كربلاء (العراق) – دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني مجلس النواب العراقي (البرلمان) الى سحب الثقة من الحكومة اثر موجة احتجاجات مطلبية تضرب البلاد منذ شهرين دون مبالاة من الطبقة السياسية.
ودعا أيضا البرلمان إلى الإسراع بإقرار الإصلاحات السياسية تمهيدا للانتخابات.
وجاء في خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها ممثل السيستاني، أحمد الصافي، أنه “بالنظر إلى الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء، فإنّ مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه إلى دوامة العنف والفوضى والخراب، كما أنه مدعوّ إلى الاسراع في اقرار حزمة التشريعات الانتخابية بما يكون مرضياً للشعب تمهيداً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي”.
وذكر الصافي “أن التسويف والمماطلة في سلوك هذا المسار ـ الذي هو المدخل المناسب لتجاوز الأزمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور ـ سيكلّف البلاد ثمناً باهضاً وسيندم عليه الجميع”.
وأضاف أحمد الصافي أن “المرجعية الدينية العليا تتابع ببالغ الأسى والأسف أنباء الاصطدامات الأخيرة في عدد من المدن ولا سيما الناصرية الجريحة والنجف الأشرف، وما جرى خلال ذلك من إراقة الكثير من الدماء الغالية والتعرض للعديد من الممتلكات بالحرق والتخريب”.
وقال أحمد الصافي خلال خطبة صلاة الجمعة في صحن الإمام الحسين أمام الالاف من المصلين إن “المرجعية الدينية إذ تترحم على الشهداء الكرام وتواسي ذويهم وتدعو لهم بالصبر والسلوان وللجرحى بالشفاء العاجل تؤكد مرة أخرى على حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين ومنعهم من ممارسة حقهم في المطالبة بالإصلاح”.
وأضاف “كما تؤكد (المرجعية) على رعاية حرمة الأموال العامة والخاصة، وضرورة أن لا تترك عرضة لاعتداءات المندسين وأضرابهم، وعلى المتظاهرين السلميين أن يميّزوا صفوفهم عن غير السلميين ويتعاونوا في طرد المخربين ـ أياً كانوا ـ ولا يسمحوا لهم باستغلال التظاهرات السلمية للإضرار بممتلكات المواطنين والاعتداء على أصحابها”.
وحذر من “إنّ الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار الى الاقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة، فلا بد من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك”.
وشدد على” أنّ المرجعية الدينية ستبقى سنداً للشعب العراقي الكريم، وليس لها الاّ النصح والإرشاد الى ما ترى أنه في مصلحة الشعب، ويبقى للشعب أن يختار ما يراه أصلح لحاضره ومستقبله دون وصاية من أحد”.
ويرى مراقبون أن السيستاني قاوم ضغوطا إيرانية رهيبة خلال الأيام القليلة الماضية، لإصدار فتوى تحرم التظاهرات.
وأشارت العرب في تقرير سابق إلى أن الإيرانيين يدركون أن السيستاني لا يمكن أن يفرط في شعبيته الكبيرة في صفوف شيعة العراق من خلال السماح للحكومة بقتل المتظاهرين، لكنه لا يستطيع أيضا أن يتخلى عن مصالحه الوجودية المرتبطة بالنظام السياسي العراقي.
كما يرى مراقبون أن الصبر الإيراني على السيستاني أوشك على نهايته، وأن طهران ستتعامل مع كل من لا يقفون إلى جانبها على أنهم أعداء، بما في ذلك المرجع الشيعي الأعلى.
ولا يبدو إحراق القنصليتين الإيرانيتين في أشد المدن قدسية لدى الشيعة، أمرا عابرا أو تعبيرا عن غضب سريع الزوال، بل هو إعلان موقف شعبي صريح مناهض لنفوذ طهران، التي رعت الأحزاب السياسية المتهمة بصناعة التخلف في العراق وترويج الفساد الإداري والمالي وتدمير فكرة الانتماء الوطني لدى العراقي.
فيما جرت الجمعة مراسم تشييع كبيرة في النجف حيث قتل 16 متظاهرا الخميس بحسب مصادر طبية بعدما قام متظاهرون في الاونة الأخيرة بإحراق مبنى القنصلية الايرانية في المدينة المقدسة الواقعة في جنوب العراق.
وغداة أحد الأيام الأكثر عنفا خلال شهرين من الاحتجاجات المناهضة للحكومة والرافضة للنفوذ الإيراني في البلاد، ساد الهدوء في النجف وكذلك في الناصرية حيث قتل 25 متظاهرا وفقا لمصادر رسمية، في غضون ساعات قليلة أطلق خلالها الرصاص من قبل قوات أمنية بقيادة ضابط رفيع أرسل من بغداد ثم تم سحب يده من الملف.
وفي مدينة النجف التي يزورها ملايين الشيعة بينهم إيرانيون سنويا، حمل مشيعون سبعة نعوش فيما تحدثت مصادر طبية عن مقتل 16 شخصاً الخميس.
ومع سقوط 43 قتيلا الخميس وحوالى ألف جريح، يصل العدد الاجمالي لقتلى الاحتجاجات التي بدأت قبل شهرين، حوالى 400 قتيل، وفقا لحصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا الى مصادر طبية.
واتخذت الاحتجاجات مساء الاربعاء، منعطفاً جديداً في النجف عندما أطلق مسلحون يرتدون ملابس تقليدية عراقية على المتظاهرين بالقرب من القنصلية الإيرانية ومقرات للأحزاب واستمر ذلك على حتى عودة الهدوء عند الساعات الاولى من الصباح، وفقا لمراسلي فرانس برس.
وفي الناصرية الواقعة في جنوب البلاد، واصل محتجون التجمع في وسط المدينة لتأكيد مطالبهم بـ “إسقاط النظام” وتغيير الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والفشل، في بلد يعد بين أكثر البلدان الغنية في العالم فيما يعيش 20 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.
وكانت هذه المدينة الخميس مسرحاً لـ”مشاهد حرب”، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
وأكد أطباء أنهم أجروا عشرات العمليات الجراحية المعقدة في مستشفيات المدينة التي غصت بالجرحى، وقدر عددهم بالمئات، الذين أجبروا على الانتظار ساعات طويلة قبل تلقي العلاج.
وفي ظل خشية سكان المدينة من قيام بغداد بإرسال قوات عسكرية لقمع الاحتجاجات، قطع مسلحون من أبناء العشائر الطريق الرئيسي المؤدي الى العاصمة لحماية المتظاهرين من القمع، حسبما أكد شهود عيان اشاروا الى مغادرتهم المكان الجمعة.
العرب