“نظرية التوازن من خلف البحار” وواقع العلاقات الأميركية-الإيرانية

“نظرية التوازن من خلف البحار” وواقع العلاقات الأميركية-الإيرانية

TEHRAN, IRAN – JANUARY 06: Thousands of people attend the funeral ceremony of Qasem Soleimani, commander of Iranian Revolutionary Guards’ Quds Forces, who was killed in a U.S. drone airstrike in Iraq, in Tehran, Iran on January 06, 2019. ( Fatemeh Bahrami – Anadolu Agency )

شكَّل خروج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي تغييرًا واضحًا في الاستراتيجيات الأميركية الكبرى التي اتبعتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ويعتبر منظِّرو السياسات الخارجية الأميركية أن الرئيس، دونالد ترامب، لم يكسر فقط استراتيجية أوباما بعدم التدخل المباشر في الشرق الأوسط تحت عنوان “الهيمنة الليبرالية”، بل كسر -ولو بشكل جزئي ومؤقت- استراتيجيته هو نفسه التي اتبعها في سوريا وهي استراتيجية “التوازن من وراء البحار”. وبالتالي، جاءت عملية اغتيال سليماني ضمن هذا السياق. كما اختلفت الآراء حول الأسباب التي دفعت الرئيس، دونالد ترامب، إلى عدم الاكتفاء بسياسة العقوبات الاقتصادية بالحد الأقصى ضد طهران؛ واللجوء لعملية اغتيال الجنرال سليماني.

من جهة أخرى، فقد جاء الرد الإيراني على هذه العملية سريعًا ولكنه لم يسبِّب خسائر في الأرواح، مما مهَّد لإعادة التركيز على سياسة العقوبات الاقتصادية التي تؤثِّر على إيران واقتصادها وتلعب دورًا محوريًّا (ليس وحيدًا بالضرورة) في تغيير موازين القوى في الداخل الإيراني؛ وفقدان الرئيس روحاني ومن خلفه تيار الاعتدال المتحالف مع الإصلاحيين لشعبيتهم التي تنتظر امتحانًا صعبًا للغاية وهو انتخابات مجلس الشورى الإسلامي الإيراني في فبراير/شباط 2020.

تبحث هذه الورقة استراتيجيات الولايات المتحدة وأثرها على العلاقات الأميركية-الإيرانية؛ كما تبحث الأسباب الكامنة خلف إقدام الرئيس الأميركي على إعطاء الأوامر بقتل سليماني مهندس النفوذ الإيراني الخارجي، اللواء قاسم سليماني. كما تحاول استقراء مستقبل الداخل الإيراني على المدى القصير الذي يمتد من عملية قتل سليماني إلى الانتخابات الأميركية المقبلة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

أولًا: نظرية “التوازن من وراء البحار” وتجلياتها على السياسة الأميركية

تمر الولايات المتحدة بمرحلة انتقالية ضمن البيئة الأمنية الدولية ويجب عليها تقييم الاستراتيجيات الكبرى وتحديد ما إذا كانت الموارد والإرادة والمصالح الوطنية متوازنة؛ بعد أكثر من 17 عامًا على خوض حربين في بيئة عالمية متغيرة، مما جعل البعض يناقش التغييرات في الاستراتيجية الأميركية الكبرى. علاوة على ذلك، وصلت الولايات المتحدة إلى النقطة التي يجب عليها الآن أن تتخذ فيها خيارات صعبة بشأن استراتيجيتها الكبرى بسبب الإجهاد المفرط، وضغط الحربين الرئيستين (أفغانستان والعراق)، والكونغرس الراكد، والآثار المتبقية لاستراتيجية الهيمنة(1).

يناقش الوسط الأكاديمي الأميركي العديد من الاستراتيجيات ويدعي بعضهم أن استراتيجيات الولايات المتحدة لم تتخطَّ نوعين، هما:

1) استراتيجية “التوازن من وراء البحار”(2): يناقش هذه النظرية الباحثان الأميركيان، البروفيسور جون ميرشايمر والبروفيسور ستيفن والت (John Mearsheimer and Stephen Walt)، المعروفان في حقل التنظير في العلاقات الدولية؛ إذ ينتمي الباحثان -كما هو معروف- إلى المنظور الواقعي عمومًا وإلى تيار الواقعية الكلاسيكية الجديدة على وجه أخص -بشقيها الدفاعي (والت) والهجومي (ميرشايمر)- والذي يُعد أكثر التيارات النظرية تأثيرًا ونفوذًا في هذا الحقل المعرفي، فلطالما وُصفت الواقعية بالتيار السائد (Mainstream). يناقش الباحثان هذه النظرية ويعتبرانها الاستراتيجية الأمثل لإدامة التفوق الأميركي في المستقبل المنظور أو ما يسميانه باستراتيجية “التوازن من وراء البحار”، أي خارج مجال القسم الغربي للعالم الذي يشهد صعودًا لقوى كبرى أخرى منافسة للولايات المتحدة على مكانة الهيمنة الكونية. تقوم استراتيجية “التوازن من وراء البحار”، على مبدأ محوري مهم هو أنَّ بإمكان واشنطن أن تتخلى عن جهود طموح لتشكيل بقية المجتمعات وتركز على ما يهمها فعلًا، أي: الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في القسم الغربي من العالم ومواجهة مهيمنين محتملين في أوروبا، شمال شرق آسيا ومنطقة الخليج(3).

