بعد يوم تظاهرات واسعة في العراق شهد عمليات اعتقال استهدفت عشرات الناشطين والمتظاهرين في بغداد ومدن جنوبية عدة، نفّذتها قوات الأمن العراقية، اضطر قسم كبير من هؤلاء للتواري عن الأنظار. وأكد ناشطون في بغداد وأعضاء من لجان تنسيقيات التظاهرات في كربلاء والبصرة وذي قار، أنهم دخلوا في ما يمكن اعتباره سباقاً على قدرة التحمّل مع الحكومة والأحزاب الداعمة لها ومن يصمد حتى النهاية سيكون الفائز، في إشارة منهم إلى مطلب حل الرئاسات الثلاث والذهاب لانتخابات مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة. ويأتي ذلك في وقت توالت بيانات صادرة عن هيئة النزاهة ومجلس القضاء الأعلى في العراق تتضمن أوامر قبض واستقدام وأحكام إدانة بحق مسؤولين، بينهم وزراء ونواب ومحافظون ومدراء عامون وأعضاء مجالس محافظات ورؤساء هيئات مختلفة، وذلك في خطوة على ما يبدو أنها تنسيق بين مجلس القضاء الأعلى والحكومة التي تحاول امتصاص زخم التظاهرات وتهدئة الشارع الذي دخل اليوم شهره الثاني من التظاهر المتواصل.
وصدرت بيانات منفصلة عن كل من مجلس القضاء الأعلى وهيئة النزاهة العراقية عبر محكمتها المختصة، خلال اليومين الماضيين، عبارة عن أوامر استقدام قضائية بحق وزراء سابقين، وهم وزراء التعليم العالي علي الأديب، والصحة عديلة حمود، والعلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي، والاتصالات حسن الراشد، والنقل كاظم فنجان الحمامي، عدا استقدام فوري لوزير الثقافة الحالي عبد الأمير الحمداني، وأمر اعتقال لرئيس ديوان الوقف الشيعي السابق صالح الحيدري، وهو بدرجة وزير أيضاً.
”
خلال أسبوع واحد بلغ عدد أوامر الاستقدام والقبض التي أصدرها القضاء بحق مسؤولين أكثر من 80 أمراً
”
بيانات القضاء وهيئة النزاهة التي أكدت جميعها أن الاستقدام بسبب تهم تتعلق بالإضرار بالمال العام والفساد والمخالفات الإدارية، لم تحتوِ على أي أسماء، إذ لا يجيز القانون الكشف عن أسماء من يتم استقدامهم للقضاء، قبل أن يتم البت بإدانتهم. وبالتزامن مع موجة أوامر القبض والاستقدام، أصدر القضاء، أمس، حكماً بالسجن بحق أمين بغداد السابق، المقرّب من زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، نعيم عبعوب، بالسجن لثلاث سنوات. كما أصدر مساء الأحد، أمراً بالقبض على محافظ صلاح الدين السابق، النائب الحالي أحمد الجبوري، بتهم فساد. كما ألقى القبض على النائب بالبرلمان، القيادي بتيار الحكمة محمود الملا طلال، متلبساً بجريمة رشوة في ساعة متأخرة من مساء الأحد.
وخلال أسبوع واحد بلغ عدد أوامر الاستقدام والقبض التي أصدرها القضاء بحق مسؤولين عراقيين أكثر من 80 أمراً، كان من بينها أيضاً الحكم بالسجن لسبع سنوات بحق رئيسة مؤسسة السجناء السياسيين الحالية، ناجحة الشمري. كما صدر أمر إلقاء قبض بحق محافظ بابل الحالي واستقدام محافظ البصرة، واستقدام محافظ ذي قار السابق واثنين من المديرين العامين في المحافظة، واستقدام بحق رئيس وأعضاء مجلس محافظة واسط، واستقدام رئيس وعدد من أعضاء مجلس محافظة كركوك، واستقدام رئيس مجلس محافظة ديالى ونائبيه الأول والثاني وأعضاء المجلس البالغ عددهم 26 عضواً، وقرار بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة الصادر لرئيس مجلس محافظة الديوانية، وقرار توقيف محافظ الديوانية السابق، واستقدام بحقّ رئيس هيئة الاستثمار ومدير عام الصحة في النجف وكذلك رئيس مجلس إدارة مطار النجف الدولي، واستقدام بحق المدير العام لدائرة صحة محافظة ميسان. وصدر قرار بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لثلاثة من كبار المسؤولين في وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، ورئيس جامعة كركوك السابق، فضلا عن استقدام بحق 4 نواب بالبرلمان وأمر قبض بحق آخر.
