جبهة النصرة ومستقبل سوريا

جبهة النصرة ومستقبل سوريا

MaxW640imageVersiondefaultAR-140929094

لقد حان وقت التزام جماعات المعارضة السورية الرئيسة في شمال سوريا بتعريف واضح لمستقبل البلاد. هذه المسألة تتجاوز الهدف من هزيمة داعش في سوريا؛ فهي تقلّل من احتمال عودة ظهور تنظيم داعش آخر، تحت اسم مختلف في المستقبل بالطريقة نفسها التي شهدناها في العراق.

في العالم العربي يقولون “أحمد زي الحاج أحمد”. وهذا يعني أن التغيير في كيفية وصف أي منظمة لنفسها ليس سببًا كافيًا لجعل أي شخص يعتقد بأنّ هناك تغييرًا حقيقيًا بالفعل. طريقة العمل، والثقافة الداخلية، ومحتويات وسائل الإعلام والمواقف السياسية وجميع الجوانب الأخرى من “طريقة الحياة” لهذه المنظمة يجب أن تتغير أيضًا.

في هذا الإطار المفاهيمي، تبدو جبهة النصرة كمسألة تستحق أن تُدرس بعناية، ليس فقط على ضوء المخاوف العملية المباشرة، ولكن فيما يتعلق أيضًا بالمستقبل.

هذا مهم الآن دون مزيد من التأخير. في الوقت الحالي، هناك محاولة مستمرة من الجيش السوري الحر وغيره لإقناع جبهة النصرة بقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة. والأمر الذي أدى إلى ظهور هذه المسألة هو هجوم جبهة النصرة على مجموعة من قادة المعارضة التي تخضع لبرنامج تدريب وتسليح أمريكي يُعرف باسم “الفرقة 30″، والذي أعقبه قرار الولايات المتحدة بقصف كل ما يقف أمام الإجراءات المستمرة لتحقيق الاستقرار في شمال سوريا.

وفي الوقت نفسه، تعاني جبهة النصرة من زيادة التوتر الداخلي في اللحظة الراهنة؛ إذ قرر جزء منها إعلان الحرب على معظم تنظيمات المعارضة الأخرى، بينما دخل الجزء الآخر في النقاش حول قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة.

أعلنت جبهة النصرة عن نهاية انتمائها لتنظيم القاعدة، وهو القرار الذي ينبغي الترحيب به لأنّه قرار مهم وإيجابي. ولذلك؛ يجب أن تتقدم الجبهة، أو أي فصيل ينقسم عنها، إلى الأمام. هناك متطلبات أخرى ينبغي مناقشتها الآن لمعالجة الشواغل المتعلقة بالمستقبل. ويأتي على في مقدمة هذه الأمور الحد من خطر الارهاب وتوضيح الوضع داخل سوريا المستقبلية من أجل استقرار مستدام قائم على التعددية. حقيقة أنّ جبهة النصرة ترفض الإرهاب الدولي اليوم ليست كافية. إنها لا تشمل رؤيتها عن المستقبل.

البيانات الساذجة التي تقول بأنّ جبهة النصرة، بما أنها تابعة لتنظيم القاعدة، يجب أن تتساوى مع تنظيم داعش، ليست لها أي فائدة. جبهة النصرة هي ظاهرة أكثر تعقيدًا. من الناحية الأيديولوجية، من الخطأ أن نتصور أي اختلافات جوهرية بين آرائها وآراء داعش. ومع ذلك، من الناحية الهيكلية والتشغيلية جبهة النصرة مختلفة عن تنظيم داعش، على الأقل بقدر القلق الذي يشعر به شمال سوريا.

في حين أنّ الولايات المتحدة تصرّ على أن تحدد جميع مجموعات المعارضة، وبعبارات لا لبس فيها، مواقفهم على صورة معينة من مستقبل مستقر وشامل في سوريا، فإنّه يجب أن تعمل مع القوى الإقليمية الأخرى لتفكيك جبهة النصرة إلى العناصر المكونة لها.

الخطاب المنتشر مؤخرًا من جماعة أحرار الشام   قد يساعد في لعب دور المغناطيس لإعادة تأطير جزء من أعضاء جبهة النصرة الذين يفكرون في الانشقاق. الجزء المستهدف هو ذلك الجزء الذي انضم إلى تلك الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة بسبب ظروف عارضة. وهذا يتطلب من جماعة أحرار الشام أن تعلن، بعبارات واضحة، كيف ترى سوريا في المستقبل. الإسلاميون المعتدلون هم الذين يقبلون حقوق الآخرين، المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، واعتبارهم مواطنين متساوين داخل دولة وطنية قائمة على الهوية الوطنية، واحترام حقوق الإنسان والتعددية السياسية.

جزء كبير من أعضاء جبهة النصرة هم من السوريين القوميين الذين انضموا إلى الجبهة عندما كانوا تحت نيران الأسد ولم يكن لديهم أي بدائل أخرى. لقد وجدوا في هذا التنظيم كيان راسخ ملتزم بمحاربة عدوهم، بشار الأسد، قادر على توفير الوسائل التي تمكّنهم من القيام بذلك. ومن الواضح أنّ القوميين الذين انضموا إلى جبهة النصرة كانوا بحاجة إلى التلقين. ولكن هذا يجب فهمه على أنه عملية تقوم ليس فقط على الوعظ المضاد، ولكن أيضًا على تجارب الحياة الفعلية للأعضاء في المستقبل.

