الوسيط الأمريكي…من 4 حزيران 1967 حتى “صفقة القرن”

الوسيط الأمريكي…من 4 حزيران 1967 حتى “صفقة القرن”

دولة واحدة/ دولتان

مثل سياسة أسلافها في البيت الأبيض، تمسكت إدارة ترامب بالحل القائم على حل دولتين لشعبين. “خطة القرن” ستمكن من إقامة دولة فلسطينية – مصغرة، منزوعة النوى وضعيفة – إلى جانب دولة إسرائيل. الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كشرط مسبق لإقامة الدولة الفلسطينية غاب حتى الآن من كل الخطط التي اقترحتها الولايات المتحدة. وهو يشكل عامل جديد في الخطة الأمريكية الرسمية التي تدعم طلبات إسرائيل في السنوات الأخيرة. وتشمل الخطة أيضاً “خطة ترامب الاقتصادية” التي تقترح تمويلاً كبيراً للدفع قدماً بعدد كبير من المجالات في الدولة الفلسطينية عند قيامها، منها أماكن العمل، والبنى التحتية، وجهازا الصحة والتعليم.

المناطق والمستوطنات

خطة ترامب تؤيد ضم 40 في المئة من مناطق ج لإسرائيل، إلى جانب تعويض جغرافي للفلسطينيين في النقب الغربي. أي أن الدولة الفلسطينية ستقام على 70 في المئة من أراضي الضفة الغربية (وهذا لا يشمل تبادل الأراضي). وحسب الخطة، سيتم إخلاء بؤر استيطانية غير قانونية (80 بؤرة)، أي أنه لن يتم إخلاء أي مستوطنة، والمستوطنات المعزولة ستبقى جيوباً تحت سيادة إسرائيل. وستتعهد إسرائيل بتجميد البناء في الضفة الغربية مدة أربع سنوات، سيتم خلالها إجراء المفاوضات حول إقامة الدولة الفلسطينية. “خطة القرن” تعترف بسيادة إسرائيل في مستوطنات الضفة وكل منطقة غور الأردن. والخطة تشمل إمكانية الموافقة على تبادل أراض مأهولة في منطقة المثلث التي توجد داخل إسرائيل نفسها، والتي تشمل كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم وقلنسوة والطيبة والطيرة وكفر برع وجلجولية. وفي هذه المناطق التي يعتبر فيها السكان أنفسهم فلسطينيين، فإن تبادل الأراضي سيسمح بتحويل هذه القرى إلى جزء من الدولة الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، سيكون هناك تواصل جغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية من خلال ربط مواصلاتي يشمل نفقاً وشارعين سريعين، وربما إقامة سكة حديد حديثة تمكن الفلسطينيين من اجتياز غور الأردن.

خطة بيل كلينتون من العام 2000، ترسم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، أو على خط الهدنة في حرب الاستقلال. واقتُرح فيها بأن الدولة الفلسطينية ستقام على 94 – 96 في المئة من أراضي الضفة الغربية، إضافة إلى 2 في المئة بترتيبات محددة لا تشكل سيادة. إسرائيل ستضم الكتل الاستيطانية الكبيرة من أراضي الضفة، وفي المقابل ستعطي الفلسطينيين مناطق قرب القطاع لتوسيعها على أساس نسبة 3: 1. 80 في المئة من المستوطنين في يهودا والسامرة سيبقون تحت سيادة إسرائيل في الكتل الاستيطانية التي سيتم ضمها لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، اقتُرح على إسرائيل التنازل عن سيادتها في غور الأردن، ولكن الحديث يتعلق بانسحاب تدريجي يسمح بوجود عسكري إسرائيلي في الغور مدة ست سنوات أخرى: ثلاث سنوات يطبق فيها الاتفاق الدائم، وثلاث تحت السيادة الفلسطينية.

