عملية قتل البغدادي تكشف عن قطيعة أمنية بين تركيا والولايات المتحدة

عملية قتل البغدادي تكشف عن قطيعة أمنية بين تركيا والولايات المتحدة

يكشف عدم إشعار واشنطن لأنقرة بالعملية العسكرية، التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبي بكر البغدادي إلا في اللحظات الأخيرة عن توسع الهوة بين الولايات المتحدة وتركيا. ويؤكد عدم التعويل على أنقرة في الهجوم الأميركي على البغدادي، احتمال البعض قيام واشنطن بقطيعة أمنية مع حليفتها في الناتو.

واشنطن – توقف خبراء في شؤون مكافحة الإرهاب عند ما أعلنه مسؤولون في البنتاغون من أن الولايات المتحدة لم تشعر تركيا بالعملية العسكرية، التي تنوي القيام بها ضد مقر زعيم تنظيم القاعدة في باريشا في محافظة إدلب.

واعتبر هؤلاء أن الإعلان يمثل قطيعة أمنية خطيرة بين واشنطن وأنقرة في ملف مكافحة الإرهاب الجهادي عامة، وتنظيمي داعش والقاعدة خصوصا.

ولم تستخدم القوات الأميركية مطار إنجرليك الواقع في جنوب تركيا لانطلاق مروحياتها باتجاه الهدف.

فقد انطلقت القوة الجوية الأميركية، التي شاركت في العملية التي أدت إلى مقتل أبي بكر البغدادي، من أحد مطارات أربيل عاصمة إقليم كردستان شمال العراق.

وقالت المعلومات إن الولايات المتحدة أبلغت تركيا بالعملية قبل وقت قصير من تنفيذها، تجنبا لأي فوضى قد تحدثها العملية في مسائل التنسيق مع قوى الأمر الواقع المسلحة في سوريا، وإن القاذفات الأميركية المواكبة كانت جاهزة لإبادة أي مقاومة تركية محتملة.

ورصد المراقبون ارتباكا في رد فعل تركيا على نتائج العملية الأميركية، فلم يلمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الزعم بأي دور قامت به بلاده في العملية، واكتفى باعتبار مقتل البغدادي “تحولا في الصراع المشترك ضد الإرهاب”، فيما سارع المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين إلى تغطية هذا الارتباك، بالتأكيد على أن “الأجهزة العسكرية والأمنية كانت على تواصل من أجل هذه المسألة”.

وقال مسؤول أميركي سابق، الاثنين، إن العملية العسكرية تظهر حجم ما خسرته بلاده بسبب قرار الانسحاب من سوريا. كما تطرح سؤالا بشأن دور تركيا في محاربة المتشددين.

وكتب بريت ماكغورك، وهو مبعوث الولايات المتحدة سابقا إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش في مقال بصحيفة “واشنطن بوست”، أن عملية مقتل البغدادي تطرح تساؤلا حول دور تركيا التي يفترض أنها حليف لواشنطن، في إطار حلف شمالي الأطلسي، لاسيما أن البغدادي قتل في إدلب، وهي معقل لأنقرة، وأقيمت فيها عدة نقاط تابعة للجيش التركي، على بعد أميال قليلة فقط من الحدود مع تركيا، منذ عام 2018.

وأورد الكاتب أن محافظة إدلب صارت “جنة” لما يقارب 40 ألف إرهابي دخلوا إلى سوريا عن طريق تركيا، خلال النزاع. وهذه المنطقة في شمال غربي سوريا، تخضع اليوم لسيطرة ذراع تنظيم القاعدة الذي يتحرك في وئام كبير مع جماعات مدعومة من أنقرة، “واليوم نعرف أن هذه المنطقة تحولت إلى ملجأ يستضيف أكثر إرهابي مطلوب على مستوى العالم”.

وطرح المختصون في شؤون مكافحة الإرهاب أسئلة كثيرة حول كيفية انتقال البغدادي إلى محافظة إدلب، المفترض أنها داخل الفضاء المخابراتي التركي.

