أيهما يريد الشَّر بكربلاء: أبوتراب أم عازفة الكمان

أيهما يريد الشَّر بكربلاء: أبوتراب أم عازفة الكمان

دفعت المظاهرات الأخيرة التي شهدها العراق لا سيما في كربلاء بإيران إلى الزج بميليشياتها في مسعى للتصدي لها وإيقافها. ورغم الخسائر البشرية الهامة التي لحقت بالعراقيين إلا أنها جعلتهم يكتشفون الوجه الدموي للميليشيات التابعة لإيران، والتي كانت مفاجأة غير سارة لها، حينما اكتشفت أن ما كرسته من ثقافة طائفية ذهب هباء.

وضعت المجزرة التي نفّذت بكربلاء ضد المحتجّين السلميين، واتهم بارتكابها أبوتراب الحسيني، واسمه ثامر إسماعيل، أحد نشطاء ميليشيا بدر، حدا فاصلا لدى الكربلائيين بين ادعاء الميليشيات حماية الشيعة وممارسة افتراسها لهم، لأن التظاهرات التي خرجت كانت موجهة بشكل مباشر للنظام الإيراني والنظام العراقي التابع له.

يحقّ للكربلائيين التساؤل عن سر وجود أكثر من سبعة آلاف عنصر من الحرس الثوري، دخلوا كربلاء بحجة حماية الزوار الإيرانيين، استقر بهم الحال فيها. وهل بالفعل دخل هؤلاء العراق ثم كربلاء من أجل الغرض الذي أفصحت عنه وسائل الإعلام العراقية؟ وسنويا يأتي الزائرون من إيران، لكن لماذا جاءت زيارة الحرس الثوري هذه المرة متزامنة مع وجود التظاهرات العارمة، وعلى وجه الخصوص بكربلاء والنّجف؟

كيف تشكّل هذه التظاهرات خطرا على الزائرين الإيرانيين فقط، رغم أن كربلاء تستقبل زائرين من بلدان عدة، من الهند ودول الخليج، وحيث توجد شيعة إماميَّة؟

وإذا كان هذا القلق من المتظاهرين واقعا، أليس في جوهره مرتبطا بالغضب العراقي الشيعي الشعبي من ممارسات إيران داخل العراق، ومنها الجرأة على قتل المتظاهرين؟ ويأتي في مقدمة المتهمين باستهداف المتظاهرين الميليشيات، وأبوتراب الحسيني، الذي يجمع في ممارساته بين عنف القوات الحكومية، كونه قائد القوة الخاصة (سوات)، وعنف الميليشيات، كونه عضوا فاعلا في فيلق بدر (تحول اسمه منظمة بدر).

لكن كيف يمكن لدولة تدعي الديمقراطيَّة أن تُنصّب ميليشياويا قائدا على حرسها الخاص، بل وأن يكون أبوجهاد الهاشمي، وهو من بدر أيضا مديرا لمكتب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وأحد أبرز أعضاء خلية الأزمة، التي شُكلت لقمع التظاهرات؟

وتم قمع التظاهرات من خلال طريقة القناص الملثم، وهو أسلوب إيراني استخدم ضد المتظاهرين في سوريا سنة 2011. الأخطر من كل ذلك أن يكون عادل عبدالمهدي نفسه قائدا للقوات المسلحة العراقية، وهو من ميليشيا بدر أيضا، كون بدر الذراع العسكرية للمجلس الإسلامي الأعلى، الذي ينتمي له عبدالمهدي، والذي تأسس في مكتب مرشد الثورة والدولة الإيرانية الخميني.

الجميع يتذكر الضجة التي افتعلتها الأحزاب الدينية دفاعا عن قدسية كربلاء، والتي يتوسطها الحائر الحسيني، حيث قبر الحسين بن علي، وأخيه العباس بن علي، عندما عزفت العازفة اللبنانية على آلة الكمان في ملعب كربلاء، لكن هذه الأحزاب صمّت الآذان على عزف الرصاص وهو يمزق أجساد نحو ثلاثين كربلائيا من المتظاهرين!

ولم يهز فساد القائمين على العتبة الحسينية والعتبة العباسية، من وكلاء المرجعية، ضمائر المدافعين عن قدسية كربلاء، والتي -لوثها- حسب رأيهم عزف الكمان، في مناسبة رياضية. كذلك لم تهتز نخوة تلك الأحزاب للفرقة العسكرية من الحرس الثوري، وهي تدخل كربلاء بذريعة حماية الزائرين الإيرانيين.

وبين أبوتراب الحسيني، قائد سوات، وعازفة الكمان بون شاسع، بمستوى الفارق بين الحياة والموت، بين الخير والشر. وإذا شُهّر بالعازفة على الفضائيات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، علا قدر أبوتراب، وكأنه عندهم علي بن أبي طالب في إحدى معاركه، فالكنية تجمع بين القناص والإمام، ذلك أن أهم كنى علي بن أبي طالب هي “أبوتراب”. ويطلق الإسلاميون الشيعة على أنفسهم تحببا كنية الترابيين، لما فيها من التواضع والأمانة، لكن هؤلاء الترابيين، أصبحوا ماسيين بما حازوه من أموال الدولة المنقولة وغير المنقولة.

على ما يبدو أن الغضب على كربلاء والنجف، بشكل خاص ومناطق الشيعة بشكل عام، من قِبل الميليشيات، ومن قِبل إيران، هو الخيبة التي وقع فيها هؤلاء، بعد أن اطمأنوا إلى أن الطائفية وخلق الخطر المستمر ضد الشيعة يكفيان لإبقاء أبناء هذه الطائفة خاضعين، ومن ثمة يستمرون في رؤية قاسم سليماني حاميا. لذا كانت مفاجأة غير سارة لهم، أن يحترق زرع ستة عشر عاما من الثقافة الطائفية ويذهب هباء. ليس هذا فقط بل انقلب السحر على الساحر. لذا كانت ردة الفعل شديدة على كربلاء بالذات، كونهم يعتبرونها عقر دارهم، بل هي مهد سحرهم للجمهور الشيعي العراقي، فإيران تطرح نفسها حامية لعتبات كربلاء والنَّجف، وإذا بهذه الأماكن تثور على الإيرانيين وميليشياتهم.

إنها مفارقة أن تحصر الإساءة لقدسية المكان بعزف الموسيقى أو أداء أغنية وسماع النشيد الوطني، بينما يكون وجود القناصين والقتلة وسيل الدماء دليلا على القدسية، ولا تخدش رداءة الخدمات وتفاقم الفساد وعمليات الاغتيال للأدباء هذه القدسية، إنه زمن أبوتراب الحسيني وهادي العامري وأبومهدي المهندس والجزائري وعميدهم قاسم سليماني، وهذا ما احتج عليه الكربلائيون وواجهوا من أجله الرصاص، لقد انشطر الحسين بن علي إلى حسينين: حسين أبي تراب القاتل وحسين المتظاهرين المقتولين، وهذا هو مظهر النزاع.

العرب