ومع ذلك، يجب على جبهة النصرة، إذا كانت تنوي أخذ خطوة إيجابية لإنهاء ولاءها لتنظيم القاعدة، ولكل الجماعات الأخرى، أن تلتزم ببرنامج واضح يمثل أساسيات الدستور السوري القادم. ويجب أن تعكس هذا الالتزام في وسائل الإعلام الخاصة بها، والخطابات العامة والخاصة، والبيانات وبرامج التلقين الداخلية. وهذا أمر ينبغي أن تشرف عليه جميع القوى ذات الصلة إذا ما أردنا الجمع بين الخطوات الحالية والهدف النهائي ودمجها باعتبارها “هدف واحد”. هذه هي الطريقة لجعل “أحمد” شخص مختلف حقًا.

ولكن على المستويات العملية، تمثل جبهة النصرة مشكلة معقدة في شمال سوريا. طبيعة وجهات النظر الأيديولوجية والسياسية لجبهة النصرة ليست هي السبب الوحيد وراء اختطاف قادة “الفرقة 30 “.

السبب الرئيس هو القيود الساذجة التي تفرضها العقول الاستراتيجية الضحلة في البيت الأبيض على المجموعة المجهزة والمدربة. عندما قيّدت الإدارة الأمريكية الفرقة 30 لقتال تنظيم داعش فقط، وليس الأسد، كانت قد حكمت عليها بالفشل المؤكد. الأمر الذي أدى إلى تفاقم هذا الخطأ هو الإعلان عن تلك القيود.

كانت تلك القيود نتيجة أفكار واعتبارات سياسية ذاتية وتجاهل تام للبيئة التي ستعمل فيها الفرقة 30. العدو الرئيس للشعب في شمال سوريا والمنظمات العاملة هناك هو بشار الأسد. وفي كثير من الحالات، يُنظر إلى تنظيم داعش باعتباره اداة مساعدة في هزيمة الجزار السوري.

الفصل غير المنطقي بين الأسد وتنظيم داعش الذي ترسّخ في ذهن البعض في واشنطن هو أمر شائن ولم تكن هناك حاجة إلى أن يتم الإعلان عنه على نطاق واسع حتى الآن، خاصة في ظل أنّ هذه القوة الصديقة كان من المفترض أن تنتشر في المواقع لتواجه تنظيم داعش فقط.

في هذا الشياق، ليست هناك أي أهمية لا لتنظيم داعش ولا الأسد. ولكن، ما يهم هنا، عندما نتحدث عن خطوات “عملية” و “قابلة للتنفيذ”، ليس الأسماء ولا النوايا. طبيعة كل من داعش والأسد ليست مهمة بقدر ما نتحدث عن عمل في منطقة محددة. إنّ ما يهم حقًا هي الطريقة التي يُظهر بها كلًا من داعش والاسد أنفسهم لسكّان شمال سوريا (البيئة حيث تم تعيين الفرقة 30 للعمل هناك) وبالتالي التصورات والإدراك لتحركات هذه الفئة من السكّان على الأرض.

وبعبارة أخرى، عدد سكان شمال سوريا والمنظمات الناشطة هناك لا يمكن ألّا يهتم بأي تصنيف تضعه واشنطن. يجري النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوة غير صديقة حتى الآن لأنها لم تعمل على إسقاط الأسد وربما تكون قد ساعدت بشكل غير مباشر في بقاءه في السلطة. الأسد ليس فكرة مجردة بالنسبة لهم. إنهم “يرونه” كل يوم من خلال الموت والبراميل المتفجرة. ولديهم شكوك كثيرة حول تنظيم داعش، على أساس الطريقة التي يحكم بها التنظيم في المناطق التي يستولي عليها. ومع ذلك، تصرفت جبهة النصرة بطريقة كان الغرض منها هو تجنب أي احتمال لرفض ترسيخها في تلك المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، علّقت واشنطن على رقاب جنود الفرقة 30 دعوة ليرفضها الجميع.

الوضع برمته في شمال سوريا يسير إلى لحظة قد نرى فيها دخول القوات التركية المنطقة بالتنسيق مع الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية وقطر. ومع ذلك، فإنّ إعادة هيكلة القوات المعارضة على الأرض هي الخطوة الضرورية التي يجب ألّا تتأخر. ويجب ألّا تقتصر عملية إعادة التنظيم على الشكليات مثل المخططات البيانية وقوائم الأسماء والخرائط؛ لأنها مهمة سياسية قبل كل شيء. كما ينبغي القيام بها من خلال رؤية واضحة لمستقبل سوريا، وبرنامج سياسي واحد والإعلان عن مبادئ تبدأ برفض واضح للإرهاب والتزامات واضحة بإقامة دولة سورية تعددية.

وإذا رفضت جبهة النصرة هذا البرنامج السياسي ولم تقطع علاقاتها بتنظيم القاعدة، فإنّه ينبغي أن تنضم إلى داعش في القائمة المستهدفة.

التقرير