تحدث رئيس مجلس إدارة شركة “روسنفت” إيغور سيتشين، في خطابه الذي ألقاه في المنتدى الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الثاني عشر المنعقد بفيرونا في إيطاليا، عن وضع السوق العالمية للذهب الأسود.
ويبدو أن التصريح الذي أدلى به سيتشين كان له صدى كبير تجاوز حدود فيرونا، حيث قال “إذا تحدثنا في المنتديات السابقة في فيرونا عن حقيقة وجود ثلاثة متحكمين في سوق النفط العالمية، وهم روسيا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، ففي الوقت الراهن يوجد متحكم واحد هو الولايات المتحدة، وينبغي اعتبار ذلك أمرا مفروغا منه”.
في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “سفابودنايا براسا” الروسية، بيّن الباحث في جامعة العلاقات الدولية بموسكو فالنتين كاتاسونوف أن المتحكم في سوق النفط ينبغي أن يحتل موقعا إستراتيجيا في السوق العالمية وأن يكون قادرا على إدارة أسعار الذهب الأسود بفعالية.
قيصر الذهب الأسود
في منتدى العام الماضي في فيرونا، أفاد سيتشين بأن الأطراف المتحكمة الثلاثة في سوق النفط (روسيا والسعودية والولايات المتحدة) ستتفوق خلال الأعوام الـ10 أو الـ15 عاما المقبلة بطريقة متساوية. لكن بعد عام، غير سيتشين رأيه بشكل جذري، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة أضحت “قيصر” السوق العالمية للذهب الأسود.
يرى الكاتب أن إيغور سيتشين حاول باستخدام عبارات لطيفة لفت الانتباه إلى التهديد الذي يشكله احتمال تحوّل الولايات المتحدة بالفعل إلى “القيصر” في السوق العالمية للذهب الأسود.
وفي الواقع، تعمل الولايات المتحدة الأميركية بنشاط على بناء إمكاناتها النفطية، لكنها بعيدة حتى الآن عن تصدر المراتب الأولى في تصدير النفط.
حسب ترتيب الدول العشر الأولى من حيث صادرات النفط وفق نتائج العام الماضي، تحتل السعودية المرتبة الأولى، تليها روسيا والعراق وكندا والإمارات والكويت وإيران والولايات المتحدة ثم نيجيريا فكزاخستان.
احتلت الولايات المتحدة العام الماضي المرتبة الثامنة من بين أكبر عشر دول مصدرة للنفط، وهو ما يجردها من لقب “قيصر” سوق النفط حتى الآن.
وبعد الأحداث التي شهدها العالم هذا العام، ونتيجة العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، قد تغادر طهران قائمة أكبر البلدان المصدرة للنفط. في المقابل، زادت صادرات الولايات المتحدة، ومن غير المستبعد أن تحتل هذه السنة المرتبة السادسة أو الخامسة في قائمة أكبر البلدان المصدرة للنفط، وفق الكاتب.
ووفقا لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة، من المرجح أن تحتل الولايات المتحدة في عام 2024 مرتبة روسيا وتصبح بذلك صاحبة المرتبة الثانية بعد السعودية.
ومن هذا المنطلق، من المتوقع أن تحافظ السعودية حتى عام 2024 على لقب قيصر النفط لكن بطريقة نظرية فقط، حيث ستنفرد واشنطن بالتحكم في سوق النفط بسبب نفوذها القوي في الرياض، التي سوف يجبرها ذلك على انتهاج سياسة نفط تخدم مصالح الجانب الأميركي.
طفرة النفط
ذكر الكاتب أن البعض يعتقد أن طفرة النفط في الولايات المتحدة حدثت مع وصول دونالد ترامب إلى الحكم، غير أنها بدأت في وقت مبكر تزامنا مع الأزمة المالية التي عرفتها الولايات المتحدة بين عامي 2007 و2009 عندما بدأت أسعار النفط في الارتفاع وانطلاق ثورة النفط الصخري.
في عام 2012، ارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة بنسبة 15%، وتعدى حجم الإنتاج اليومي 6.5 ملايين برميل. وفي عام 2015 زادت الولايات المتحدة في حجم الإنتاج ليبلغ ما يقارب 10 ملايين برميل يوميا، مما مكّنها من الدخول في قائمة القادة الثلاثة.
ووفقا لشركة بريتيش بتروليوم، ففي عام 2016 بلغت حصة السعودية من إنتاج النفط العالمي 13.4%، وحصة روسيا 12.6%، أما حصة الولايات المتحدة فبلغت 12.4%.
وأشار سيتشين استنادا إلى نتائج العام الماضي إلى أن روسيا زادت إنتاجها بنسبة 3%، والسعودية بنسبة 14%، أما الولايات المتحدة فقد زادت إنتاجها بنسبة 26%.
وأرجع سيتشين ذلك إلى عدم مراعاة واشنطن الظروف البيئية وعدم الأخذ في الاعتبار الضرر الذي يصاحب إنتاج الطاقة من النفط الصخري.
وفي السابق، كانت كندا تعتبر المشتري الرئيسي للنفط الأميركي، في حين أصبحت واشنطن في الوقت الراهن تزود 40 دولة بمنتجاتها النفطية.
الصادرات النفطية
بيّن الكاتب أن صادرات الولايات المتحدة من الذهب الأسود تنمو بشكل ديناميكي. فعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية، نمت صادرات النفط الأميركية بشكل كبير.
في عام 2018 تضاعف حجم الصادرات النفطية إلى دول الاتحاد الأوروبي تسع مرات بنحو 22.7 مليون برميل.
ويعتبر فرض العقوبات الاقتصادية على المنتجين والمصدرين الرئيسيين للذهب الأسود (إيران وفنزويلا وروسيا) الوسيلة الرئيسية للتوسع الأميركي في سوق النفط العالمي، وفق الكاتب.
وفي عام 2018 فقط انخفضت إمدادات طهران النفطية إلى السوق الأوروبية من 27.3 مليون طن إلى 18.5 مليونا.
وأشار الكاتب إلى أن إستراتيجية موسكو ألحقت ضررا بصناعة النفط الروسية، وساهمت في النهوض بمصالح واشنطن “النفطية” في العالم.
وفي الواقع -يقول الكاتب- إن مواصلة الالتزام باتفاقية أوبك وخفض صادرات النفط بغية المحافظة على أسعار الذهب الأسود مرتفعة من شأنها تمكين الولايات المتحدة من تعزيز نفوذها في استخراج وتصدير النفط. كما أن التصريح الذي أدلى به سيتشين في فيرونا يعتبر دعوة إلى خروج روسيا من اتفاقية أوبك.
المصدر : الصحافة الروسية