اختارت السلطة الجزائرية الاستنجاد بالمسيرات العفوية لإقناع الجزائريين بضرورة الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر يوم 12 ديسمبر القادم، في ظل تمسك الحراك الشعبي برفضه إشراف رموز النظام السابق على الاستحقاق الرئاسي.
الجزائر – أوعزت السلطة الجزائرية إلى أذرعها السياسية والإدارية بتنظيم مسيرات شعبية من أجل إقناع الشارع الجزائري بخيار المسار الانتخابي للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، وإعطاء الانطباع للرأي العام بأن الزخم الشعبي المناهض لخياراتها السياسية ليس وحده الحاسم في الميدان، وأن هناك طيفا واسعا من الشارع يدعم خيار الذهاب للانتخابات الرئاسية وتوجهات المؤسسة العسكرية.
وأوكلت السلطات الجزائرية للمنظمات والجمعيات الموالية لها، مهمة السهر على تنظيم مسيرات شعبية في مختلف مدن ومحافظات البلاد، للتعبير عن دعم الجزائريين للانتخابات الرئاسية المقررة قبل نهاية العام الجاري، وعن دعم توجهات المؤسسة العسكرية في اعتماد المسار الانتخابي واحترام الدستور للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ تسعة أشهر.
وظهرت العديد من المسيرات الشعبية المثيرة للجدل، بسبب محدودية المشاركين فيها والظروف المحيطة بتنظيمها، رغم وصفها بـ”العفوية”، من طرف الدوائر الإعلامية الموالية للسلطة، حيث ظهر أن رموز وجيوب النظام السابق هي التي تقف وراءها، وأن من كانوا إلى وقت قريب يروجون للعهدة الرئاسية الخامسة لعبدالعزيز بوتفليقة، هم الآن من يصطفون خلفها.
ولم يتوان نشطاء معارضون للنظام السياسي القائم، في خوض حملة مضادة للكشف عن خلفيات ومسار بعض الفاعلين في التوجه الجديد، حيث أظهر أحد التسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي، مسؤولا حزبيا سابقا من جبهة التحرير الوطني في محافظة عين ولمان، كان في السابق يروج للعهدة الخامسة لبوتفليقة، ثم يدعو اليوم إلى دعم الانتخابات والجيش.
اللافت أن المسيرات الحالية قد تؤدي مفعولا عكسيا على أصحابها، كون المشاركين فيها لا يتعدون حدود العشرات قياسا بزخم الحراك الشعبي
وتحصلت “العرب” على نسخة من توصية بعثت بها القيادة المركزية لما يعرف بالتنسيقية الوطنية للمجتمع المدني، إلى فرعها في محافظة البويرة بوسط البلاد، تدعو فيها إلى تنظيم مسيرة شعبية قبل موعد بداية الحملة الانتخابية في السابع عشر من الشهر الجاري، والتنسيق مع السلطات الإدارية والأمنية والحركة الجمعوية، من أجل دعم الانتخابات الرئاسية وتوجهات المؤسسة العسكرية.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ”العرب” أن السلطات المركزية أوعزت إلى محافظي المدن، بتنظيم مسيرات شعبية في مختلف المدن للغرض المذكور، ودعتهم إلى تسخير كافة الإمكانيات البشرية واللوجيستية لإنجاح المسعى والتأكيد على أن الانتخابات الرئاسية هي مطلب شعبي، وأن الرافضين لها في الحراك الشعبي هم جزء من الشارع ولا يمثلون أغلبية الشعب الجزائري.
وأعادت المسيرات المذكورة إلى الأذهان سيناريو “المسيرات العفوية” التي انتظمت في منتصف تسعينات القرن الماضي، بإيعاز من السلطة وتنفيذ أذرعها السياسية والأهلية، لدعم ترشيح الرئيس السابق اليامين زروال في انتخابات الرئاسة، والتنديد بمخرجات وثيقة “سانت إيجيديو” التي وقع عليها آنذاك كبار الفاعلين في المشهد السياسي، لإيجاد حل سياسي للأزمة الدموية التي كانت تعصف بالبلاد حينها.
لكن اللافت الآن أن المسيرات الحالية قد تؤدي مفعولا عكسيا على أصحابها، كون المشاركين فيها لا يتعدون حدود العشرات قياسا بزخم المسيرات الشعبية التي ينظمها أسبوعيا الحراك الشعبي، وهو ما يفضي إلى أن الخيار الانتخابي لا يملك دعما شعبيا عكس ما تروج له السلطة، لاسيما وأن آلة المخابرات التي كانت تقف وراء تنظيم ذلك في التسعينات هي الآن مفككة، وأن الإدارة والأذرع الموالية لها في الأحزاب والجمعيات أبانتا عن فشل في تعبئة الشارع لصالح الخيار المذكور.
ويبدو أن المنتقدين والرافضين لمسار السلطة الحالية في تنظيم الانتخابات الرئاسية في الثاني عشر من ديسمبر القادم، وجدوا ما يستندون إليه في مقاربتهم القائلة بتوظيف الاستحقاق في تجديد النظام، من خلال التركيز على ما كشفته المسيرات المذكورة من تعبئة وتنظيم الوجوه الحزبية والجمعوية لها، حيث ظهر أن منتخبين ومناضلين فيما كان يعرف بالتحالف المؤيد لبوتفليقة، هم الآن من يتصدرون طليعة العملية الميدانية.
ولا يستبعد هؤلاء أن تكون نفس الآلة (الإدارة والمؤسسات الرسمية والأذرع السياسية والجمعيات الأهلية)، هي الوعاء الذي سيفرز الرئيس القادم للبلاد، ولو أن هناك عوامل جديدة دخلت على الخط، على غرار تفكك جهاز الاستخبارات منذ العام 2015، مقابل المفعول المؤثر للحراك الشعبي، الأمر الذي يعقد على السلطة تمرير أجندتها وحتى الاستحقاق الرئاسي برمته.
ويبدو أن السلطة التي ضيعت الشارع طيلة الأشهر الماضية لصالح الحراك الشعبي، أدركت ضرورة استعادة المبادرة، بعدما استشعرت خطر إجهاض الاستحقاق الرئاسي للمرة الثالثة على التوالي، خاصة بعد بروز خطاب معاد من المحتجين في الحراك الشعبي تجاه كل من يرمز إلى السلطة، بما فيها قيادة المؤسسة العسكرية التي كانت خلال الأشهر الأولى محل ثقة لدى الشارع. وهي المبادرة التي جسدتها في السعي لإضفاء الخيار الانتخابي وتوجهات المؤسسة العسكرية، قبل موعد انطلاق الحملة الانتخابية.
العرب