بغداد – لجأ رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى العشائر على أمل أن تستخدم نفوذها الكبير لوقف التظاهرات، التي تقترب من إتمام شهرها الثاني، بعدما أرهقت الحكومة وأجهزتها الأمنية وميليشياتها وأحزابها السياسية.
وكشفت مصادر سياسية مطلعة أن مقربين من عبدالمهدي بذلوا جهودا كبيرة خلال الأيام الثلاثة الماضية، لإقناع زعماء قبليين وشيوخ عشائر بالحضور إلى مكتب رئيس الوزراء، لمناقشة التطورات المتصلة بالتظاهرات، مؤكدة أن الجهود المذكورة حققت بعض النجاح، لكنها اصطدمت بعقبات صعبة.
وقال مكتب عبدالمهدي إن رئيس الوزراء أكد “أننا نعمل على إصلاح البلد بتلبية متطلبات التنمية الشاملة وليس بالاستجابة للمطالب المشروعة فقط”، وذلك خلال استقباله “جمعا كبيرا من شيوخ ووجهاء العشائر من المحافظات الوسطى والجنوبية، للتداول في الأوضاع التي تمر بها البلاد والإجراءات الإصلاحية والحلول المطروحة”.
وأقر مكتب عبدالمهدي بأن شيوخ العشائر عرضوا “خلال اللقاء واقع المحافظات من النواحي الأمنية والخدمية والمعيشية والعديد من الآراء والمطالب والمقترحات المتعلقة بمحاربة الفساد وتشغيل المعامل المتوقفة وتوفير فرص العمل ودعم البطاقة التموينية والتعويضات، إلى جانب الدعوة إلى إجراء تعديلات دستورية وفرض سلطة القانون وهيبة الدولة للحفاظ على موارد الدولة والممتلكات العامة والخاصة والموانئ والمنافذ الحدودية”.
ورد عبدالمهدي بأن “كل المطالب قابلة للتنفيذ بالتعاون في السراء والضراء وتحمل المسؤولية المشتركة من أجل مصلحة العراق”، مضيفا أن “العشائر كانت في الصف الأول في كل العهود ومدت ساحات القتال ضد داعش بالرجال الشجعان وهي حقا جيش المرجعية والشعب ووقفت مع قواتنا حتى تحقيق النصر”.
ووفقا لمكتب عبدالمهدي، فإن اللقاء لم يتطرق إلى مطالب المتظاهرين الرئيسية، وفي مقدمتها إقالة الحكومة والكشف عن القناصين المتورطين في قتل المئات من المحتجين، فضلا عن مصير الآلاف من الجرحى الراقدين في المستشفيات بعد تعرضهم إلى الغازات السامة والرصاص الحي، بالإضافة إلى مصير مئات المغيبين من المتظاهرين والنشطاء والصحافيين الذين اختطفوا من ساحات الاحتجاج أو من منازلهم.
ولم ينتظر المتظاهرون كثيرا، إذ وزعوا مجموعات في التقاطعات التي يحتمل أن يمر بها شيوخ العشائر بعد خروجهم من لقاء عبدالمهدي. وبالفعل، ضبطوا مجموعة منهم في أحد التقاطعات، وواجهوها بهتافات مهينة تأسف لسعي زعماء قبائل كبيرة وراء مغريات تقدمها سلطة غاشمة في لحظة يأس.
ولم يقتصر الرد على هذا التحرك، بل أخضع نشطاء صورا بثها مكتب عبدالمهدي للقائه بشيوخ العشائر إلى التحليل، واستخرجوا منها وجوه زعماء قبائل يجلسون في مكتب رئيس الوزراء، ونشروها في وسائل التواصل الاجتماعي، مع وسم “خونة”.
وبعدما انتشرت صور “الشيوخ الخونة” كالنار في الهشيم، مع تفاعل سلبي كبير ضدها، اضطر بعض زعماء القبائل إلى إصدار توضيحات تشير إلى أنهم لم يداهنوا عبدالمهدي، بل طالبوا بدماء ضحايا ثورة أكتوبر.
وخلقت هذه التعليقات موجة رفض عامة سرعان ما وصلت أصداؤها إلى مجالس شيوخ عشائر آخرين تبين أنهم رفضوا دعوة عبدالمهدي.
وقال متظاهرون إنهم أجروا اتصالات بنحو عشرين زعيم قبيلة وشيخ عشيرة في وسط وجنوب العراق أكدوا كلهم أنهم رفضوا دعوة للقاء مع عبدالمهدي.
ونقل المتظاهرون عن زعماء القبائل الذين أوردوا أسماءهم الكاملة وعنوانين مضايفهم، القول إنهم تلقوا اتصالات ملحة من مكتب عبدالمهدي، لكنهم رفضوا دعوته، مؤكدين أنهم أبلغوا رئيس الوزراء العراقي وقوفهم إلى جانب المتظاهرين، فيما حذروا من استغلال أسمائهم أو ظهور ممثلين عنهم في أي لقاء مع سلطات حكومية متورطة في قمع التظاهرات.
وطالب زعماء القبائل الذين رفضوا تلبية دعوة عبدالمهدي عناصر القوات الأمنية الذين ينحدرون من عشائرهم بعدم تنفيذ الأوامر الحكومية بقتل المتظاهرين.
وقال مراقبون إن لجوء الحكومة العراقية إلى هذا النوع من الإجراءات، يعكس درجة الانهيار التي بلغتها، وهي تواجه احتجاجات غير مسبوقة على مستوى الحجم ونوعية المطالب، معتبرين أن هذه التحركات الحكومية تصب في صالح حركة الاحتجاج لأنها تكشف تشبث عبدالمهدي بالسلطة وتزيد من زخم الغضب الشعبي ضد الأطراف الداعمة له.
ويوضح استدعاء شيوخ العشائر أن الطبقة السياسية في العراق، وعلى رأسها عبدالمهدي، قد شعرت باليأس من الدور الذي يمكن أن تلعبه المرجعية الدينية وهي سلاحها التقليدي في تهدئة الشارع، ولم تجد أمامها سوى اللجوء إلى أسلوب آخر للضغط على المحتجين.
وأكد مراقب سياسي عراقي لـ”العرب” أن هذا الالتجاء إلى العشائر لن يكون مؤثرا إلا في المناطق غير الحضرية، وهي مناطق لن يؤثر الوضع فيها على التظاهرات التي تشهدها مراكز المدن الرئيسية وفي مقدمتها العاصمة بغداد.
واستبعد المراقب أن يكون لهذا الأسلوب تأثير يُذكر بل قد ينعكس سلبا على الأوضاع الشخصية لكل من حضر ذلك الاجتماع الذي أطلق عليه المحتجون تسمية “اجتماع العار”، لافتا إلى أنه من المحتمل أن يفقد أولئك الأشخاص مكانتهم المعنوية داخل عشائرهم وتكون تلك مناسبة لكي يعلن المحتجون عن الانتهاء من طي صفحة العشائر وتمتين تمسكهم بالمجتمع المدني.
العرب