالمعلومات الاستخبارية للوصول إلى البغدادي، وكذلك فعل الجهاز العسكري الكردي المسمى «قوات سوريا الديمقراطية»، فيما شكر ترامب روسيا وتركيا والعراق والنظام السوري والأكراد على تعاونهم. أما صحيفة «نيوزويك» فقالت إن مقر البغدادي كشف بعد محاولته التخطيط لنقل عائلته إلى داخل تركيا، وهو ما يعطي تفسيرا لقول ترامب إن تركيا «كانت تعلم إلى أين نتجه وقد ساعدونا كثيرا».
يشكّل مقتل البغدادي نهاية مرحلة كانت من أهم علاماتها صعوده في 4 تموز/يوليو 2014 منبر الجامع النوري العتيق في الموصل لإعلان «دولة الخلافة»، وسجّل عام 2016 ذروة نفوذه حيث حكم التنظيم مساحة شاسعة من العراق وسوريا، كما أعلن أفراد يستلهمون أفكاره عشرات المدن في العالم، وصولا إلى دحر التنظيم في جميع أماكن وجوده، وانتهاء زعيمه مطاردا ومختبئا في قرية صغيرة تدعى باريشا في محافظة إدلب السورية.
لا يمكن فهم مسار حياة البغدادي، من دون الانتباه إلى علاقتها بالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتأثيره في انضمامه لحركة سلفية لمقاومتهم، والقبض عليه ثم إطلاق سراحه، مرورا بالكوارث الرهيبة التي جرت في العراق بعد ذلك، وبتأسيس تنظيم «الدولة»، وصولاً إلى مقتله السبت الماضي. البغدادي، بهذا المعنى، هو أحد «منتجات» الاجتياح الأمريكي للعراق. إنه المسخ الذي قام الأمريكيون بتأسيس ظروف نشوئه، وتكفّلت الدولة العراقية الهجينة بتوفير أسباب أخرى لإطلاقه.
بين «النواتج» الأخرى التي أطلقها الاحتلال الأمريكي للعراق كانت سيطرة إيران على البلاد، وساهم ظهور تنظيم «الدولة» والبغدادي، بفتوى السيستاني الشهيرة لتحشيد الشيعة ضد التنظيم السلفيّ السنّي بعد أن رفضت إيران تنفيذ مهمة محاربة تنظيم «الدولة» في العراق بناء على طلب الأمريكيين وأدّى ذلك إلى ظهور ما يسمى بـ«الحشد الشعبي»، فيما وظّف الأمريكيون قيادة حزب العمال الكردستاني، المقيمة في جبال قنديل العراقية، لتحشيد الأكراد للقضاء على القسم السوري من تنظيم «الدولة».
ضمن هذا السياق، يبدو مقتل البغدادي، متناسقا مع قرار ترامب بوقف الدعم عن الأكراد في سوريا وسحبهم من حدود تركيا، فالوظيفة قد انتهت وصار يجب الانتهاء من تكاليفها، أما في العراق فتظهر مقاومة ميليشيات «الحشد الشعبي» لحقيقة انتهاء وظيفتها بالفجور الوحشيّ ضد المتظاهرين العراقيين.
تسجل هذه الوقائع نهاية للدورة الكبرى التي بدأت مع هجمات «القاعدة» الأمريكية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، التي يتناظر فيها الانتهاء الرمزي لمغامرة الفكر الإرهابي المتطرّف ممثلا بمقتل البغدادي، وبدء رحلة الشعوب العربية لإسقاط الاحتلال والاستبداد التي تمثلها مظاهرات الاحتجاج العظيمة في أكثر من بلد عربي.

القدس العربي