فبدلًا من سياسة العالم وحراسته، سوف تشجع الولايات المتحدة بقية البلدان على أخذ زمام المبادرة لمراقبة -وعرقلة- القوى الصاعدة، والتدخل لحظة الضرورة وحسب. لا يعني ذلك التخلي عن مكانة الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى العالمية الوحيدة أو التراجع إلى “قلعة أميركا” المحصنة خلف محيطين. بدلًا من ذلك، وعبر ادخار قوة الولايات المتحدة، سوف تُحافظ استراتيجية “التوازن من وراء البحار” على الريادة الأميركية لأمد بعيد في المستقبل، كما أنها تُحافظ على -مكسب- الحرية داخل الديار(4).

وتؤكد هذه النظرية على أن الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية اعتمدت على استراتيجية “التوازن من وراء البحار”، لا بل يُقال بأن تأخر الولايات المتحدة في الدخول في الحرب العالمية الثانية وحسمها، نابع من إيمان الولايات المتحدة بهذه النظرية، فهي تقوم على مبدأ التدخل عند الضرورة فقط وهي تسعى لإيجاد توازن بين القوى الإقليمية والعالمية من خلف البحار “الولايات المتحدة”. لا تمنع هذه النظرية التدخل المباشر لتغيير موازين القوى بشكل مطلق، بل تحصره في الحالات التي يظهر فيها “مهيمِن” معيَّن قد يستأثر بالهيمنة على تلك المناطق المهمة. ومن هنا، وعندما توقعت الولايات المتحدة هيمنة ألمانيَّة على أوروبا بوصفها منطقة استراتيجية مهمة للولايات المتحدة، تدخلت بشكل مباشر وقلبت موازين القوى ومنعت ألمانيا “المهيمِن المفتَرَض” من السيطرة على أوروبا.

ويذهب “والت” إلى أن الولايات المتحدة بقیت وراء البحار، تاركةً زمام المبادرة للمملكة المتحدة في منع أية دولة من السيطرة على منطقة الخليج الثري بالنفط. وبعد الإعلان البريطاني بالانسحاب من الخليج سنة 1968، التفتت الولايات المتحدة لشاه إيران وإلى المملكة العربية السعودية لأداء هذه المهمة. وعندما سقط الشاه سنة 1979، شرعت إدارة كارتر في بناء قوة انتشار سريع، كقدرة عسكرية قادمة من وراء البحار، مُصمَّمَة لمنع إيران أو الاتحاد السوفيتي من الهيمنة على الإقليم. لقد ساعدت إدارة ريغان العراق أثناء الحرب مع إيران سنوات 1980-1988 لأسباب مشابهة. کما بقيت القوات العسكرية الأميركية “وراء البحار” إلى غاية 1990، حينما استولى صدام على الكويت مهدِّدًا بذلك التوازن الإقليمي، واضعًا كلًّا من العربية السعودية وبقية دول الخليج المنتِجة للنفط في خطر. ولاستعادة توازن القوى الإقليمي، أرسلت إدارة جورج بوش الأب قوة عسكرية فورية لتحرير الكويت وسحق آلة صدام العسكرية(5).

وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تعالت أصوات في الولايات المتحدة داعية لتغيير الاستراتيجية إلى ما يسمى 2) “استراتيجية الهيمنة الليبرالية”(6)، نظرًا لأن الولايات المتحدة وجدت في نفسها قوة فاعلة منفردة “مهيمنة” تستطيع فرض سيطرتها دون اللجوء إلى التوازن بين القوى الإقليمية. وهو ما تُوِّج بتدخلها في العراق لإسقاط صدام حسين. باختصار رائد هذه الاستراتيجية هو “جورج بوش الابن”. وتعتمد هذه النظرية على التدخل المباشر بالقوة الأميركية والجيوش الأميركية لمواجهة أنظمة ديكتاتورية “صدام حسين”، أو مجموعات أيديولوجية “تنظيم القاعدة”. وفي أهدافها الفرعية تسعى لنشر الديمقراطية والحرية عن طريق الدبابات. إن التخلي عن نظرية إدارة التوازن لم ينتج عنه إلا الخسائر الفادحة التي أثقلت كاهل الإدارة الأميركية ولإسقاط مفاهيم هذه النظريات على الواقع الأميركي-_الإيراني. يبدو أن التدخل الأميركي المباشر لفرض “الهيمنة الليبرالية الأميركية” لم تظهر نتائجه السلبية في المرحلة الأولى لهذا التدخل؛ فحتى بعد التدخل بقيت القوى المحلية تحقق توازنًا يمنع السيطرة على العراق.