ونقلت مجلة “نيوزويك” الأميركية شكوك الجهات الأمنية المكلفة بمراقبة تحركات بشأن كيفية انتقال البغدادي إلى إدلب، خاصة وأن الطريق بين المنطقتين يمر داخل مناطق يسيطر عليها الجيش السوري التابع للنظام في دمشق والقوات الكردية التي حاربت داعش، وقوات هيئة تحرير الشام مع تواجد تركي مكثف.

ولم تذهب أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى اتهام تركيا مباشرة بإيواء ورعاية البغدادي في تلك المنطقة، إلا أن امتناع واشنطن عن إبلاغ أنقرة عن عملية تقوم بها “دلتا فورس” الأميركية داخل منطقة أمنية محسوبة على تركيا، اعتبر دليل فقدان ثقة بالشريك التركي من قبل التحالف الدولي بقيادة واشنطن، بما قد يؤثر مستقبلا على طبيعة التعاون وتبادل المعلومات والخبرات لمكافحة الإرهاب.

ولفتت مصادر أميركية مراقبة إلى أن المنطقة، التي اتخذها البغدادي مقرا آمنا له، تسيطر عليها هيئة تحرير الشام القريبة من تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري، وأن كافة أجهزة الأمن في العالم تجمع على أن تواصلا وتنسيقا يجريان بين أجهزة المخابرات التركية وهذه الجماعة، وأن التطورات العسكرية التي شهدها شمال سوريا، لاسيما تلك المتعلقة بمحافظة إدلب، تؤكد أن الهيئة التزمت دائما بالأجندة العسكرية التركية.

وعلى الرغم من أن عداء دمويا يفرّق تنظيم البغدادي عن تنظيم أبي محمد الجولاني، وأن الأخير بايع تنظيم القاعدة ورفض مبايعة تنظيم داعش، إلا أن أسئلة تدور حول تمكن البغدادي من اختراق إدلب وجعلها مقرا له، وحول ما إذا كان الأمر تم بالتنسيق والتواطؤ مع هيئة تحرير الشام، أم أن الأجهزة التركية كانت تتعامل مع البغدادي على نحو مواز ومستقل عن تعاملها مع تنظيم الجولاني؟

وتعتبر مصادر دبلوماسية روسية أن موسكو تعرف العلاقة الملتبسة التي تربط نظام أردوغان في تركيا بالجماعات الجهادية في العالم. وتضيف المصادر أن لعبة توزيع أدوار جرت، وبشكل مكشوف، بين تركيا وقطر حول كيفية التواصل والارتباط ومن ثم رعاية كل جماعات الإسلام السياسي في العالم بنسخها السياسية والعسكرية، وأن روسيا، وفق هذا المعطى، تتعامل مع تركيا في مسألة إدلب بصفتها المسؤولة المباشرة عن رعاية التنظيمات العسكرية في تلك المحافظة.

وتكشف مصادر أميركية أن نظرة واشنطن وموسكو واحدة في مسألة مكافحة الحالة الإرهابية التي تمثلها إدلب، وفي الاشتباه في تورط تركي بأنشطة لتحريك جماعات الإرهاب هناك خدمة لأجندة أنقرة.

ويرى خبراء في الشؤون التركية أن واشنطن، ومن خلال عدم إبلاغها أنقرة بالعملية العسكرية ضد البغدادي، وجهت صفعة قوية لتركيا عبر الإيحاء بشكوك أميركية حيال علاقة تركيا بالإرهاب المتمثل بداعش والقاعدة، في وقت تردد فيه المنابر التركية أن معركتها شمال شرق سوريا هي معركة ضد الإرهاب والإرهابيين.

ويضيف الخبراء أن عودة واشنطن لإرسال تعزيزات عسكرية لدعم قوات سوريا الديمقراطية لمنع وقوع حقول النفط شرق الفرات في يد داعش أو أي جهات أخرى، أكد من جديد تمسك واشنطن برعاية الأكراد الذين تعتبر أنقرة تنظيماتهم إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

العرب