فجر يوم الجمعة الماضي، أحرقت القوات الحكومية العراقية مخيمات نصبها معتصمو مدينة كربلاء في ساحة التربية، التي احتلوها وأغلقوا مديرية التربية وكتبوا على واجهتها “مغلقة بأمر الشعب”.
وتكتسب مدينة كربلاء، التي يقدسها الشيعة حول العالم ويقصدها سائر المسلمين لزيارة مرقد الإمام الحسين بن علي، أهمية كبيرة كون السلطة تزعم منذ 16 سنة أن كربلاء وسائر المدن الشيعية هي ظهيرها المتين.
وكون المدينة مقدسة، فقد جلب المحتجون معهم نسخا من القرآن الكريم، أحرقت مع المخيمات، التي هاجمتها القوات الحكومية وهي تضرب المعتصمين بالهراوات غدرا أثناء نومهم، مما جعل متظاهري المدينة يزدادون عزما ويهاجمون مبنى محافظة كربلاء السبت.
رمزية كربلاء، تجعلها محط الأنظار وتجعلها تؤثر بشكل كبير في مسار الاحتجاجات في المدن العراقية الأخرى
وتشهد المدينة، منذ بداية الاحتجاجات العراقية في 25 أكتوبر الماضي، تظاهرات كبيرة استنكارا للقتل المتعمد للمتظاهرين السلميين. وهز المتظاهرون مقرات الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران بهتاف واحد مزلزل، “هذا وعد هذا عهد إيران ما تحكم بعد”، الذي كانوا قد رددوه، في وقت سابق، أمام القنصلية الإيرانية في المدينة.
يجري الحديث في مدينة كربلاء حول تكليف فرقة العباس الميليشياوية، التابعة للعتبة العباسية بتنفيذ مجزرة كربلاء مساء الرابع من نوفمبر الحالي، بمساعدة ودعم من عناصر الحرس الثوري الإيراني.
واعتقلت الميليشيات الموالية لإيران في ذلك اليوم مئات المتظاهرين. ونقل عن ضابط في قوات سوات (القوات القذرة) زعمه، أن فتوى دينية من عالم دين رفيع وردتهم بجواز قتل هؤلاء المحتجين.
لقد دنس الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية كربلاء بما ارتكبوه فيها من مجازر في المدينة، التي يدّعي أتباع الولي الفقيه الإيراني أنهم يقدسونها، وأثبتت تلك الوقائع زيف ادعاءاتهم.
تسجيلات فيديو وثّقت المجزرة بحق متظاهري كربلاء، لكن قيادة شرطة كربلاء نفت في مؤتمر صحافي تلفزيوني مقتل أي متظاهر خلال تلك الاحتجاجات الأخيرة. كما وثّقت التسجيلات العنف المفرط الذي مارسته الميليشيات باستخدام الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، التي تم توثيق أنها تخالف المعايير الدولية لتلك الأسلحة والتي تستخدم كسلاح قاتل بسبب وزنها الثقيل واحتوائها على غازات كيمياوية سامة محرمة دوليا.
استخدمت السلطات تلك القنابل التي يزيد وزنها على عشرة أضعاف القنابل المستخدمة في مواجهة احتجاجات المدن بكثافة مبالغ فيها، حتى أن قناة فضائية عراقية ذكرت أنها حصلت على معلومات من مصدر في وزارة الداخلية تفيد بوجود نقص حاد في مخزون تلك القنابل، التي أكدت منظمة العفو الدولية أنها صناعة إيرانية. وذكر المصدر أن مخزونها لم يعد يكفي لأكثر من أسبوعين إذا استمر استخدامها بتلك الكثافة. وكشف عن تكليف فريق من وزارة الداخلية للتعاقد الفوري مع إيران لتزويد الوزارة بها.
تشهد مدينة كربلاء، منذ بداية الاحتجاجات العراقية في 25 أكتوبر الماضي، تظاهرات كبيرة استنكارا للقتل المتعمد للمتظاهرين السلميين
ومع هذه الأحداث العاصفة والمريعة، التي شهدتها مدينة كربلاء ذات الرمزية الدينية الكبيرة، فإن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لم يأت على ذكرها ولا على ذكر الدماء التي أريقت في جميع مدن العراق، في رسالته المسربة، التي وجهها إلى مقتدى الصدر، والتي بحث معه فيها سبل الخروج من الأزمة، بل واصل التبجح بأن ميليشياته مازالت في وضع الدفاع عن نفسها تجاه المتظاهرين الذين لا يحملون سلاحا.
رمزية مدينة كربلاء، تجعلها محط الأنظار وتجعلها تؤثر بشكل كبير في مسار الاحتجاجات في المدن الأخرى. وقد ينتقل هذا التأثير إلى جميع المدن الشيعية في العالم. ويؤكد التاريخ أن معظم الثورات الشعبية الكبرى في العراق اندلعت من المدن الدينية مثل كربلاء والنجف والكاظمية.
في كربلاء توحدت عقول وقلوب العراقيين في معركة الحرية، تؤكد تلاحم الصف الوطني في لحظة تاريخية، تعلن أن الثورة لن تتوقف حتى تحقيق أحلام العراقيين.
هكذا وضعت مدينه الحسين النقاط على الحروف، معلنة أن ساعة الخلاص قد حانت، وأن النصر آت، بعد أن كانت الميليشيات الإيرانية تتوهم أنّ كربلاء ستبقى حصنا منيعا لمخططاتهم الخبيثة وخرافاتهم الموغلة في ظلام كهوف التاريخ.
العرب