وصل بريمر إلى بغداد، يوم 12 مايو/أيار 2003، ليعمل مشرفًا على شؤون العراق بوصفه المبعوث الشخصي للرئيس جورج بوش الابن. وبعد وصوله أصدر قرارًا بحلِّ الجيش وجميع المؤسسات ذات الصلة بالأمن الوطني وكل التشكيلات العسكرية، وأُنهيت خدمات جميع المنتسبين إلى الجيش العراقي، وأُعلن إنشاء جيش عراقي جديد من الجيش القديم والميليشيات الشيعية والكردية.

سعى بريمر منذ تقلده منصبه إلى اجتثاث جذور حزب البعث الذي كان يحكم العراق، فحَلَّ الحزب ومنع كبار مسؤوليه من شغل مناصب في الحكومة الجديدة، وألغى عدة وزارات ومؤسسات عراقية وأعلن أنها غير شرعية. ومن بين الوزارات والمؤسسات التي حُلَّت: القوات المسلحة، وقوات الحرس الجمهوري، ووزارتا الدفاع والإعلام، واللجنة الأولمبية، فضلًا عن المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة(7).

أنتج هذا التدخل المباشر نوعين من الأخطاء والمخاطر التي لا تُغتفر، وهما: أ) ظهور قيادات ذات ولاءات متعددة سمحت لقوى إقليمية بالدخول إلى الميدان السياسي، وبناء نفوذ في الداخل العراقي. ب) ظهور ما سُمِّي فيما بعد بتنظيم الدولة.

ما نود قوله هو: لولا التدخل الأميركي في العراقي، ولو أن جورج بوش حافظ على التوازن بين العراق والقوى المحيطة به لما ظهرت قوى فاعلة في العراق مهدت الطريق لنفوذ إيراني واسع ومن ثم تتسع الفوضى ليظهر إلى العلن ما يسمى تنظيم الدولة، وفي المرحلة الثالثة ظهور قوات “شيعية البِنية” لمقاتلة داعش وإخراجها من العراق. وبذلك، اختلت موازين القوى في المنطقة مما تسبَّب في تضارب الاستراتيجيات الأميركية. ولكن ومع وصول أوباما إلى سدة الحكم حاول العودة إلى “التوازن من وراء البحار” وابتعد عن التدخل المباشر مطلقًا واعتمد على قوى محلية لإدارة التوازن، وسعى من جديد إلى إعادة إيران إلى منظومة هذا التوازن بإقناعها بتوقيع الاتفاق النووي لعام 2015، ومحاولة منعها من امتلاك قنبلة نووية تقلب فيها كل المعادلات في الشرق الأوسط.

إن الاتفاق النووي الإيراني دفع إيران إلى الالتزام بعدم تصنيع قنبلة نووية وهو ما كانت تراقبه وكالة الطاقة الذرية التي أكدت على أن إيران تلتزم بدقة بخطة العمل المشتركة ولم تنتهك هذا الاتفاق حتى بعد انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من هذا الاتفاق(8) بأكثر من عام.

وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب لا يُوفر فرصة إلا واستغلها، لانتقاد تركة الرئيس أوباما إلا أنه يتبع استراتيجية مشابهة لاستراتيجية أوباما (في سوريا فقط دون باقي المناطق)، وهي مرة أخرى “التوازن من وراء البحار” خصوصًا عندما قرر سحب قواته من سوريا.

شكَّل الانسحاب من الاتفاق النووي ضربة قوية للتوازن في المنطقة، وعلى إثره سعت طهران لتصبح قوة مهيمنة في منطقة الخليج وهذا بالفعل وفر لها بيئة مناسبة لشنِّ هجمات في الخليج والعراق على حدٍّ سواء.

خلاصة القول: إن هذه الخلافات أخذت شكلًا جديدًا منذ أربعين عامًا بين الولايات المتحدة وإيران وتحولت من مجرد خلاف على بعض القضايا إلى خلاف في البنية والماهية، وهي خلافات غير قابلة للحل، كما قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي(9)؛ وإن تمت الإشارة إلى الاتفاق النووي بوصفه تقاربًا بين الطرفين، فنحن نرى أنه أقرب إلى “الهدنة السياسية المؤقتة” من التقارب. ويمكن إيجاز هذه الخلافات بثلاثة مواضيع، هي:

1) منع إيران من تصنيع قنبلة نووية.

