خلقت زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى العراق لتفقد قوات بلاده جدلا متجدّدا في البلد خاصة بعدما كرّر المسؤول الأميركي رفيع المستوى ما فعله الرئيس دونالد ترامب بتجاهله لقاء المسؤولين في حكومة بغداد. ورغم التواصل الهاتفي مع رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، إلا أن مقربين من الأخير أكّدوا أن عبدالمهدي لن يتحول إلى الأنبار للقاء بنس، فيما أكد مكتب الرئيس العراقي برهم صالح أنه لم يكن مطلعا بشكل مسبق على الزيارة، وأنه ليس مقرراً عقد اجتماع بين الطرفين.
بغداد – أجبرت التطورات الأخيرة في العراق وإيران، اللذين يعيشان احتجاجات عارمة تطالب بالتغيير السياسي في كلا البلدين، نائب الرئيس الأميركي مايك بنس على تفقد قوات بلاده في العراق.
واللافت للانتباه أن بنس أجرى هذه الزيارة التفقدية دون أن يلتقي أيا من المسؤولين الرسميين في بغداد في الوقت الذي تستعر فيه الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية، التي طالت أيضا إيران صاحبة النفوذ في العراق.
في المقابل ،التقى بنس رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان برزاني في أربيل بعد زيارته إلى قاعدة عين الأسد التي تضم قوات أميركية غرب العراق.
وأكد نائب الرئيس الأميركي على التزام الولايات المتحدة بسيادة العراق وأعرب عن قلقه من النفوذ الإيراني وذلك تزامنا مع الاحتجاجات التي خرجت في مدن عراقية.
وكرر بنس، أعلى مسؤول أميركي على هذا المستوى يزور بلاد الرافدين منذ زيارة دونالد ترامب في أواخر ديسمبر 2018، ما قام به الرئيس الأميركي بأن أدى زيارة قصيرة دون لقاء أي مسؤول محلي.
وأدت التظاهرات المتواصلة في بغداد ومناطق عدة في جنوب البلاد، إلى مقتل نحو 350 شخصا منذ اندلاعها في الأول من أكتوبر. وسقط آخر هؤلاء السبت في مواجهات مع قوات الأمن في بغداد.
وفي زيارته الأولى للعراق، تفقد بنس قوات بلاده في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، غرب البلاد، بحسب ما أفاد به مصدر أمني.
وأكد مسؤولان عراقيان أن بنس تواصل هاتفيا مع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي. وأفاد أحدهما بقوله “لن يكون ثمة اجتماع (بين المسؤولين) طالما أنهما تواصلا هاتفيا، رئيس الوزراء لن يذهب إلى الأنبار”.
مكتب الرئيس العراقي برهم صالح يؤكد في تفاعله مع الحدث أنه لم يكن مطلعا بشكل مسبق على زيارة بنس
من جهته، أكد مكتب الرئيس العراقي برهم صالح أنه لم يكن مطلعا بشكل مسبق على الزيارة، وأنه ليس مقرراً عقد اجتماع بين الطرفين.
ونشر بنس عبر تويتر صورا له برفقة زوجته وجنود أميركيين خلال الزيارة التي تأتي قبل أيام من احتفال الأميركيين بعيد الشكر. وأرفق نائب الرئيس الأميركي تغريدته بتعليق “عيد شكر سعيد من العراق”.
وسبق لزيارة ترامب أن أثارت جدلا لعدم لقائه أي مسؤول عراقي.
وتأتي الزيارة في خضم التظاهرات التي تعم بغداد والعديد من مناطق جنوب البلاد منذ نحو شهرين، والتي شهدت توجيه العديد من المتظاهرين انتقادات واسعة لإيران على خلفية نفوذها الواسع في السياسة العراقية، ودعمها العديد من الفصائل المسلحة.
والتزمت إدارة الرئيس ترامب الصمت إلى حد كبير حيال الاحتجاجات غير المسبوقة ضد نظام ساهمت في إرسائه بعد الإطاحة بحكم صدام حسين في 2003، حيث نشرت عشرات الآلاف من الجنود في البلاد وواكبت المرحلة الانتقالية. وقامت الولايات المتحدة بعد الغزو بحل غالبية أجهزة الدولة وإعادة بنائها بشكل فعال، حيث وصلت إلى الحكم طبقة جديدة من النخب السياسية التي أقامت معها صلات شخصية وثيقة.
كما شرعت في بناء جيش جديد ونشر أكثر من 170 ألف جندي في العراق في ذروة تواجدها العسكري قبل الانسحاب في عام 2011. ومنذ ذلك الحين، لعبت القوات الأميركية دورا حاسما في هَزْمِ داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من البلاد في عام 2014، قبل إعلان “النصر” النهائي عليه في أواخر عام 2017.
ولا يزال 5200 عنصر منها متواجدين ضمن قواعد في العراق، في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي تقوده واشنطن. كما يعمل هؤلاء في مجال التدريب وتقديم الاستشارة للقوات العراقية.
وقال مسؤول عراقي بارز في تصريحات سابقة إن “الفجوة بين العراق وأميركا لم تكن إطلاقا بالحجم الذي وصلت إليه الآن، ولا تزال تزداد حجما”.
كما تأتي زيارة بنس بعد أيام على كشف صحيفة “نيويورك تايمز” وموقع “ذي إنترسبت” الإلكتروني الاثنين، عن المئات من التقارير الاستخباراتية الإيرانية المسرّبة التي تظهر عمق نفوذ طهران في العراق.
وسبق للولايات المتحدة أن أعلنت، عبر بنس، فرض عقوبات على قياديين في فصائل عراقية مسلحة مقربة من إيران، بينهم ريان الكلداني الأمين العام لكتائب “بابليون”. وعلق الأخير على زيارة بنس بالقول عبر حسابه على تويتر، “لنائب الرئيس الأميركي الذي وصل خلسة إلى العراق شعبنا الذي طرد احتلالكم بدمه، لا يريد مستقبلا يرسمه من قتل وشرّد وسرق. غير مرحب بك في أرض العراق”.
وتواصلت السبت المواجهات بين في مناطق مختلفة من العراق، لاسيما في بغداد حيث أعلنت مصادر طبية عن “مقتل متظاهر برصاص مطاطي على جسر الأحرار”، وإصابة 17 آخرين.
وقضى تسعة أشخاص في مواجهات مماثلة منذ ليل الأربعاء الخميس في العاصمة العراقية، من حصيلة إجمالية تناهز 350 قتيلا منذ بدء الاحتجاجات التي أدت أيضا إلى جرح نحو 15 ألف شخص.
وأدت الاحتجاجات إلى قطع ثلاثة جسور رئيسية بين شطري بغداد، هي الجمهورية والأحرار والسنك. ويسعى المتظاهرون بشكل لفك الطوق المفروض من القوات الأمنية على هذه الجسور، والعبور من الرصافة إلى الكرخ حيث تقع المنطقة الخضراء التي تضم غالبية المقار الحكومية والعديد من السفارات الأجنبية، وهو ما تقوم قوات الأمن بصده.
العرب