غاز البحر الأحمر يستقطب الاستثمارات العالمية

غاز البحر الأحمر يستقطب الاستثمارات العالمية

وجهت القاهرة أنظارها إلى البحر الأحمر لجذب الشركات العالمية للبحث والتنقيب عن النفط والغاز، بعد أن نجحت في إرساء أول مزايدة لمناطق امتياز على شركات شيفرون الأميركية وشل البريطانية الهولندية ومبادلة الإماراتية.

القاهرة – كشفت نتائج المزايدة التي طرحتها مصر للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة البحر الأحمر أخيرا، عن سباق استثماري بين الشركات العالمية التي وضعت المنطقة الواعدة تحت المجهر.

وفازت شركة شيفرون الأميركية بالقطاع الأول بالمزايدة، فيما حصلت شركة شل على نصيب الأسد، واستأثرت بالقطاع الثالث منفردة، علاوة على فوزها أيضا ضمن تحالف مع شركة مبادلة الإماراتیة بالقطاع الرابع.

وطرحت شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول مزايدة عالمية في مارس الماضي، وتم الإعلان عن نتائجها الأسبوع الماضي، كأهم نتائج اتفاقيات ترسيم الحدود التي وقعتها مصر مع المملكة العربية السعودية في عام 2016.

وقال طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصري، إن “المزايدة تعد الأولى في تلك المنطقة البكر التي لم تمتد إليها يد من قبل”.

وأوضح الملا في تصريح خاص لـ”العرب” أن نتائج المزايدة مبشرة جدا وتعزز من خطط مصر نحو التحول إلى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة، فعمليات ترسيم الحدود مع السعودية مكنت مصر لأول مرة من بدء عملیات استغلال الثروات البترولیة في میاهها الاقتصادیة داخل البحر الأحمر.

وأشار إلى أن فوز الشركات العالمية في مجال البترول مؤشرا إيجابيا ومهما على جاذبية مناخ الاستثمار المصري، لأن تلك الشركات تمتلك أحدث التقنیات العالمیة والخبرات المتراكمة للعمل في المناطق البكر مثل البحر الأحمر.

وتحتاج عمليات البحث والاستكشاف عن النفط والغاز في مياه البحر العميقة إلى استثمارات ضخمة وقدرات تمويلية كبيرة، وبموجب المزايدة الجديدة تتوقع وزارة البترول ضخ استثمارات يصل حدها الأدنى إلى 326 ملیون دولار ترتفع إلى عدة ملیارات دولار في مراحل التنمیة في حالة تحقق الاكتشافات.

ولا تخلو منطقة البحر الأحمر من مخاطر في ظل تصاعد الصراعات أيضا بالقرب من باب المندب، وتنامي حدة أزمات اليمن والصومال، والتوتر السياسي المتقطع في بعض الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وانتهت شركة شلمبرجير الأميركية من عمليات المسح السيزمي في باطن الأرض بمنطقة البحر الأحمر، وجاءت نتائج دراسات المسح على نحو مبشر، الأمر الذي شجع وزارة البترول المصرية على طرح أولى المزايدات في تلك المنطقة.

وأكد معتز درويش نائب رئيس مجلس إدارة شركة شل – مصر، انطلاق عمليات إنشاء مركز عمليات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج.

وقال في تصريح لـ”العرب” إننا “ننتظر موافقة مجلس النواب المصري على المزايدة، حتى نتمكن من بدء عمليات المسح ثلاثي الأبعاد بالمنطقة التي فازت بها شل”.

وتغطي القطاعات الممنوحة لشل مساحة قدرها 6141 كيلومترا مربعا في منطقة لم يتم استكشافها بعد في مصر، فيما تعد منطقة امتيازات البحر الأحمر التي تقع جنوب خليج السويس من المناطق الغنية بمادة الهيدروكربون، وهي من المؤشرات المهمة على وجود غاز بالمنطقة.

وتسيطر شل وتحالفها مع شركة مبادلة الإماراتية على نحو أكثر من 60 بالمئة من مساحة المزايدة البالغة حوالي عشرة آلاف كيلو متر مربع في مياه البحر الأحمر.

وأوضح درويش أنه بموجب نتائج المزايدة فإن شل تلتزم بالعمل في المراحل الاستكشافية الأولى على مدار السنوات الثلاث المقبلة ببئر واحد في حقل تتجاوز مساحته ألف كيلومتر مربع.

ودخلت مصر عالم استكشافات الغاز في المياه العميقة منذ توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع قبرص في 2013، وأسفرت عن استكشاف شركة إيني الإيطالية حقل ظهر على عمق 4 آلاف متر بالبحر المتوسط ويعدّ من ضمن أكبر 10 حقول غاز عالميا.

ووضع هذا التطور مصر على خارطة استكشافات النفط والغاز في المياه، ما دفع شركة شل في مصر إلى الإعلان عن بيع حقوق مناطق الامتياز الحالية التابعة لها بمنطقة الصحراء الغربية من أجل التركيز بشكل كامل على التوسع بمناطق الامتياز البحرية والمياه العميقة في أعمال الاستكشاف والإنتاج وسلسلة القيمة المضافة للغاز الطبيعي.

وأعلنت إكسون موبيل مؤخرا عن استحواذها على 1.7 مليون فدان للتنقيب البحري في مياه البحر المتوسط ودلتا النيل على نحو 1.2 مليون فدان في منطقة شمال مراقيا البحرية، و543 ألف فدان في منطقة شمال شرق العامرية في دلتا النيل.

وبفوز إكسون موبيل تكون الشركة قد دخلت أنشطة البحث والتنقيب عن الغاز والبترول في مياه البحر في مصر للمرة الأولى، وفق المزايدتين اللتين طرحتهما الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”.

وتستهدف المزايدة وضع 11 منطقة على خارطة البحث والاستكشاف يصاحبها منح توقيع حوالي بنحو 104.5 مليون دولار واستثمارات بنحو 744.5 مليون دولار لحفر 50 بئرا.

وسجلت معدلات إنتاج الغاز والبترول في مصر مستويات قياسية مقارنة بمعدلات إنتاجها قبل الاكتشافات الأخيرة خلال عام 2019 بنحو 7.2 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي ونحو 650 ألف برميل من الزيت الخام والمتكثفات يوميا.

واستطاعت القاهرة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، والتحول إلى التصدير، ووفرت نحو 1.5 مليار دولار، كانت ترصدها سنويا قبل الاكتشافات للاستيراد من الخارج.

ولا تقتصر عمليات البحث في منطقة البحر الأحمر عن الغاز والنفط فقط، بل تفتح الباب أمام عمليات تنموية متعددة من خلال تأسيس مشروعات قيمة مضافة وصناعات بتروكيماويات، فضلا عن ضخ استثمارات في مشروعات مشتركة مع الدول المشاطئة.

ومن أهم هذه المشروعات تعزيز عمليات الربط على مستوى خطوط أنابيب الغاز، خاصة أن استكشاف الغاز في البحر الأحمر يحتاج إلى معالجات وربط مع الشبكة القومية للغاز في مصر، وكذلك البحث عن خطوط دولية لتصديره إلى الخارج.

وتُعد هذه المنطقة حيوية في قلب حركة التجارة الدولية، ويُعدّ البحر الأحمر من أهم طرق الملاحة التي تنقل نحو 15 بالمئة من التجارة
العالمية.

العرب