خريطة الطريق من العام 2003: في المرحلة الثانية من الخطة السياسية للرئيس بوش الابن، ركز بوش والرباعية الدولية في الشرق الأوسط جهودهم على إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود مؤقتة كمحطة انتقالية في الطريق إلى التسوية الدائمة. في المرحلة الثالثة سيتم بصورة رسمية إطلاق عملية مفاوضات متواصلة وعملياتية تؤدي إلى تسوية دائمة حول موضوع الحدود. إضافة إلى ذلك، سيتم تجميد البناء في المستوطنات، وتفكيك البؤر الاستيطانية التي أقيمت بعد آذار 2001، وتنسحب إسرائيل من المناطق التي احتلتها بعد الانتفاضة الثانية في العام 2000.

أنابوليس 2007 – 2008: في المحادثات التي بين رئيس الحكومة إيهود اولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، بوساطة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، اقتُرح بأن تنسحب إسرائيل إلى حدود 1967 مع تبادل للأراضي يشمل ضم الكتل الاستيطانية بمساحة 6.5 في المئة إلى إسرائيل، والتي تشمل الكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى. وفي المقابل، يتم تعويض الفلسطينيين بـ 5.8 في المئة من أراضي إسرائيل. الفجوة المتبقية كي تصبح النسبة 1: 1 في تبادل الأراضي سيغطيها 0.7 في المئة، التي هي الممر بين قطاع غزة والضفة الغربية. ولن يتم السماح لوجود إسرائيلي في الغور.

جولة جون كيري في 2013 – 2014: لقد تم التخطيط لإجراء مفاوضات على حدود آمنة ومعترف بها بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، بالاستناد إلى خطوط 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242. وأي اتفاق بين الطرفين سيؤدي إلى تغيير في الحدود المقترحة في الخطة سيتم الاعتراف به دولياً. وسيتم الحفاظ على الوجود العسكري الإسرائيلي في غور الأردن؛ أما قدرات أجهزة الأمن الفلسطينية فستقرر مدة وجود إسرائيل فيها.

القدس والأماكن المقدسة

“صفقة القرن” تؤيد سيطرة إسرائيل على القدس اليهودية، بما في ذلك البلدة القديمة، إلى جانب وجود فلسطيني مقلص. قرية أبوديس وقرى أخرى في شرقي القدس سيُعترف بها كعاصمة لفلسطين وسيسمح للفلسطينيين بحرية العبادة والوصول إلى الأماكن المقدسة. الحدود الإسرائيلية للقدس ستنتهي عند جدار الفصل، في حين أن الأحياء التي تقع خارج الجدار سيتم الاعتراف بها كأحياء فلسطينية. بالنسبة لمنطقة الحرم والمسجد الأقصى سيتم الحفاظ على الوضع القائم من خلال التعاون مع الأردن.

خطة كلينتون: بالنسبة للتقسيم الحضري للقدس، تكون المناطق التي يعيش فيها اليهود جزءاً من القدس الإسرائيلية، والمناطق التي يعيش فيها العرب تكون جزءاً من القدس الفلسطينية. والحيان المسيحي والإسلامي في البلدة القديمة، يكونان تحت السيادة الفلسطينية، في حين يكون الحي اليهودي تحت سيادة إسرائيل. الحي الأرمني يتم تقسيمه إلى قسمين، هكذا سيسمح بوجود ممر تحت سيادة إسرائيل من بوابة يافا وحتى حائط المبكى، في حين أن باقي الحي سيكون تحت السيادة الفلسطينية.

وتكون سيادة فلسطينية على الحرم إلى جانب سيادة إسرائيلية على حائط المبكى. أيد كلينتون تقسيم عمودي للحرم: المسجد الأقصى وقبة الصخرة والساحة بينهما تكون تحت السيادة الفلسطينية، والفضاء الذي تحت الأرض الموجودة تحت المساجد حيث بقايا الهيكل مدفونة قد تكون هناك، يعترف بأن لها مكانة خاصة. في هذا المخطط الهيكلي تم اقتراح بديلين: الأول، تكون سيادة إسرائيلية في الفضاء الذي هو تحت الأرض لحائط المبكى. الثاني، تم اقتراح إنشاء جهاز رقابة دولي يحدد السيادة الفلسطينية بالفضاء الموجود تحت الأرض.

خريطة الطريق: حسب الخطة السياسية، يجب مناقشة مسألة القدس في اللجنة الدولية الثانية وفقاً لنجاح المراحل المختلفة في الخطة.