وأفاد مسؤول في بغداد لـ”العربي الجديد”، بأن “نصف الذين تم استدعاؤهم من قبل القضاء أو صدرت بحقهم قرارات اعتقال قضائية أو إدانة غير موجودين في العراق”، لكنه أكد في الوقت ذاته قرب صدور أوامر قبض أخرى لأعضاء بارزين بأحزاب نافذة بالسلطة. وجاء ذلك في وقت بدت فيه ساحات التظاهرات والميادين والشوارع الرئيسية، التي تتركز فيها التظاهرات في بغداد والبصرة وكربلاء والنجف وذي قار والقادسية والمثنى وواسط وبابل وميسان، في حالة فوضى، خصوصاً في ما يتعلق بتنسيق الجهود وتنظيم المطالب والأهم من ذلك كله الحفاظ على صفتها الشعبية، فحتى مع دخول مؤيدين لزعيم التيار الصدري فيها ودعمها، إلا أن الصفة الغالبة عليها اليوم هي الوطنية من دون أي تسميات ثانوية.
من جهته، يقول الناشط في ساحة الصدرين في النجف علي الأكبر الموسوي، لـ”العربي الجديد”، إن التظاهرات الآن دخلت مرحلة “من يقدر على الاستمرار أكثر سيكسب بالنهاية”، مضيفاً “للحكومة قمعها وإعلامها الذي يستمر بتشويه صور التظاهرات، ولها أيضاً حزم الإصلاح التي لا أثر لها حتى الآن. وعلى الشارع إن أراد حياة كريمة مريحة تحمّل القمع بمختلف أشكاله كالقتل والإصابة والاعتقالات وكذلك البرد المقبل”. ويلفت إلى أنه “تعاهدنا أن نواصل التظاهرات والاعتصامات وهددنا في حال محاولة فض الاعتصام بالقوة بأننا سنلجأ إلى مرقد أمير المؤمنين والاعتصام فيه ولن يجرؤ أحد على إخراجنا”، في إشارة إلى مرقد الإمام علي بن ابي طالب الواقع وسط المدينة.
”
نفذت أجهزة الأمن عمليات اعتقال واسعة في البصرة وذي قار، فضلاً عن أحياء في كربلاء وبغداد
”
في المقابل، يؤكد أحد المتظاهرين في الناصرية، العاصمة المحلية لمحافظة ذي قار، محمد وادي، إنهم يخجلون من العودة لمنازلهم بعد ما سقط كل هؤلاء الضحايا، وقبل إنهاء كل ما بدأوه، لذلك سيواصلون التظاهر والاعتصام. ويضيف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “حتى الآن لم نرَ أي إصلاحات ولا أي بوادر وحتى الـ150 ألف دينار (125 دولاراً) التي قالوا سنوزعها على العاطلين شهرياً لم يصل منها شيء للناس”، معتبراً أن ما يجري هو عمليات تخدير ومماطلة وإعلانات بلا تنفيذ، مراهنين على أنها فورة وسينتهي كل شيء كما حدث في البصرة العام الماضي.
ونفذت أجهزة الأمن الوطني والشرطة المحلية ووحدات من استخبارات الجيش عمليات اعتقال واسعة في البصرة في مناطق أم قصر والزبير والعشار، وفي الناصرية والغراف والرفاعي ضمن محافظة ذي قار، فضلاً عن أحياء في كربلاء وبجانب الرصافة من العاصمة بغداد، وفقاً لناشطين وحقوقيين. وقال عضو في المفوضية العليا لحقوق الإنسان، إن عدد المعتقلين تجاوز الـ200 ناشط ومتظاهر في أقل من 12 ساعة، ثم جرى إطلاق سراح نحو 40 منهم بشكل فوري، فيما الآخرون ما زالوا محتجزين من دون مذكرات اعتقال قضائية. ولفت إلى أن من بينهم ثلاثة مسعفين شبان من بغداد، بينهم فتاة، تم اعتقالهم بعد خروجهم من ساحة التحرير.
وشهد أمس، الاثنين، ما يمكن اعتباره لقاءً تعارفياً بين متظاهرين من مدن جنوبية عدة وآخرين من بغداد، جرى في ساحة التحرير. وأُغلقت أغلب مدارس وكليات الجنوب خصوصاً في ذي قار والبصرة وميسان والنجف، وسط توسعة المتظاهرين عملية قطع الطرق والجسور بإطارات السيارات والحجارة، تحديداً تلك المتجهة إلى حقول النفط والشركات التابعة لها وكذلك الدوائر الحكومية. وكانت البصرة صاحبة أعلى معدّل بين المحافظات في قطع الطرق، مثل طريق بغداد وطريق الزبير وشارع الجمهورية والشارع التجاري وطريق أبي الخصيب وجسر على شط العرب وآخر في غربي المدينة. وفي ذي قار، تركزت التظاهرات في الناصرية والغراف والرفاعية، وشهدت عمليات قطع طرق وجسور عدة، أبرزها جسر الزيتون والطريق الرابط بين مدينتي الشطرة والرفاعي.