2) الصواريخ الباليستية الإيرانية.

3) تدخلات إيران في المنقطة ودعمها لميليشيات خارج إطار الجيوش الرسمية.

إن نظرية “ميرشايمر” و”والت”، “التوازن من وراء البحار” تعطي حلولًا مناسبة للمعضلات الثلاث سابقة الذكر. فالاتفاق النووي يمنع المعضلة الأولى من التحقق وهي الحصول على القنبلة النووية؛ إذ إن إيران كانت ملزمة بموجب هذا الاتفاق بالالتزام بعدم تجاوز حدود معينة من تخصيب اليورانيوم لعام 2025. أما المعضلتان الأخريان فيتم حلهما عن طريق باقي أجزاء هذه النظرية وهي الاعتماد على العناصر المحلية والإقليمية ودعمها دون التدخل المباشر في نزاعات مباشرة، لتحقيق توازن مهم مع إيران.

ولكن ترامب قام بعكس ذلك، فقد قام بإعطاء الحلفاء الحاليين الدعم غير المشروط مع نبذ إيران، وكان هذا سببًا في ضعف تأثير الولايات المتحدة على سلوك الجميع، وبالتالي يحد من قدرتها على تشكيل الأحداث بطرق إيجابية. ترامب يشجع الحلفاء على قبول الدعم الأميركي كأمر مفروغ منه. ولماذا لا ينبغي عليهم ذلك؟ يتساءل “والت”. فبالنظر إلى العشق والخدمات والدعم السياسي الذي يقدمه ترامب لقادة مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يجعل من توقعهم للدعم الأميركي غير المشروط منطقيًّا، ويمنحهم كذلك القليل من الحوافز للتحرك لإحداث توازن مع إيران(10).

والأسوأ من ذلك، أن هذا الموقف غير الحاسم، يشجِّع ما يسميه باري بوسن، خبير دراسات الأمن في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على ظهور “القيادة المتهورة”(11)؛ مما يعني ميل الحلفاء إلى تحمل مخاطر غير ضرورية ومتابعة سياسات متهورة لأنهم يعتقدون أن القويَّ الأميركي سيدافع عنهم ويخرجهم من ورطاتهم، إذا ما واجهوا صعوبات. هذه الثقة المفرطة تفسر سبب اعتقاد الحكومة الإسرائيلية أن بناء المستوطنات لا يشكل أي مخاطر؛ ويساعدنا على فهم سبب قيام محمد بن سلمان بشنِّ حرب مكلفة وغير إنسانية في اليمن، ومحاولته الفاشلة في حصار قطر، والتدخل في لبنان وسوريا وقتل خاشقجي دون أهداف واضحة. ويعود السبب في ذلك جزئيًّا إلى أنه متهور ومندفع، ولكنه أيضًا على ثقة من أن أميركا تحمي ظهره الآن بغضِّ النظر عن مدى سوء أدائه(12).

يُطبق ترامب نظرية “التوازن” بشكل جزئي في سوريا، إذ يترك المجال للقوى المحلية والإقليمية وروسيا لإحداث توازن في هذه المنطقة مع حفظ المصالح الأميركية هناك، بأقل قدر ممكن من التدخل العسكري ومن التكاليف العسكرية. وطالما أنه لم يظهر “مهيمنٌ” على الساحة السورية فهو على يقين بأن استراتيجية “التوازن” تقوم بدورها الفاعل في سوريا وتقلِّل التكاليف العسكرية وتخفض من نسبة الانخراط المباشر في حروب عقيمة. ولكن على المستوى الإيراني، فانسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، أسهم بشكل أو بآخر بتقهقر نظرية التوازن التي كانت موجودة في منطقة الخليج. ولم تكن القوى الإقليمية (التي من المفترض عليها إحداث توازن إقليمي)، قادرة على إحداث هذا التوازن نظرًا لأنها منشغلة بقضايا أخرى وتركت المهمة للولايات المتحدة لمواجهة إيران، وهو ما تجلَّى بشكل واضح بحتمية تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر واغتيال اللواء قاسم سليماني.

ثانيًا: تغيير قواعد اللعبة وقتل سليماني

منذ انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، تم رسم قواعد اللعبة بين الطرفين؛ وسعى الطرفان لوضع خطوط حمراء يجب عدم تجاوزها من قِبل الآخر. إلا أن الرئيس ترامب كسر هذه القواعد واتخذ قرارًا خطيرًا باغتيال سليماني يوم الجمعة 2 يناير/كانون الثاني 2020. وغيَّر بذلك قواعد اللعبة بشكل مؤقت. تعددت التحليلات بحثًا عن النوايا وأسباب شنِّ هذه الغارة التي قتلت سليماني والمهندس ورفاقهما.