أنابوليس: في محادثات أولمرت – أبو مازن، اقترح أن يتم تقسيم القدس على أساس عرقي، بحيث تكون الأحياء العربية تحت السيادة الفلسطينية، والأحياء اليهودية تحت السيادة الإسرائيلية. لذلك، في القسم الفلسطيني بالقدس يعلن عنه كعاصمة لفلسطين. في إطار المحادثات، تم اقتراح أن تتنازل إسرائيل عن السيادة في البلدة القديمة التي ستحصل على مكانة دولية على أساس خطة التقسيم. الحوض المقدس سيعتبر منطقة تحت وصاية خمس دول: إسرائيل والدولة الفلسطينية والأردن والسعودية والولايات المتحدة. وسيسمح بدخول هذه المنطقة بشكل حر للحجاج من جميع الديانات، وتقرر هذه الدول الترتيبات لهذا الموقع. الاتفاق لم يناقش مسألة السيادة في الحوض المقدس، وتقرر أن صلاحيات الإدارة ستنتقل إلى نظام الوصاية الدولية.

جولة جون كيري: الخطة تؤيد وصول حر وغير مقيد إلى الأماكن المقدسة. وسيتم الاعتراف بالقدس بصورة دولية كعاصمة للدولتين. وسيتم ضمان حرية الحركة الكاملة إلى الأماكن المقدسة وفقاً للوضع القائم. ورغم عدم التطرق بصورة صريحة إلى مسألة تقسيم القدس، قرر كيري بأنه يجب عدم تقسيم القدس مثلما كانت في العام 1967.

قضية اللاجئين: حسب صفقة القرن لا يتم السماح بحق العودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل. ويجب تطبيق الحل خارج حدود دولة إسرائيل. سيتم تشكيل جهاز لتعويض اللاجئين، وسيسمح بعودة رمزية تحت الرقابة. معظم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا يبقون في أماكنهم ويحصلون على دعم اقتصادي.

خطة كلينتون اقترحت حلاً مندمجاً لمشكلة اللاجئين، يربط بين حق العودة وإعادة التأهيل والتوطين والتعويضات. مع ذلك، لا يسمح بحق عودة محدد إلى إسرائيل، ولكن الاتفاق سيشمل عدة بدائل ممكنة للاجئين. قائمة البدائل تشمل توطين لاجئين في الدولة الفلسطينية أو في أراضي بإسرائيل سيتم نقلها في إطار تبادل الأراضي، وإعادة تأهيل في الدول المستضيفة، وإعادة توطين في دولة ثالثة أو الدخول إلى إسرائيل. الخطة أوضحت بأن العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والأماكن التي ستحدد في إطار تبادل الأراضي، ستكون من حق اللاجئين الفلسطينيين. وإعادة التأهيل في دول أخرى وإعادة التوطين أو الاستيعاب في إسرائيل سيكون مرتبطاً بسياسة هذه الدول. إضافة إلى ذلك، أعلن كلينتون بأنه يجب تشكيل لجنة دولية تتناول موضوع التعويضات وإعادة التوطين والتأهيل. وأعلنت الولايات المتحدة عن استعدادها للوقوف على رأس الجهود الدولية لمساعدة اللاجئين.

أنابوليس: الخطة التي اقترحت في محادثات أولمرت – أبو مازن شملت المصادقة على استيعاب حوالي 5 آلاف لاجئ فلسطيني خلال فترة خمس سنوات تقريباً داخل مناطق الخط الأخضر (حسب كونداليزا رايس). هذا كان اقتراحاً أولياً لأولمرت، في حين أن تقارير مختلفة ألمحت إلى أن أولمرت ومساعديه وافقوا على استيعاب 100 ألف لاجئ خلال 15 سنة (حسب عضو الكنيست السابق حاييم رامون).

خريطة الطريق: حسب الخطة السياسية، فإن الطموح هو التوصل إلى حل متفق عليه وعادل ونزيه ومنطقي لقضية اللاجئين، التي كان يمكن أن يقر في اللجنة الدولية الثانية في إطار المرحلة الثانية للخطة.