وأضرم المتظاهرون النار للمرة الثانية على التوالي بمبنى مجلس المحافظة، عقب تشييع ضحايا سقطوا، وشهدت كل من بابل وواسط والمثنى والعمارة والديوانية والنجف وكربلاء تظاهرات مماثلة مع قطع للطرق وإضراب للمدارس والجامعات الحكومية والأهلية. من جانبها كشفت مفوضية حقوق الإنسان حصيلة ضحايا التظاهرات خلال الأيام الثلاثة الماضية، مؤكدة أن قوات الأمن ما زالت تستخدم العنف المفرط ضد المتظاهرين. ووفقاً لحصيلة المفوضية، فإن 11 متظاهراً قتلوا وأصيب نحو 300 آخرين في غضون الأيام الثلاثة الأخيرة. وأكدت أن القوات الأمنية لجأت مجدداً إلى العنف المفرط بكافة أشكاله ضد المتظاهرين السلميين.
مشاكل قانون الانتخابات
في غضون ذلك، أكدت مصادر برلمانية لـ”العربي الجديد”، وجود مشاكل كثيرة تعترض طريق سن قانون جديد للانتخابات تتمثل بتحفظ كتل سياسية، أبرزها الفتح وصادقون ودولة القانون، على طريقة احتساب الأصوات الانتخابية وتقسيم الدوائر الانتخابية بحسب الأقضية والمدن التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 ألف نسمة.
”
نصف الذين تم استدعاؤهم من قبل القضاء أو صدرت بحقهم قرارات اعتقال غير موجودين في العراق
”
وقال نائب لـ”العربي الجديد”، إن بعض الكتل صارت تضغط لإدخال تعديلات جديدة على مسودة القانون كونها تجده يتعارض مع مستقبلها بالتمثيل السياسي في الانتخابات المقبلة. وأكد أن تلك القوى تمارس ضغوطاً على رئاسة البرلمان بشأن ذلك، كون طرح القانون على التصويت ستترتب عليه مواقف معلنة رافضة له، على عكس إرادة الشارع، وهو ما لا تريد أن تظهر به تلك القوى حالياً. وأكد عضو التيار الصدري محمد الدراجي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن هناك كتلاً سياسية لا تريد إنفاذ قانون واضح للانتخابات، يكون فيه الفائز هو الذي يحصل على أعلى عدد من الأصوات، بل يريدون إضافة ما يشبه “سانت ليغو” الذي احتكر المشهد الانتخابي بأحزاب عدة، ومنع فوز أي مرشح مستقل يقرر خوض الانتخابات بمفرده.
واعتبر أن فكرة ذهاب أصوات الناخبين لآخرين غير الذين تم التصويت لهم، كما يجري في طريقة “سانت ليغو”، أمر مجحف، وتسبّبت سابقاً بتراجع نسبة المشاركين بالانتخابات وأيضاً بدخول أشخاص إلى البرلمان غير مؤهلين لإدارة أي نوع من أنواع العمل.
يأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة لرئيس تحالف “الفتح”، هادي العامري، إلى البرلمان قبل دقائق من عقد جلسة، ظهر أمس الاثنين، التقى فيها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي أدلى ببيان صحافي عقب اللقاء قال فيه: “نعتقد أن قانون الانتخابات سيرسم خارطة طريق لمشهد سياسي أكثر وثوقاً للشعب العراقي وإعادة الثقة بين الشعب والعملية السياسية بوضوح وصراحة”. وأضاف أن “القانون المطروح حالياً لانتخابات مجلس النواب يتضمن 50 في المائة قوائم فردية و50 في المائة قوائم انتخابية، لكنني شخصياً أدعم أن يكون الانتخاب فردياً لكل الناس وبنسبة 100 في المائة”.
وتطرق لمهلة 45 يوماً الممنوحة من الكتل السياسية لرئيس الحكومة لتنفيذ مطالب المتظاهرين، بالقول “لا نحكم أنفسنا بمواعيد زمنية قد تكون أقل من ذلك، لكن بعض القوانين تحتاج إلى رؤية واسعة لإشباع المناقشات واتخاذ آراء المختصين، ليكون الموعد أقرب من المحدد”. وبشأن تقليص عدد أعضاء مجلس النواب كما ينص مشروع القانون الانتخابي الجديد، قال الحلبوسي: “الحاكم هو الدستور، وهذا واضح بالفقرة التي تتحدث عن تمثيل 100 ألف نسمة لكل فائز، ورأي القوى السياسية في لجنة التعديلات الدستورية هو تقليل عدد أعضاء مجلس النواب من خلال الإجراءات الدستورية والقانونية”.
العربي الجديد