يرى “محمد مهتدي”، الباحث في معهد الدراسات الاستراتیجیة للشرق الأوسط بطهران، أن القرار “ترامبي” بامتياز بما يحيط به من رعونة وتسرع وعدم تقدير كاف للعواقب. ويعلِّل مهتدي القرار، بأن ترامب يستعد للانتخابات الرئاسية في الوقت الذي يواجه انتقادات شديدة وملاحقة برلمانية قد تفضي إلى عزله، “إضافة إلى النكسات المتتالية لإدارته في الملفات الخارجية سواء في موضوع الصين أو روسيا أو شبه جزيرة القرم وقضايا الشرق الأوسط، فربما كانت هذه العملية لجرف الرأي العام الأميركي إلى مواضيع أخرى، ويبدو أن كل رئيس أميركي يريد تجديد ولايته يقوم بشن حرب في مكان ما”(13).

يبدو هذا التفسير بعيدًا عن الواقع والحقيقة، فالرئيس ترامب -أولًا وقبل كل شيء- لا يخشى إجراءات العزل لأنه متأكد للغاية من أن مجلس الشيوخ، ذا الغالبية الجمهورية، لن يسمح بتمرير قانون العزل. لا، بل وأكثر من ذلك في العديد من المرات، طالب الرئيس ترامب بتسريع هذه الإجراءات لقناعته الراسخة بأن الجمهوريين سيصوِّتون لصالحه(14).

بینما يعتقد علي محمد نجاح، الباحث والخبير العراقي في شؤون إيران وآسيا الوسطى، أن أحد الأمور التي أزعجت أميركا تلك الانتصارات الكبيرة في ساحة إدلب ومقتل الكثير من قيادات التنظيمات الجهادية، ما يمهد لاستعادة النظام السوري لها بمساعدة إيران لينتهي الموضوع السوري لصالحها وبذلك تتمكن إيران من تحقيق هدف كبير، وهو أولًا: إنهاء الموضوع السوري لصالحها، وثانيًا: ربط العراق بسوريا وبالتالي مع لبنان، وهي مسألة في غاية الخطورة بالنسبة لأميركا وإسرائيل التي يقلقها بشدة التمدد الإيراني في المنطقة(15).

وهذا الرأي أيضًا لا يعطي تفسيرًا دقيقًا للأسباب التي دفعت الرئيس الأميركي لاغتيال قاسم سليماني واحتمالية خوض حرب مفتوحة مع إيران. وذلك لأن الرئيس الأميركي لا يُعير اهتمامًا للملف السوري إلا في حدود التوازن الذي أشرنا إليه سابقًا. ناهيك عن أن قواعد الصراع في سوريا لم تتغير ليتخذ الرئيس الأميركي قرارًا ببقتل سليماني

لا يمكن استشفاف الأسباب التي دفعت الرئيس ترامب لإعطاء الأوامر بقتل سليماني دون مراجعة سياق كامل من التوترات بين الولايات المتحدة وإيران وذلك بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. فالرئيس، ترامب، وضع خطوطًا حمراء للإيرانيين، بأنه لا يجب استهداف مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها، لأن هذا الاستهداف سيجعل الرد العسكري حتميًّا، ولكن بعد إلغاء الإعفاءات التي كان الرئيس ترامب منحها لثماني دول تسمح لها بموجبها بشراء كمية معينة من النفط الإيراني، بدأت إيران وحلفاؤها (أذرعها) في المنطقة بالتحرك ضد مصالح الحلفاء، ووصلت إيران إلى قناعة بأن الولايات المتحدة لن تتحرك ضدها عسكريًّا إذا ما قامت باستهداف مصالح الحلفاء بل جُل ما ستقوم به هو فرض عقوبات اقتصادية أو شن هجمات سيبرانية. وعليه، جاءت التحركات الإيرانية محسوبة بعناية فهي تسعى لزعزعة أمن الحلفاء دون أن تغضب الأميركي إلى الحد الذي يدفعه إلى التدخل العسكري ضدها. وعليه، حدثت تطورات جرى توجيه الاتهام فيها إلى إيران، ومنها:

1) هجمات ضد أربع سفن في ميناء الفجيرة، 12 مايو/أيار 2019.

2) استهداف ناقلتي نفط، نرويجية ويابانية، في بحر عمان، 13 يونيو/حزيران 2019.

3) إسقاط طائرة أميركية مسيَّرة، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

4) هجمات أرامكو، 14 سبتمبر/أيلول 2019.

