اندلعت في إيران هذا الأسبوع تظاهرات على خلفية قرار الحكومة رفع أسعار البنزين بنسبة 50 بالمئة على الأقل، وتوزيعه بالحصص، وانتشرت الاحتجاجات في نحو مئة مدينة، وسقط أكثر من مئة قتيل وفقاً لمنظمة العفو الدولية، ومع تأجج الموقف هدد الحرس الثوري الإيراني بالتدخل حاسماً الموقف.
هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها الشارع الإيراني تأجج التظاهرات على خلفية الظروف الاقتصادية، إذ تكررت عامي 2017 و2018، وكانت هناك احتجاجات (الحركة الخضراء) عام 2009. طوَّرت الحكومة الإيرانية أدواتها لإدارة الاضطرابات الداخلية، إذ تتعامل باستخدام مزيجٍ من أدوات القمع مع إغلاق الإنترنت، بهدف منع نشر ما يحدث بالداخل إلى الخارج.
بالطبع، مثل كل مرةٍ يُعدّ النظام الإيراني التظاهرات بدافع من قوى خارجية تستهدف تغييره، وهو تفكيرٌ يرتبط بنظرية (كبش الفداء)، إذ يبحث النظام عن مصادر تهديد خارجية للحفاظ على وحدة تماسك الدولة داخلياً من جهة، ومن جهة أخرى تستهدف طهران خلق تبرير لاستخدام القمع والعنف في مواجهة المتظاهرين.
وبشكل عام، فإن التظاهرات السابقة في عامي 2017 و2018 وحتى الحالية رفع المتظاهرون خلالها شعارات لا تنمّ عن مطالب اقتصادية فقط، بل ارتبطت بالتململ من تداعيات السياسة الخارجية التي نتج عنها توجيه موارد الدولة الإيرانية إلى وكلائها الإقليميين في سوريا والعراق ولبنان، لذا لم تخصّ الشعارات المسيئة أحد تياري النظام السياسي الإيراني دون الآخر، بل شملت كلاً من رأس النظام ممثلاً في المرشد الإيراني، والرئيس المحسوب على التيار الإصلاحي حسن روحاني.
ويوجد فارقٌ بين التظاهرات السابقة والحالية، وهو أنها نشأت لأسباب اقتصادية دون إيعاز من أحد التيارات، ففي عام 2017 اندلعت التظاهرات بدافع من التيار المتشدد من أجل إحراج الرئيس حسن روحاني على خلفية الاتفاق النووي، في حين هذه المرة كانت لأسباب اقتصادية دون توجيه من أيّ من التيارات السياسية، لذا ربما هذا ما دفع الحرس الثوري إلى التهديد بإيقاف التظاهرات وتعامل قوات الباسيج معها.
ورُغم أن إدارة الرئيس ترمب استهدفت من سياسة الضغط الأقصى التضييق الاقتصادي، بما يدفع المواطنين إلى حراك لتغيير النظام، ورُغم أيضاً قدرة النظام الإيراني على استخدام الآلة القمعية في السابق للتعامل مع التظاهرات باعتبار أن النظام متماسك، ولن ينهار أمام الضغوط الأميركية، فإنه يمكننا القول إن إقدام الحكومة الإيرانية على رفع سعر البنزين في توقيت تشهد فيه دولٌ مثل لبنان والعراق حراكاً شعبياً في مواجهة حكوماتهم على خلفية الفساد والظروف الاقتصادية إنما يدلُ على أن النظام الإيراني اُضطر إلى اتخاذ تلك القرارات في ذلك الوقت الحرج نتيجة للضغوط الاقتصادية المتزايدة جراء العقوبات الأميركية.
من هنا، يمكن أن تنتج عن الاضطرابات الحالية لحظة حاسمة للتفكير في العودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة، لكن ذلك لا ينفي كون النظام الإيراني يماطل في اللجوء إلى المباحثات مراهناً على انتهاء فترة ولاية ترمب، وقدوم إدارة جديدة تدخل معها مناقشات بشروط أكثر مرونة وفقاً لشروطها، وعندما يكون لديها نفوذ.
القرار الحكومي الذي أجج التظاهرات وجد دعماً من المرشد الإيراني الذي اعتبر أنه لا مفر من تلك القرارات، واُتخذ من قِبل المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي الذي يضم رئيس الدولة ورئيس السلطة القضائية ومجلس الشورى، أي أنه لم يُناقش من قِبل ممثلي الشعب التشريعيين.
وأُسس المجلس بقرار من المرشد الأعلى بعد انسحاب الولايات المتحدة من طرف واحد من الاتفاق النووي، ولا يخضع للمساءلة. ويُتوصّل إلى قرارات المجلس بالأغلبية، وهو ما يعني أن صوتين من أصل ثلاثة يكفي لإصدار مرسوم، وفوَّض آية الله خامنئي سلطاته بوصفه قائداً أعلى للمجلس حتى يتمكّن من إخراج إيران من الأزمة الاقتصادية الحالية والتعامل مع العقوبات الأميركية.
لذا، حتى يحدثُ تغييرٌ في الجانب الأميركي ستستمر إيران في اتخاذ إجراءات تقشفية للحفاظ على الاقتصاد بالتزامن مع قمع المعارضين في انتظار وترقب ما إذا كان ترمب سيعود إلى منصبه بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
اندبندت العربي