تبادل للأدوار بين زعماء الشيعة في لبنان: انفعال نصرالله مقابل هدوء بري

تبادل للأدوار بين زعماء الشيعة في لبنان: انفعال نصرالله مقابل هدوء بري

بيروت – يطرح المراقبون أسئلة عن سر صمت رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عن الإدلاء بدلو واضح في شأن الأزمة التي تجتاح البلد منذ تفجر الاحتجاجات الأخيرة التي تجتاح البلد من 17 أكتوبر الماضي.

ويلفت هؤلاء إلى أن زعيم حركة أمل ليس محايدا، وأن وجود أنصار لتياره السياسي شاركوا مع أنصار لحزب الله في الاعتداء على المتظاهرين في جنوب لبنان كما في ساحات العاصمة، يكشف عن موقف عدائي يتخذه بري على منوال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ضد هذا الحراك.

ويستغرب المراقبون التوتر المبالغ به في صفوف أنصار حركة أمل ضد الحراك الذي يقولون عنه، كما يقول عنه زعيمهم، بأنه محق ومتوقع.

وكانت دعوة مجهولة وزعت على وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر السبت أمام مقر بري في منطقة عين التينة في بيروت، قد أثارت توترا لدى العشرات من عناصر حركة أمل الذين سارعوا صوب مقر زعيمهم رافضين أي انتقادات ضده، مجاهرين من على شاشات الفضائيات التي هرولت لتغطية الحدث بأن بري ليس زعيما فقط بل هو “نبي” أيضا.

وبغض النظر عما يبحث عنه بري، من خلال إرهاب منتقديه من خلال مظاهر ميليشياوية لا تمت بصلة إلى ما هو مفروض أنه شعبية يمتلكها داخل الطائفة الشيعية، إلا أنه يستمر في تقديم نفسه وسطيا يحتاج البلد إلى حكمته للخروج من أزمته الحالية.

وتطول بري اتهامات الفساد التي تطول زعماء سياسيين آخرين، ما يجعل الحراك الشعبي عدوا له بامتياز.

والظاهر أن مصاب بري وعون يجمعهما هذه الأيام على الرغم من الخلاف الكبير بين حركة أمل والتيار الوطني الحر. فقد رفض بري انتخاب عون رئيسا للجمهورية ولم يغفر لعون قبل ذلك وصفه مجلس النواب بأنه غير شرعي. وأتيح لزعيم حركة أمل أن ينتقم من زعيم العونية السياسية حين ذكره أثناء جلسة انتخابه رئيسا بما سبق أن ادعاه من أن البرلمان فاقد للشرعية.

ونقلت الأنباء في الأيام الأخيرة أن بري التقى مطولا مع نصرالله دون الكثير من التفاصيل. والظاهر أن توزيعا للأدوار يجري بين الرجلين بحيث يتقدم زعيم حزب الله بالعصا الغليظة مهددا متوعدا، فيما يتقدم بري بالوجه المعتدل المتواصل مع كافة الفرقاء من أجل تدوير الزوايا.

ولا يخفي بري امتعاضه من قرار سعد الحريري تقديم استقالة الحكومة على الرغم من “النصائح” التي قدمها له لثنيه عن ذلك. ولا تختلف حجج بري عن الحجج العلنية التي قدمها نصرالله في أول خطاب له بعد اندلاع الاحتجاجات، من حيث أن الاستقالة هي تهرب من المسؤولية.

ومن الواضح أن بري ونصرالله لا يريان جسامة الموقف الذي وصلت إليه الأمور وما زالا يعتبران أن الأمر عرضي كلاسيكي يمكن معالجته دون اللجوء إلى تحولات دراماتيكية مثل استقالة الحكومة.

ويقرأ خبراء في الشؤون اللبنانية موقف بري بأنه نسخة معدلة عن نسخة أصلية عبر عنها نصرالله. فبري يحذر من انهيار اقتصادي ويدعو إلى تشكيل سريع لحكومة فاعلة تستطيع أخذ قرارات سريعة لتجنب الانهيار الاقتصادي الكبير. وفي ذلك ما دعا إليه نصرالله لقيام حكومة تعمل ليل نهار لتنفيذ الخطط الاقتصادية الناجعة لمواجهة أزمة البلد.

وفيما تسرّب الأوساط القريبة من حزب الله رفض الحزب لفكرة تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة ويجزم نصرالله أن حكومة من هذا النوع ستنهار بعد أسبوعين من تشكيلها، يطلق بري أمام زواره بالون اختبار يراد منه تفحص إمكانات الذهاب باتجاه تشكيل حكومة تكنوسياسية تجمع ما بين الاختصاصيين والسياسيين على نحو يشكل نقطة وسط تتقاطع داخلها كافة القوى السياسية. ويلمّح بري إلى أن حجم هذه الحكومة خاضع لمداولات تقرر عدد الوزراء داخلها وتوزيعهم.

وكان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يعتبر حليفا لبري، قد غمز من قناة التأخر في إطلاق الاستشارات النيابية لاختيار رئيس للحكومة باعتباره مناقضا للدستور، واعتبر أن ما يحكى عن اتصالات يجريها الرئيس ميشال عون حول طبيعة الحكومة المقبلة قبل إطلاق الاستشارات ينتهك صلاحيات رئيس الحكومة المكلف من حيث مهامه في عملية التشاور والتأليف.

ويرى المراقبون أن ما صدر عن بري يندرج داخل عملية تأليف مسبقة يعمل عليها بري ونصرالله وعون قبل تكليف شخصية سنية (الحريري الأكثر ترجيحا) بتشكيل الحكومة العتيدة.

وبات حزب الله وحلفاؤه يشعرون بالخطر جراء الحراك الشعبي لما يشكله من تهديد للمنظومة السياسية الحاكمة التي يرعاها حزب الله، وأن ذلك التحالف يحتاج إلى حكومة تحمي تلك المنظومة وتدافع عن مصالحها.

وعلى الرغم مما صدر عن نصرالله وعن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي من اتهامات بالعمالة وتنفيذ أجندات أميركية صهيونية للحراك في لبنان (والعراق)، فإن ما صدر عن بري من ضرورة تمثيل الحراك الشعبي في الحكومة الجديدة يتناقض مع الشبهة التي تحوم حول هذا الحراك من قبل حزب الله وحلفائه، على نحو يكشف عن منحى قد لا يكون حزب الله بعيدا عنه وهو عدم استفزاز الحراك ومحاولة استيعابه أو تقويض وحدته.

العرب