كل هذه الهجمات كانت في مياه الخليج، أمَّا مؤخرًا فقد تم نقل ساحة الصراع إلى العراق إثر عمليات قامت بها كتائب حزب الله العراقي ضد قاعدة جوية أميركية، وأسفر هذا الهجوم عن قتل مقاول أميركي وجرح أربعة جنود آخرين(16). بينما مرة أخرى، تم نزع فتيل الأزمة وذلك بأن قامت الولايات المتحدة بقصف خمسة مواقع لكتائب حزب الله في العراق وسوريا أسفرت عن مقتل 25 شخصًا وجرح 55 آخرين(17).

في مرحلة لاحقة، جاءت حادثة حصار السفارة الأميركية من قبل مجموعات موالية لإيران، لتدل على عدم إدراك الإيرانيين لحساسية مثل هذه الخطوة في هذا الوقت تحديدًا بالنسبة إلى الرئيس ترامب؛ فقد سارعت وسائل الإعلام الأميركية، فور ورود أنباء عن محاصرة السفارة الأميركية في بغداد ومحاولة اقتحامها، إلى استحضار سيناريو اقتحام السفارة الأميركية في طهران، وأخذ موظفيها رهائن عام 1979، وكذلك مهاجمة السفارة الأميركية في بنغازي حيث قُتل السفير الأميركي، كريستوفر ستيفنز، في سبتمبر/أيلول 2012. كما جرى الربط بين الحادثتين وخسارة الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، الانتخابات الرئاسية، عام 1980، بسبب أزمة الرهائن، وكذلك خسارة هيلاري كلينتون الانتخابات الرئاسية، عام 2016؛ بعد أن جرى تحميلها إعلاميًّا المسؤولية عن ضعف الإجراءات الأمنية التي أدت إلى قتل السفير الأميركي في بنغازي(18).

كان واضحًا بحلول هذا الوقت أن موضوع تأمين السفارات الأميركية في الخارج قد تحول إلى ما يشبه الهاجس بالنسبة إلى الحكومة الأميركية عمومًا، وإلى رئيس يواجه تحديات داخلية كبيرة في سنة انتخابية حاسمة، خصوصًا. فكان القرار بتوجيه ضربة كبيرة إلى إيران، التي فشلت على ما يبدو في قراءة المشهد، بهذه الصورة. ولا يستبعد وجود اعتقاد أميركي بأن التصعيد الإيراني ضد الولايات المتحدة انتقل من مياه الخليج إلى داخل العراق، ولابد من ردع إيران قبل تزايد العمليات التي تقوم بها مباشرة أو بالوكالة في العراق، ولاسيما أن مصلحة إيران تقتضي توجيه الصراع داخل العراق من صراع الشارع المحتج ضد الحكومة إلى عناوين أخرى مثل الوجود الأميركي في العراق(19).

ثالثًا: ما بعد قتل سليماني وحتى الانتخابات الأميركية

إن سياسة العقوبات الاقتصادية بالحد الأقصى التي يتبعها ترامب ضد إيران، لم تسهم في تقويض وإلحاق الضرر البالغ بالاقتصاد الإيراني فحسب، بل كان لها تأثير قوي على توازنات وموازين القوى في الداخل الإيراني. وهذا ما أسهم بتراجع شعبية الرئيس روحاني والإصلاحيين من خلفه إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات الست الماضية. لا يمكن القول أبدًا: إن العقوبات الأميركية هي وحدها السبب في تراجع شعبية الرئيس روحاني ومن خلفه الإصلاحيون، لأن هذا التراجع بدأ قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، 8 مايو/أيار 2018، وقد بدأ بتردي الوضع المعيشي للمواطن الإيراني، وزيادة معدلات البطالة، وانتشار الفساد والاختلاس في حكومة الرئيس روحاني بشكل كبير(20). وانتهى عدم الرضا هذا بخروج مظاهرات واحتجاجات شعبية في مدن عدة من إيران، عُرفت بمظاهرات “دي ماه 1396″، أي بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2017، تردد شعارات لأول مرة، وهي “اصلاح‌ طلب-اصولگرا دیگه تمام ما جرا”، أي إنه لم يعد هناك فرق بين الإصلاحيين والأصوليين.

