يتوقع أن يكون مستقبل الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 زائد واحد على أجندة الرئيس الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائييل ماريانو غروسي الذي سيتولى مهامه في الثالث من ديسمبر الجاري غداة مصادقة الجمعية العامة لدول الوكالة على تعيينه، خلفا للياباني يوكيا آمانو الذي توفي في يوليو الماضي.
ويعد مسار تآكل الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة العام الماضي مرشحا للاستمرار بشكل تدريجي، وفق خطوات متتالية افتتحتها إيران في مايو الماضي بخفض تعهداتها بموجب الاتفاق، ردا على العقوبات الأميركية أحادية الجانب، وعلى عجز الدول الأوروبية عن تأمين بدائل مالية تخفف من وطأة “سياسة أقصى الضغط الأميركية”.
رفائيل ماريانوغروسي سيكون الشاهد الأول على عملية لي الذراع المتواصلة بين إيران والولايات المتحدة؛ حيث تواصل واشنطن قطع موارد طهران المالية، فيما رفضت الأخيرة، رغم شدة العقوبات، اتخاذ خطوات حاسمة من شأنها تخفيف التوتر على الصعيد الإقليمي.
اختارت طهران استغلال الاتفاق النووي لرفع مستوى نشاطات التخصيب وزيادة حجم المخزون. وأبلغ المدير العام بالنيابة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كورنيل فيروتا، مجلس المحافظين الخميس 21 نوفمبر أن طهران “نشرت أجهزة طرد مركزية جديدة في مفاعل نطنز لأغراض التخصيب وليس فقط لتطوير الأبحاث”.
وأضاف أنها “استأنفت أيضا تخصيب اليورانيوم في مفاعل فوردو” المحصن في منطقة جبلية. كما تجاوز مخزونها من الماء الثقيل إلى أكثر من السقف المحدد 130 مترا طنيّا. كما ارتفع حجم مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى 372 كيلوغراما في الأسابيع الأخيرة. وتتراوح نسبة التخصيب بين 3.67 بالمئة المسموح بها في الاتفاق و4.5 بالمئة.
قد تحتدّ الأزمة بين إيران وبعض الأطراف الدولية بسبب مشكلة مواد نووية غير معلنة في بلدة تورقوز آباد، جنوب طهران، كانت إسرائيل كشفت عنها في وقت سابق.
ولا يزال خبراء الوكالة الدولية ينتظرون من إيران، منذ يناير 2019، إجابات مقنعة على الأسئلة التي طرحوها بشأن “جسيمات نووية بشرية المنشأ” عثروا عليها في الموقع غير المعلن.
ونقل مصدر دبلوماسي لـ”العرب” أن إيران قدمت رواية غير مقنعة تشير إلى مستودع مواد صناعة السجاد التي استقدم جزء منها من منطقة عباس آباد حيث توجد مناجم اليورانيوم الطبيعي”. لكن الرواية تبدو هزيلة. ومن المقرر أن يستأنف خبراء الوكالة والمسؤولون الايرانيون بحث المشكلة هذا الأسبوع في طهران.
وتدعو أطراف عدة، منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول المنطقة، إيران إلى وقف التصعيد والتراجع عن الخطوات التي قطعتها وإلى استئناف تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق. وأكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى الوكالة الدولية، جاكي ولكوت، في اجتماع مجلس المحافظين أن “التصعيد النووي لا يزيد سوى تشديد الضغط المسلط على إيران والأزمة التي صنعتها بفعلها”. ورأت ولكوت أن “سياسة حافة الهاوية وخطة الابتزاز لا تحل المأزق الحالي ولن تخفف العقوبات المفروضة على إيران”. من ناحيتها، رأت السعودية أن خطوات إيران “تؤكد قصور الاتفاق النووي وتعزز الشكوك حول نوايا وسلمية برنامج إيران النووي”.
وقال سفير المملكة لدى الوكالة الأمير عبدالله بن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز “إن التجاوزات الإيرانية المستمرة في ما يتعلق ببرنامجها النووي مع ما تم الكشف عنه مؤخرا من وجود مواد نووية في موقع غير معلن عنه في إيران وعدم تقديم الجانب الإيراني معلومات وافية ومتسقة مع نتائج تحليل العينات التي أخذتها الوكالة من الموقع، يكشف للجميع الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه وطموحها في هذا المجال”.
وردا على ملاحظات المدير العام بالنيابة ومداخلات دول عدة طالبت فيها إيران باستئناف التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، قال مندوبها لدى الوكالة، كاظم غريب عبادي، إن الولايات المتحدة هي الطرف الذي خرج من الاتفاق وأن الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، المانيا) “لم تتخذ أي خطوة عملية ذات مصداقية تعيد الثقة التي فقدها الاتفاق”.
وأضاف عبادي أن إيران انتظرت سنة كاملة، بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، من دون أن تقابل بأي خطوة عملية. وأضاف أن “الخطوات التي شرعت إيران في تنفيذها في الثامن من مايو 2019 تتم بمقتضى الاتفاق النووي في نطاق الشفافية. وهي خطوات تدريجية تمكن إيران من وقف تنفيذ التزاماتها خطوة – خطوة وبصفة هادفة ولكنها قابلة للتراجع”.
يجد الموقف الإيراني تفهما لدى بعض الدول وخاصة روسيا والصين اللتين تشجعانها على التريث وتدعوان من ناحية أخرى فرنسا إلى استئناف الجهود الدبلوماسية تجاه الولايات المتحدة من أجل إخراج الاتفاق النووي من المأزق.
وقال مندوب روسيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في فيينا، ميخائيل أوليانوف، لـ”العرب”، إن خطوات تقليص إيران تنفيذ تعهداتها “مؤسفة” لكنها “ليست انتهاكا للاتفاق”. ويفضل الدبلوماسي الروسي الحديث عن “انحرافات” من جانب إيران عن مسار الاتفاق. وقال “دول مجلس المحافظين كافة تقريبا تريد الحفاظ على الاتفاق. الولايات المتحدة معزولة في هذه المسألة”.
ويعتبر “سلوك إيران ردا على سياسة أقصى العقوبات الأميركية”. وقال أوليانوف “روسيا ليست سعيدة بما يحدث لكنها تتفهم منطق إيران”. ويعتقد بأن “لا وجود لخطر الانتشار النووي لأن الخطوات الإيرانية كافة تجري تحت مراقبة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
تجاوزت إيران السقوف المحددة في الاتفاق النووي ولكن بشكل محدود إلى حد الآن. حجم المخزون من اليورانيوم لا يتجاوز ثلث الكمية الضرورية لصنع القنبلة النووية. ثم إن مستوى التخصيب لم يتجاوز 4.5 بالمئة أي دون نسبة 20 بالمئة التي بلغتها إيران قبل الاتفاق الانتقالي في 2013.
العرب