منتصف هذا الشهر، وبعد أيام على لقاء جمع ممثلين عن الدول الثلاث التي تمثل أطراف أزمة سد النهضة، مصر وإثيوبيا والسودان، وبوساطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اجتماعا لوزراء الدول المعنية بالأزمة، للمداولة حول رؤية كل منها لملء خزان السد، أبرز نقاط الخلافات.
اجتماع أديس أبابا الوزاري، هو الاجتماع الأول من أربعة اجتماعات مقرر عقدها لوزراء الموارد المائية من الدول الثلاث، بمشاركة ممثلين عن البنك الدولي والولايات المتحدة بصفتها الدولة الوسيط التي مهدت لهذا الاجتماع في 7 نوفمبر/تشرين الثاني خلال لقاء وزراء خارجية الدول الثلاث في واشنطن.
في اجتماعات واشنطن بوساطة أمريكية، أشارت بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، إلى أن السقف الزمني المحدد للتوصل إلى اتفاق لحل النزاع حول ملء وتشغيل سد النهضة سيكون بحلول 15 يناير/كانون الثاني 2020.
وتأمل إثيوبيا أن تصل لإنتاج الطاقة الكهربائية في غضون ثلاث سنوات، وهي المدة المقررة لملء خزان سد النهضة خلافا للرغبة المصرية بأن يكون ملء الخزان بوتيرة أبطأ تستغرق سبع سنوات على الأقل.
وفي حال أخفقت أطراف الأزمة في التوصل إلى اتفاق، سيكون على وزراء خارجية الدول الثلاث العودة إلى المادة العاشرة من إعلان 2015.
وتنص المادة العاشرة المتعارف على تسميتها بمبدأ التسوية السلمية للمنازعات على أن “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا”، وفي حال لم تنجح الأطراف في حل الخلافات من خلال المشاورات أو المفاوضات عندها “يمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول أو رئيس الحكومة”.
وأكد وزراء خارجية الدول الثلاث بعد انتهاء اجتماع واشنطن على التزامهم المشترك بالتوصل إلى اتفاق شامل ومستدام وفق أسس المنفعة المتبادلة بشأن تشغيل سد النهضة، بما ينسجم مع إعلان “المبادئ” لعام 2015.
ووفقا لإعلان المبادئ، تتعهد الدول الثلاث بتقاسم الموارد المائية على نحو ينصف الجميع.
وتتحدث أديس أبابا عن أنها لا تنوي الإضرار بالمصالح المصرية وأن الهدف من بناء السد هو توفير الطاقة الكهربائية، بينما تتخوف القاهرة، والخرطوم أيضا، من أن يؤدي ملء خزان سد النهضة الواقع على رافد النيل الأزرق إلى تقليل كمية المياه المتدفقة إليهما والتي تعاني “شحة” كبيرة قبل البدء بملء خزان السد.
ومن المحتمل أن يكون هناك تأثير سلبي على تدفق حصة مصر السنوية البالغة 55 مليار متر مكعب منها 8 مليارات للقطاع الصناعي، وما تبقى للقطاع الزراعي والاستهلاك البشري، حيث تعتمد مصر على مياه نهر النيل بحوالي 90 في المئة من احتياجاتها المائية.
لكن إثيوبيا ترى أن سد النهضة سيوفر طاقة كهربائية بإمدادات ضخمة هي الأكبر في القارة الإفريقية، وهو أمر حاسم في تنميتها الاقتصادية.
ومع عدم توافق الأطراف على حلول وسط، وتباين وجهات نظرها حول مصالحها من تشغيل السد، ستظل الأزمة بحاجة إلى وسيط دولي لديه ما يكفي من أوراق الضغط على حكومات الدول الثلاث، وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة هي الأكثر قدرة على ذلك.
ويكتسب اجتماع واشنطن أهميته من دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة بالإضافة إلى البنك الدولي كشريك “دائم” في المحادثات، كما أن الاجتماع الذي جاء بدعوة أمريكية يعد قبولا ضمنيا من إثيوبيا باستئناف المفاوضات وموافقة على الدعوة المصرية لدخول وسيط دولي، وهو ما رفضته إثيوبيا حينذاك.
وتحاول أيضا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لعب دور الوسيط الأوروبي في الأزمة بين مصر وإثيوبيا لمنع أي احتمالات للحرب بين البلدين بعد التصعيد الإثيوبي، وانطلاقا من اعتقاد ألمانيا أن الأزمة في حقيقتها أزمة تقنية ولا يجب أن تصل إلى مرحلة الحرب التي ستهدّد طريق التجارة الدولية الحيوية عبر قناة السويس، وعلى طول القرن الأفريقي.
وعقد الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي اجتماعا في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في سوتشي الروسية على هامش أعمال القمة الروسية الإفريقية لمناقشة ملف سد النهضة والخلافات حوله.
وهي المباحثات الأولى بعد “توتر” حاد في الأزمة بين البلدين بعد تلويح إثيوبيا باللجوء للخيار العسكري وتصريحات رسمية عن استعدادها حشد مليون إثيوبي للقتال دفاعا عن السد، وهو الأمر الذي ردت عليه القاهرة برفضها لتلك التصريحات، وقبولها دعوة واشنطن لحوار ثلاثي يشمل أديس أبابا والخرطوم.
ويؤيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إجراء مباحثات ثلاثية بشأن أزمة سد النهضة والتوصل إلى اتفاق “تعاون” بين الدول الثلاث، وتوفير المناخ الملائم لاستئناف المفاوضات وصولا إلى حلول مرضية للجميع، كما يهدف إلى أن يكون الاتفاق بمثابة خريطة طريق ملزمة لجميع الأطراف.
لجوء مصر إلى تدخل وسيط دولي جاء بعد قناعة بوصول مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود متزامنا مع تصعيد في لهجة الخطاب الإثيوبي الموجه ضد مصر.
وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة تدرك تماما خطورة أزمة سد النهضة واحتمالات تصاعد الأزمة بما يهدد الأمن الإقليمي في منطقة حيوية للمصالح الأمريكية.
في مقابل ذلك، ذهب خبراء أمريكيون إلى أن ثمة دوافع شخصية لدى الرئيس الأمريكي في التدخل كوسيط بين طرفي الأزمة الرئيسيين، إثيوبيا ومصر.
وقد تكون هناك فرص لاستثمارات كبيرة لشركات مرتبطة بالرئيس الأمريكي والتي تشير بعض التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات المتوقعة تتعدى خمسة مليار دولار لاستكمال المراحل النهائية من بناء السد التي لم تكتمل بعد.
إلى جانب ذلك، فإن اجتماعات سوتشي بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإثيوبي برعاية روسية خلال استضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة الإفريقية الروسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ينظر إليها مراقبون على أنها أحد أهم دوافع الرئيس الأمريكي للتوسط.
كما أن الرئيس الأمريكي يسعى لتحقيق إنجازات خارجية قد تساعده في حملته الانتخابية القادمة للتجديد له لفترة رئاسية ثانية في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل 2020.
يمكن للوساطة الأمريكية المساعدة في منع أي أعمال حربية في تلك المنطقة الحيوية للمصالح الأمريكية لضمان تدفق التجارة الدولية عبر قناة السويس، لكن هناك ثمة احتمال عدم جدية الولايات المتحدة في وساطتها واحتمالات استغلالها من أطراف دولية، مثل الصين، لتحقيق أهداف تتعارض مع الأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة.
الأناضول