لماذا انتهى زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مناطق أعدائه ومنافسيه ليموت بالنهاية التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطريقة درامية ومشكوك فيها؟ تجيب صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لمراسليها كريم فهيم وسارة دبوش، قالا فيه إن القوات الأمريكية عندما عثرت على أبو بكر البغدادي لم تجده في بلدة حدودية منسية أو منطقة صحراوية بعيدة ولكن في محافظة إدلب السورية، المكان الذي كان البغدادي يعرف أنه محاط فيه بالأعداء والعيون.
فمن ناحية تسيطر على المحافظة جماعة إسلامية متشددة معادية لتنظيم الدولة. ومن ناحية أخرى تحلق بالأجواء الطائرات السورية والروسية التي تقوم بغارات جوية وقصف لمساعدة بشار الأسد على استعادة المحافظة التي تعد آخر معقل بيد الجماعات المعارضة خارج عن سيطرته.
وحول المحافظة نقاط مراقبة يعمل فيها الجنود الأتراك. ويعيش فيها ثلاثة ملايين نسمة معظمهم من مشردي الحرب الأهلية. ولا يعرف متى جاء البغدادي إلى إدلب ولكن المحافظة بمخيمات اللاجئين فيها والوضع المأساوي فيها تمثل تذكيرا للبؤس والتهديدات النابعة من الحرب الأهلية السورية.
وتراقب الوكالات الاستخباراتية الغربية بقلق الوضع في إدلب التي تحولت إلى ساحة لجيل جديد من المتطرفين في الحرب التي فرخت آلافا من المقاتلين الذين عركتهم الحرب.
ومنذ بداية الحملة لاستعادة المحافظة في نيسان/ أبريل، قتلت القوات التابعة لحكومة بشار الأسد وجرحت آلافا من المدنيين. فيما فر نصف مليون أو يزيد من القتال في جنوبي إدلب إلى محافظة حماة. واستهدفت المقاتلات الروسية والسورية المستشفيات والمدارس. ووجد السكان أنفسهم أمام خيارات رهيبة: تقدم قوات النظام نحو المحافظة أو تحمل سيطرة المتطرفين عليها.
وقال ناشط سياسي: “لا يستطيع الناس اختيار من يسيطر أو من لا يسيطر وكل ما يريدونه هو البقاء على قيد الحياة”. وأضاف: “كل ما هنالك قصف وغارات وقتل وموت”.
وتسيطر هيئة تحرير الشام أو النصرة سابقا على المحافظة تقريبا. وبدأت كفرع تابع للقاعدة في سوريا ثم أعادت تشكيل نفسها عدة مرات أثناء الحرب. فقد أعلنت في عام 2018 أنها لم تعد مرتبطة بالقاعدة. وتركها عدد من المتطرفين داخلها ممن لم يوافقوا على التحول وشكلوا جماعة “حراس الدين” باعتبارها الفرع الجديد للقاعدة في سوريا.
وتقول دارين خليفة، المحللة السورية في مجموعة الأزمات الدولية، إن حضور تنظيم الدولة خافت في إدلب حيث شكل فيها المقاتلون التابعون له خلايا نائمة.
وقالت الصحيفة إن انتقال البغدادي إلى إدلب لا سبب واضحا له، خاصة أن هيئة تحرير الشام استهدفت العناصر المتعاطفة مع تنظيمه وفعل “حراس الدين” الأمر نفسه.
انتقال البغدادي إلى إدلب لا سبب واضحا له، خاصة أن هيئة تحرير الشام استهدفت العناصر المتعاطفة مع تنظيمه وفعل “حراس الدين” الأمر نفسه
وتظل الطريقة التي وصل فيها البغدادي إلى إدلب غير واضحة، على الأقل في الوقت الحالي، فالمنطقة تحيط بها مناطق تسيطر عليها قوات النظام والقوات التركية.
وقال مسؤول تركي إن البغدادي كان في المنطقة لمدة يومين، فيما قال مسؤول أمريكي إنه مقيم فيها “منذ فترة”. وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية إن المنطقة التي كان فيها مقسمة بين هيئة تحرير الشام وجماعات معارضة تدعمها تركيا.
وهناك من بات يخاف من تداعيات العثور على البغدادي في قرية باريشا، القريبة من الحدود التركية حيث قتل.
وقال ناشط بالمنطقة إن مقتل البغدادي “يخلق نوعا آخر من الرعب للناس” في إشارة لغارات أمريكية محتملة لملاحقة من تعتقد أنهم أتباع التنظيم وقادته، أو خلافات فصائلية في المنطقة التي لا تبعد سوى أميال عن أكبر مخيمات اللاجئين في إدلب.
وقال ناشط: “لو كان البغدادي في المنطقة فعندها كل المنطقة خطيرة”. ومن هنا فالعنف بالمنطقة لا يزال تهديدا حتى مع محاولات تركيا وروسيا والأطراف الأخرى في اللعبة السورية التعاون لإنهاء الحرب.
ويريد نظام الأسد استعادة المحافظة أما تركيا فتريد منع جولة جديدة من العنف قد تقود إلى موجة نزوح جديدة باتجاه أراضيها. وفي الوقت نفسه تشعر الولايات المتحدة بالقلق من زيادة تأثير المتطرفين ولكنها تعارض هجوما للنظام ضدها، خوفا من نزوح جماعي للاجئين وإمكانية استخدام الأسد للسلاح الكيماوي.
وقال مسؤول بارز في الخارجية الأمريكية: “لقد قمنا بعملية مكافحة إرهاب في إدلب لأننا وجدنا هدفا مهما”. وأضاف أن المحافظة التي ينشط فيها عشرات الآلاف من “الإرهابيين” لا يوجد ما يبرر لضربها ودفع 3 ملايين لاجئ نحو تركيا وأوروبا.
ودعا الرئيس ترامب الذي سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا إلى وقف القصف الذي تقوم به روسيا وإيران والنظام السوري ضد إدلب وذلك في عدد من التغريدات.
وتعتبر روسيا اللاعب الرئيسي في المنطقة حيث تحاول الموازنة بين مصالح حليفها النظام السوري ومطالب تركيا. وتم التوصل لاتفاق وقف إطلاق للنار.
وتقول خليفة إن روسيا قد تقبل واقعا تظل فيه هيئة تحرير الشام تسيطر على جزء من محافظة إدلب “طالما احتوتها وحمتها تركيا”، إلا أن النظام السوري مصمم على عودة المحافظة لسيطرته فيما تحاول تركيا منع هجوم عليها، ففيها ثلاثة ملايين نسمة وآلاف الجهاديين الذين لا تريدهم التوجه نحو حدودها.
القدس العربي