بيروت – انتزعت انتفاضة اللبنانيين “تنازلا” من رئيس البرلمان نبيه بري الذي كان يستعجل عقد جلسة تشريعية الثلاثاء لتمرير قانون للعفو العام، لكنه ألغاها في آخر لحظة دون تبرير واضح سوى الحديث عن دواع أمنية.
وفيما اعتبر كثيرون أن مبادرة بري إلى ما سماه “ثورة تشريعية” من شأنها أن تفكك وحدة المتظاهرين الذين ما زالوا يهزون أركان النظام منذ 26 يوما، فإن رئيس البرلمان والذي يشكل “الثنائي الشيعي” مع حزب الله، رضخ وهو المعروف بابتداع صيغ لمصالحة المتخاصمين من القوى السياسية، كلما بدا أن هذه الخصومة تهدد التسوية الرئاسية التي حملت ميشال عون إلى سدة الرئاسة.
وتزامن تراجع بري عن خطوته لفتح أبواب البرلمان الذي يعتبر المحتجون أنه فاقد لشرعيته الشعبية، مع امتناع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله عن الخوض في كلمته الاثنين، في عقدة تشكيل حكومة يريدها المنتفضون حكومة تكنوقراط حيادية، نظيفة اليد من فساد الساسة وأصحاب المشاريع الوهمية الذين تؤمّن لهم الأحزاب الغطاء والحماية.
وقال الأمين العام لحزب الله اللبناني الاثنين إن المحادثات السياسية مستمرة من أجل تشكيل حكومة جديدة وإنه لن يبحث الأمر علنا لأنه يريد “ترك الباب مفتوحا”.
وأضاف نصرالله في حديث نقله التلفزيون “في ما يتعلق ببحث الحكومة والتكليف والتأليف، اللقاءات متواصلة والنقاشات الدائرة في البلد. أنا لن أتحدث في أمر لسنا مضطرين الآن كي ندلي بأي كلام وسنترك الباب مفتوحا”.
ويعتقد متابعون للشأن اللبناني أن نصرالله ما زال يراهن على إمكان قبول سعد الحريري تشكيل حكومة مختلطة من تكنوقراط وممثلين لقوى سياسية، لذلك أكد أن النقاش في المسألة لم ينته.
ويعتقد هؤلاء أن حديث نصرالله عن أن الباب لا يزال مفتوحا مهم لأن هناك فرصة للمناورة باختيارات ليست من المحسوبين على حزب الله مباشرة ولكن ممن لن يعارض الحزب على وجودهم أو ممن يتخذون مواقف قريبة من الحزب من دون أن يكونوا محسوبين عليه تماما، وهو ما يعني عمليا الالتفاف على مطالب المحتجين وإعادة تشكيل حكومة تابعة لحزب الله.
وتصف أوساط قيادية في حزب الله مطلب الحريري بتشكيل حكومة تكنوقراط بأنه “مؤامرة عليه”.
وفيما يراهن حزب الله وحركة أمل على الوقت، وتراجع الآلاف من المحتجين بسبب الملل وغياب الأفق، فإن أوساطا سياسية لبنانية تعتقد أن “الثنائي الشيعي” يسير في الطريق الخطأ، وأن التظاهرات لا تبحث عن إسقاط الحكومة، أو فرض نمط حكومة التكنوقراط، وإنما تبحث عن إسقاط الطبقة السياسية والنظام الطائفي الذي تحمي به نفسها.
ويبني حزب الله رؤيته في المطالبة بتغيير الحكومة مع الإمساك بها عن بعد على نظرية المؤامرة التي تزعم أن الانتفاضة تحركها الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن إبعاد وزراء حزب الله قد يوقف الاحتجاجات.
ويقود هذا الفهم إلى تأزيم الوضع وإعطاء مبرر إضافي لتجذير المطالب الشعبية التي نجحت إلى الآن في تخطي محاولات تدجينها وتغيير اتجاهها ونسقها اعتمادا على البعد الطائفي، أو التركيز على رموز بعينها مثل رئيس الحكومة سعد الحريري، أو وزير الشؤون الخارجية والمغتربين جبران باسيل.
ورغم معارضة الشارع اللبناني للولاءات الخارجية، وخاصة إيران، التي رفع المحتجون شعارات ضدها بشكل واضح، إلا أن أمين عام حزب الله لا يزال يراهن على إيران ودورها في إنقاذه، وأنها يمكن أن تخرج لبنان من الأزمة من بوابة استثماراتها.
ودعا حسن نصرالله القضاء اللبناني إلى تحمل كامل المسؤولية في مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة ودعاه إلى البدء بحزب الله.
وأشار إلى بعض الآفاق التي يغلقها الأميركي على لبنان وهي “الشركات الصينية، التي من شأنها التزام مشاريع جديدة في لبنان وتحريك الاقتصاد وتأمين فرص عمل، والأميركي لن يدع الشركات الصينية تعمل في لبنان”.
وأوضح “من أهم وسائل العلاج في البلد معالجة الوضع الاقتصادي”، مشيرا إلى أنه “لدينا خيارات وآفاق عديدة بما يتعلق بالوضع المالي، والعقوبات الأميركية تعمل على تعميق هذا المأزق”.
وأشار إلى أن “الشركات الإيرانية الرسمية والخاصة قادرة على أن تستثمر في لبنان وتؤمن فرص عمل لكن الأميركي يمنع ذلك عن لبنان”.
وأعلن رئيس مجلس النواب الاثنين أنه قرر تأجيل جلسة مجلس النواب التي كانت مقررة اليوم الثلاثاء إلى 19 من الشهر الحالي بسبب الظروف الأمنية.
وقال بري “نظرا للوضع الأمني المضطرب، قررت إرجاء الجلسة إلى يوم الثلاثاء الموافق لـ19 من الشهر الحالي بجدول الأعمال نفسه”.
وأضاف بري خلال تلاوته بيان كتلته التنمية والتحرير النيابية بعد اجتماعها، أن “الوقوف ضد الجلسة التشريعية والضجة المفتعلة ليس بسبب اقتراح قانون العفو أو أي قانون آخر كما يزعمون، هدفها إبقاء الفراغ السياسي”.
وأعلن أن “الكتلة قررت الطلب من جميع أعضائها رئيسا ووزراء سابقين وحاليين ونوابا رفع السرية المصرفية عن حساباتهم، أو الطلب من وزراء الكتلة السابقين والحاليين رفع الحصانة لمعالجة ما يتعلق بالمال العام واستعجال تشكيل حكومة جامعة لا تستثني الحراك”.
وعلى خط الأزمة المالية الطاحنة في لبنان، كان لكلام حاكم المصرف المركزي رياض سلامة أمس أثر إيجابي في الشارع، إذ طمأن المودعين إلى أن أموالهم لن تتبخر، وعرض اقتراض المصارف لتأمين سيولة الدين بالدولار.
العرب