إن ما ذكرناه سابقًا كان سببًا رئيسًا لخسارة تيار الاعتدال الذي يقوده الرئيس روحاني والإصلاحيون بشكل عام للشارع المؤيد لهم وهم اليوم على أعتاب انتخابات برلمانية حتى إن النخبة الأكاديمية والمشاهير في إيران (من ممثلين وفنانين) الذين كانوا يقدمون دعاية مجانية للرئيس روحاني في انتخابات 2017، تخلوا عن هذا الدعم، ويبدو أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستُحسم لصالح الأصوليين، كما يقول صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران؛ حيث يصف المرحلة التي يمر بها الإصلاحيون: “بأنها أزمة عميقة لم يواجها الإصلاحيون منذ 23 يونيو/حزيران 1997، وهذه هي المرة الأولى التي يواجهون فيها مثل هذه الأزمة؛ لقد عبروا من أزمة الانتخابات الرئاسية وتظاهرات عام 2009 وفي رصيدهم شعبية كبيرة جدًّا. هناك مشكلة واحدة لم يتمكن الإصلاحيون من حلِّها وهي ثقتهم المفقودة. لا مجموعة الأمل ولا السيد روحاني ولا الأصوليون المتشددون هم المسؤولون عن هذا. السبب الرئيسي في تراجع شعبيتهم هم قادة حركة الإصلاح.

“إن قادة عملية الإصلاح بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم يتحملوا مسؤولية عملهم السياسي والاجتماعي؛ سلوكهم لا يشجع الناس على التصويت وسلوكهم تسبب في غضب الناس”(21).

أما على مستوى المظاهرات الشعبية، فقد نشهد ارتفاعًا في حدتها نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها إيران. ويجب القول: إن الحكومة الإيرانية فشلت نسبيًّا في الحفاظ على الزخم الذي كسبته بعد اغتيال اللواء سليماني، نتيجة ما وصفته بخطأ إنساني أدى إلى إسقاط طائرة ركاب مدنية (أوكرانية) راح ضحيتها 179 شخصًا. وما زاد الطين بلة هو تكتم الحكومة الإيرانية على أسباب إسقاط الطائرة والادعاء بأن الطائرة سقطت نتيجة عطل فني وليس نتيجة لصاروخ. واستمر هذا الكتمان ثلاثة أيام متوالية مما دفع الطلاب إلى الخروج في مظاهرات مناهضة للحكومة تدعو بعض المسؤولين عن هذه الحادثة للاستقالة(22).

أما على المستوى الأميركي، ففي قراءة سريعة للرد الإيراني فإنه يبدو أن الرد يتألف من قسمين: الأول: مباشر وآني، وهو ضرب القواعد الأميركية في العراق وهو ما قامت به إيران بالفعل وحاولت في الوقت نفسه تجنب سقوط ضحايا في الجانب الأميركي تفاديًا لتصعيد آخر؛ وأما الرد الثاني فبعيد المدى واستراتيجي كرره المسؤولون الإيرانيون من المرشد الأعلى(23) إلى الرئيس الإيراني(24) وأغلب الضباط الكبار في الحرس الثوري والجيش الإيراني، وهو إخراج القوات الأميركية من العراق كخطوة أولى ومن ثم إخراجهم من المنطقة كخطوة ثانية. ما يدلِّل على هذا هو ما جاء به المرشد بأن هذا الرد هو صفعة للولايات المتحدة ولكنها ليست كافية. فيما يبدو فهو كأنه قد ترك الباب مفتوحًا على ردود مستقبلية ستقوم بها إيران بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق أذرعها.

إيران في الوهلة الأولى ليست معنية بالتصعيد وهو نهج اتبعته مباشرة بعد الضربة ففي زخم التهديدات التي أطلقها العسكريون الإيرانيون أرسلت وزارة الخارجية الإيرانية رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بأن إيران غير معنية بالتصعيد ولا تبحث عن حرب(25) فضلًا عن تغريدة لوزير الخارجية، جواد ظريف، ذكر فيها أن إيران ردَّت ردًّا متناسبًا مع عملية الاغتيال ولا تسعى للتصعيد ولكنها حاضرة وبقوة للدفاع عن أراضيها في حال التعدي عليها(26).

ولا يبدو أن الأطراف الثالثة قد يئست من الوساطة بين الطرفين، واليوم تلوح في الأفق وساطة جديدة قد يحملها أمير قطر إلى إيران(27). برأينا، مشكلة هذه الوساطات أنها لا تحصل على تفويض مناسب من الطرفين للشروع بمحادثات؛ فالطرف الأميركي مصرٌّ على بقاء العقوبات الأميركية بحدها الأقصى ضد طهران لحين عودة طهران إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق جديد يشمل كل المسائل الخلافية بين الطرفين؛ والطرف الإيراني مصرٌّ كذلك على عدم الجلوس إلى طاولة المفاوضات إلا إذا تم رفع جميع العقوبات. وفي ظل تعنت الطرفين يبدو أن قواعد اللعبة ستعود من جديد، فالأميركي سيستمر بفرض العقوبات بحدها الأقصى ولن يتدخل مباشرة إلا إذا تعرضت مصالحه للخطر بشكل مباشر، والإيراني سيستمر بالمقاومة باقتصاد منهك للوصول إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