جولة جون كيري: حسب الخطة، يجب تقديم حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين بمساعدة دولية، التي هي حيوية لحل شامل. ولكن يجب أن يتساوق مع حل الدولتين وأسس طابع دولة إسرائيل. ولن يتم السماح بعودة اللاجئين إلى داخل إسرائيل. مع ذلك، سيسمح بعودة مقلصة للاجئين كبادرة حسن نية إنسانية استناداً إلى موافقة إسرائيلية فقط.

مسألة الأمن

“خطة القرن” تدعم السيطرة الأمنية الإسرائيلية في كل معابر الحدود، إضافة إلى المطالبة بتجرد الدولة الفلسطينية من كل أنواع السلاح، وإعطاء إمكانية لإسرائيل لمواصلة الحرب ضد الإرهاب والتحريض ضدها. كما أن نزع سلاح حماس وتجريد القطاع يشكلان شرطاً لإقامة دولة فلسطينية. غور الأردن يتحدد في الخطة كأمر حرج لأمن إسرائيل، وبالتالي سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية. تبقي إسرائيل سيطرتها على المجال الجوي والإلكترومغناطيسي من خط الأردن غرباً. سلاح البحرية الإسرائيلية يمنع دخول الأسلحة إلى الدولة الفلسطينية (بما فيها قطاع غزة). كما أن الدولة الفلسطينية ستمنع من إقامة أي حلف أمني عسكري أو استخباري قد يؤثر على أمن إسرائيل.

مخطط كلينتون: اقترح أن تكون الدولة الفلسطينية دولة غير عسكرية، وقضى بأن يكون لإسرائيل وجود عسكري في غور الأردن على مدى ثلاث سنوات، وتواجد رمزي في مواقع محددة على مدى ثلاث سنوات أخرى. كما اقترح أن تعطى للدولة الفلسطينية السيادة على مجالها الجوي، ولكن يتعين على الطرفين أن يخلقا ترتيبات خاصة كجواب على احتياجات أمن إسرائيل.

أنابوليس: في محادثات أولمرت – أبو مازن، اتفق بأن على الدولة الفلسطينية أن تحتفظ بقوة شرطية قوية، عديمة الجيش. وفي مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في باريس استمراراً لمؤتمر أنابوليس، وعد بمساعدة مالية لإعادة بناء قوات الأمن الفلسطينية.

جولة جون كيري: إسرائيل تواصل السيطرة على معابر الحدود إلى الأردن انطلاقاً من الاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. أما الدولة الفلسطينية فتكون ذات قوات أمن محدودة كجزء من كونها دولة مجردة. إضافة إلى ذلك، يقام جسم دولي مهمته الردع وأمن الحدود.

وختاماً، فإن المسائل الجوهرية التي قيد الخلاف، والتي يفترض أن تحل بالمفاوضات على التسوية الدائمة، بقيت على حالها في العقدين الأخيرين، بل اتسعت الفجوات في بعضها بين الطرفين بالتوازي مع التطورات على الأرض والواقع الجغرافي – السياسي. على مدى سنين، اقترحت الإدارة الأمريكية، تحت الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، بصفتها الوسيط الأساس (وأحياناً الوحيد) بين إسرائيل والفلسطينيين، بضعة مخططات أساسية. قامت كلها على أساس الوصول بالمفاوضات إلى تسوية دائمة تقوم على أساس مبدأ الدولتين للشعبين، الأرض مقابل السلام، بروح قراري مجلس الأمن 242 و 338.

خط مباشر ومتواصل يربط خطة الحكم الذاتي لإدارة كارتر في 1978، والتي أدرجت في إطار اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، عبر أوسلو بمقتضياته وحتى خطة ترامب. ولكن الرئيس ترامب غير التوازنات الداخلية وحرف الاقتراح الأمريكي بثقل وبشكل واضح لاتجاه الموقف الإسرائيلي، في ظل التشاور الوثيق مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين. فهل هذه ستكون سياسة سيتبناها كل من يجلس في المستقبل في البيت الأبيض؟ هذه مسألة مفتوحة.

القدس العربي