بعد قرارات الكونغرس.. أي مستقبل للعلاقات التركية الأميركية؟

بعد قرارات الكونغرس.. أي مستقبل للعلاقات التركية الأميركية؟

تدير أنقرة علاقاتها مع واشنطن بحساسية بالغة، فمنذ سنوات تشهد حالة شد وجذب، زاد من تشابكها التصعيد الأخير حول إقرار مجلس النواب الأميركي فرض عقوبات على تركيا بسبب توغلها في سوريا، وتبنيه قرارا بإدانة “إبادة الأرمن” في العهد العثماني، مما دفع الرئاسة التركية للقول إن قرارات الكونغرس الأخيرة تهدد مستقبل العلاقات الثنائية.

وعانت تلك العلاقات السنوات الماضية من تراجع وفتور ووصلت إلى حد التوتر، بدءا من الموقف الأميركي من المحاولة الانقلابية بتركيا في 15 يوليو/تموز 2016، ثم دعم واشنطن لما تسمى قوات سوريا الديمقراطية الكردية بالسلاح، مرورا بمراوغة واشنطن في قضية المنطقة الآمنة، وأزمة اعتقال القس الأميركي أندرو برونسون، وليس انتهاء بشراء تركيا صواريخ “أس 400” من روسيا.

وتزامن القرار الأميركي مع آخر استطلاع للرأي العام أظهر أن أكثر من 80% من الأتراك يعتبرون أميركا عدوة وتعمل ضد بلادهم.

ورفضت المعارضة التركية القرارات الأميركية، وقالت إنها تهدف لإرضاء اللوبي الأرمني والجماعات المناهضة لتركيا.

وكانت الخارجية التركية استدعت الأربعاء السفير الأميركي ديفد ساترفيلد على خلفية موافقة مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون “يفتقد للأسس التاريخية والقانونية حول أحداث عام 1915” وآخر ينص على فرض عقوبات على أنقرة بذريعة عملية “نبع السلام” التي شنتها القوات التركية شمالي سوريا.

ورد وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو بوصف مشروع القانون الأميركي بأنه “قرار مخز من قبل أشخاص يستغلون التاريخ في السياسة” وأضاف أن هذا القرار “لاغ وباطل” بالنسبة لتركيا.
اعلان

وقال الناطق باسم رئاسة الجمهورية إبراهيم قالين إن مشروع القانون الأرمني أحد الأمثلة “المخجلة” لاستخدام التاريخ آلة في السياسة.

مواجهة قادمة
وفي هذا السياق، قال ياسين كوفانتش الكاتب الصحفي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة أرجيس في قيصري “التصويت بكل الأعضاء تقريبا لصالح قرار إدانة إبادة الأرمن بالغ الحساسية لدى الأتراك”.

تشغيل الفيديو

واعتبر أن قرار الموافقة على فرض عقوبات اقتصادية حادة ضد أنقرة نتيجة عملية نبع السلام مؤشر على توجه واضح لدى الولايات المتحدة للانتقام من تركيا وقطع الطريق على أي تقدم في قدرتها على التأثير بالمنطقة.

وأضاف كوفانتش للجزيرة نت “الكونغرس أراد من خطوة ربط موضوع الأرمن بعملية نبع السلام الإشارة إلى أن تركيا ارتكبت جرائم في سوريا، وستبقى واشنطن تلوح بهذه العصا في كل خلاف”.

ولفت الكاتب المقرب من الحكومة إلى أن إقرار المشروعين والعقوبات الاقتصادية في حال تنفيذها سيزيد التوتر وسيجعل تركيا تتجه نحو روسيا والصين أكثر في علاقاتها السياسية وصفقاتها الاقتصادية والعسكرية، على حساب الولايات المتحدة.

شبه إجماع
ويرى كوفانتش أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يرفض قرارات الكونغرس فهو لا يريد مواجهتهم في ظل مناقشة موضوع إقالته، خاصة وأن قرار المشروعين ضد تركيا حاز على شبه إجماع النواب، مبينا أن ترامب سيترك إقرار العقوبات بنسبة الثلثين لمجلس الشيوخ بعد إقرار مجلس النواب، مما يجعله نافذا دون الحاجة لموافقته، وهذا سيضع تركيا في مواجهة حادة ومستمرة مع الأميركان.

وأكد أن برلمان بلاده سيرد على مجلس النواب الأميركي بالمثل، وسيمرر قرار إدانة لمذابح تاريخية ارتكبتها أميركا بحق الكثير من الشعوب، معتبرا تعليق الرئيس رجب طيب أردوغان زيارة واشنطن رسالة سياسية ضد قرارات الكونغرس.
اعلان

وأثر القرار الأميركي على العملة التركية بشكل بسيط، فقد فقدت الليرة نحو 0.2% فقط من قيمتها أمام الدولار فور موافقة مجلس النواب على فرض عقوبات جديدة على تركيا، حيث سجلت صباح اليوم 5.75 ليرات للدولار الواحد.

وتشمل العقوبات الأميركية وزيري الدفاع والمالية في تركيا والمؤسسات المالية التي تتعامل مع القوات العسكرية التركية، وتحظر بيع الأسلحة الأميركية للجيش التركي.

ولتفسير ذلك، أوضح كوفانتش أن “الأسواق توقعت ارتفاعا بسعر صرف ‎الدولار بعد قرارات مجلس النواب الأميركي ليلة أمس لكن لم يشهد سعر الصرف تغييرا واضحا، وذلك يعود إلى أننا قمنا بإجراءات تحضيرية لصد هجمات على اقتصادنا”.

خلفية تاريخية
وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عملية التهجير عام 1915 على أنها “إبادة عرقية” وبالتالي دفع تعويضات.

ويعتبر الأرمن أن القتل الجماعي لشعبهم بين عامي 1915 و1917 يرقي إلى مصاف الإبادة، وهو ادعاء لا تعترف به نحو ثلاثين دولة، وتنفيه تركيا بشدة.

وبحسب اتفاقية 1948 التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح “الإبادة الجماعية” (العرقية) يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.

وتؤكد تركيا عدم إمكانية إطلاق صفة “الإبادة العرقية” على أحداث 1915، بل تصفها بـ “المأساة” لكلا الطرفين، وتدعو إلى تناول الملف بعيدا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور “الذاكرة العادلة” الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة الأحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.

كما تقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراكا ومن الأرمن وخبراء دوليين.

الجزيرة