خلاصات ونتائج

بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الولايات المتحدة على استراتيجية طويلة المدى تُعرف باسم “التوازن من خلف البحار”، استمر العمل بهذه الاستراتيجية حتى مع وجود شبح الاتحاد السوفيتي نظرًا لغياب “المهيمِن” الذي يمكن أن يُقصي الولايات المتحدة من بعض المناطق أو يمنعها من الاستثمار في مناطق أخرى.
لا يمكن إنكار أن هذه الاستراتيجية تم كسرها لصالح نظرية واستراتيجية أخرى هي “الهيمنة الليبرالية”، التي رأت في الولايات المتحدة قوة ضاربة تستطيع الاستغناء عن التوازن، وبالتالي تكون مطالبة بالتدخل والانخراط في الصراعات بشكل مباشر.
يُجادل منظِّرو السياسات الخارجية والعلاقات الدولية، وأبرزهم “جون ميرشايمر” وستيفن والت (John Mearsheimer and Stephen Walt)، بأن الولايات المتحدة خسرت الكثير عند تخليها عن استراتيجية “التوازن” ولعل أبرز المحطات التي تخلت فيها الولايات المتحدة عن هذه الاستراتيجية تجلَّى بانخراط الولايات المتحدة في حرب لا متناهية، مهلكة في فيتنام والعراق وأفغانستان وانسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني.
تتمحور نظرية “التوازن” على ركائز مهمة، وهي أن الولايات المتحدة يجب أن تهتم بمناطق معينة دون أخرى: مثل أوروبا، وشمال شرق آسيا، ومنطقة الخليج. وأما وظيفة الحلفاء المحليين فهي منع أية دولة من القيام بالسيطرة على تلك المناطق ومنع وقوع ما يسمى “الهيمنة الفردية”، مقابل حصول الحلفاء على دعم سياسي ولوجيستي. لا تمنع هذه النظرية الولايات المتحدة من التدخل المباشر في بعض الأوقات؛ إلا أنها تَقصر هذا التدخل على الحالات التي يعجز فيها الحلفاء عن تحقيق توازن، ويؤكدون على أن هذا التدخل يجب أن يكون محدودًا وسريعًا.
مع انسحاب الرئيس، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي؛ اختل التوازن الحاصل في منطقة الخليج المهمة للغاية من الناحية الجغرافية والثروات الطبيعية؛ وهو ما فتح المجال لدولة أحادية مثل إيران لديها بُعد جيوسياسي وحيوي لمحاولة فرض الهيمنة على منطقة الخليج، والإخلال بموازين القوى.
وضع الرئيس الأميركي بعد انسحابه من الاتفاق خطوطًا حمراء (عدم استهداف المصالح الأميركية أو الجنود الأميركيين) ما إن تخطتها إيران “بمحاصرة السفارة الأميركية في العراق”، إلا ووجد الرئيس نفسه مدفوعًا بالتدخل بشكل مباشر وأصدر أمرًا بقتل اللواء قاسم سليماني، مهندس النفوذ الإيراني في الخارج. لم تكن لهذه العملية من تداعيات خطرة على استقرار المنطقة وذلك لأن الرد الإيراني جاء مقتصرًا على الماديات ولم يمس أراوح الجنود الأميركيين بخطر.
إن العقوبات الاقتصادية بحدها الأقصى التي فرضها الرئيس، دونالد ترامب، على إيران، كان لها دور مهم في فقدان التيار الإصلاحي المتحالف مع تيار الاعتدال -الذي يمثله حسن روحاني- لشعبيته، التي اكتسبها بترويجه الانفتاح على الغرب والانخراط في مفاوضات أدت إلى توقيع الاتفاق النووي، إلى الحد الذي تَنَكَّر فيه الرئيس روحاني لوعوده الانتخابية بازدهار اقتصادي وإطلاق الحريات العامة وغيرها من الوعود التي لم تتحقق. ولكن من جهة أخرى، لا يمكن إلقاء اللوم بأكمله على العقوبات الاقتصادية الأميركية بل ترجع بعض هذه الأسباب في خطوطها العريضة إلى التكاسل في مكافحة الفساد أو الانخراط فيه، وإطلاق يد التيارات الأصولية وعدم السعي لتعزيز الحريات العامة التي تعد جزءًا من المطالب التي يمكن منحها لفئات الشعب الغاضبة.
لا يُتصور أن تتغير الأوضاع الحالية بعد مقتل سليماني وإلى الانتخابات الأميركية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وذلك لعودة الطرفين كل منهما لمعسكره وتمترسه خلف شروط لا يرضى التنازل عنها ولا يمنح الوسطاء مجالًا للمناورة لتقريب وجهات النظر وجمع الطرفين على طاولة حوار مرة أخرى.

محمود البازي

مركز الجزيرة للدراسات