السوريون في لبنان يواجهون موجة جديدة من العداء: اعتداءات ومطالبات بالرحيل

السوريون في لبنان يواجهون موجة جديدة من العداء: اعتداءات ومطالبات بالرحيل

يواجه السوريون المقيمون في لبنان، سواء منهم الذين يقيمون بشكل قانوني أو النازحون، موجة جديدة من العداء، لاسيما في المناطق ذات الأغلبية المسيحية، وسط مخاوف من خروج الوضع عن السيطرة، خاصة في ظل التعاطي الرسمي الباهت مع الأزمة.

بيروت- فجرت حادثة مقتل مسؤول في حزب القوات اللبنانية على أيدي عصابة سورية اختطفته الأسبوع الماضي، موجة غضب في لبنان تجاه السوريين، الذين تعرض عدد منهم لاعتداءات وسط مطالبات برحيلهم.

وكان بسكال سليمان، وهو منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة الجبيل، تعرض للخطف وتمت تصفيته ونقل جثته إلى سوريا. وأكد متورطون في العملية، وهم من الجنسية السورية تم اعتقالهم من قبل الجيش اللبناني، أن دافع الخطف كان سرقة سيارة المسؤول.

وتنشط العصابات المختصة في سرقة السيارات بشكل كبير على الحدود اللبنانية – السورية، ويقول مراقبون إن هذه العصابات تمتلك غطاء أمنيا وسياسيا، في غياب إرادة جدية من السلطات لوضع حد لها.

وأثار مقتل المسؤول في حزب القوات ردود فعل غاضبة وصلت إلى حد الاعتداء بالعنف على سوريين في عدد من بلديات لبنان ذات الغالبية المسيحية، وفق ما نقلته مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي.

وأقدم مجهولون على إحراق سيارة إسعاف تابعة للحزب “السوري القومي الاجتماعي” فجر الخميس في بلدة بيصور في جبل لبنان. وكان مقر للحزب السوري قد تعرض لاعتداء الأربعاء في بلدة جديتا في البقاع شرق لبنان.

ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان أمهلت “مجموعة من اللبنانيين جميع التجار السوريين في منطقة برج حمود والذين يعيشون فيها بشكل قانوني، مدة 48 ساعة لإغلاق محلاتهم التجارية ومنازلهم والخروج من المنطقة، حيث ظهر أحدهم في شريط مصور يهدد التجار السوريين بالقول ‘إلى جميع السوريين في برج حمود إخلاء جميع المنازل والمحلات التجارية قبل يوم الجمعة وقد أعذر من أنذر’”.

وطالبت مديرية المخابرات اللبنانية المسؤولين عن مخيمات السوريين بإبلاغهم بمنع التجول. وأصدرت بلدية رأس المتن في قضاء بعبدا قراراً يقضي بمنع تأجير السوريين عقارات سكنية أو محلات تجارية دون التثبت من تسجيله في البلدية، ومنع تجول السوريين عبر الدراجات النارية من الساعة الـ8 مساءً حتى الساعة الـ11 صباحاً، كما يمنع تجولهم سيراً على الأقدام بعد الساعة الـ10 مساءً، ومنه تجولهم في الساحات العامة والأحياء الداخلية.

ويرى مراقبون أن ردود الفعل على مقتل سليمان كانت متوقعة، خصوصا وأن هناك حالة من التململ في الداخل اللبناني تجاه الوجود السوري منذ سنوات، وسبق أن تعرض السوريون لحملات كبيرة تطالب برحيلهم قادتها بعض الأحزاب المسيحية على غرار التيار الوطني الحر.

ويتهم لبنانيون السوريين بأنهم يقاسمونهم قوت يومهم في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعانونها، فضلا عن تفشي مظاهر الجريمة في بلدهم.

ويقول المراقبون إن حالة الحساسية المفرطة تجاه الوجود السوري في لبنان، مع التصريحات التحريضية للبعض، تمثل عاملا من العوامل التي ساهمت في الاعتداءات المسجلة التي طالت السوريين.

ويشير المراقبون إلى أن التعاطي الرسمي مع الحملة الموجهة ضد السوريين ظل إلى حد الآن دون المطلوب.

وقال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الخميس “هناك أياد خبيثة تتحرك لخلق الفتنة ولكن الأجهزة الأمنية لها بالمرصاد”. ووفق الوكالة الوطنية للإعلام جاء ذلك خلال تقديم ميقاتي وعقيلته التعازي بمسؤول حزب القوات اللبنانية إلى عائلته في كاتدرائية مار جرجس المارونية وسط بيروت.

وقال ميقاتي “ما جرى هو مصيبة كبيرة، ورغم ذلك فإن العائلة الكريمة هي مثل وقدوة بوطنيتها وتعاليها عن كل الجراح”.

وأضاف “رغم هول ما جرى لم نسمع من أفراد العائلة إلا الكلام الوطني والمتعالي عن الجراح، وهذه هي الوطنية الحقيقية في هذه الظروف التي يمر بها وطننا”.

على صعيد آخر استنكرت الدائرة الإعلامية في حزب القوات اللبنانية الممارسات التي تستهدف السوريين، مشيرة إلى أنها “بقدر ما تدعو السلطات اللبنانية إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، تستنكر في الوقت نفسه التعديات الهمجية التي يتعرض لها البعض منهم”.

وقالت في بيان صحفي إن “القوات نادت ومازالت (تنادي) منذ اللحظة الأولى بوجوب عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، خصوصا أن الأمن في سوريا استتب، وبإمكان جماعة النظام ومعارضيهم العودة إلى المناطق العائدة للنظام والمعارضة، وبالتالي لا حجة إطلاقا لاستمرارهم في لبنان”.

وأكدت أن “المطالبة بعودة اللاجئين السوريين أصبحت أكثر إلحاحا، بعدما أصبح واضحا حجم عدد الأعمال الإجرامية والمخلّة بالأمن التي يقوم بها البعض منهم، ولكنها تشدِّد في الوقت نفسه بأن المطالبة بعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم شيء، والتصرُّف بحقد وهمجية شيء آخر مختلف تماما”.

◙ حزب القوات يستنكر الاعتداءات التي جرت بحق السوريين، ويدعو السلطات اللبنانية إلى إعادة اللاجئين إلى ديارهم

ولفتت إلى أن “التصرفات التي نراها على بعض مواقع التواصل وبعض الممارسات التي نشهدها على الأرض مرفوضة من جهة، ومريبة في الشكل والمضمون والتوقيت
من جهة أخرى“. ويحذر نشطاء من أن عدم تحرك السلطات لضبط الوضع قد يؤدي إلى منزلقات خطيرة.

وأكدت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنها بلغتها عدة هجماتٍ على أفراد سوريين والتعرّض لهم في الشوارع، لافتة إلى أنها تتابع أوضاع اللاجئين بحسب حالاتهم الفردية، التي أبلغوا عنها جرّاء تعرضهم للعنف أو للإساءة. وجددت الدعوة التي أطلقتها الحكومة والسلطات اللبنانية “للحفاظ على الهدوء وضبط النفس”.

وقالت المفوضية “نحن نتفهم الحزن العميق والغضب الذي يعيشه الكثيرون خلال هذا الوقت المأساوي. ومن المهم الحدّ من اللجوء إلى مثل هذه الهجمات وبدلاً من ذلك السماح بمواصلة التحقيقات (مقتل المسؤول القواتي) وبالتوصّل إلى المزيد من المعلومات”.

ويقدر عدد النازحين السوريين في لبنان بنحو 790 ألف نازح مسجلين لدى المفوضية.

ويتوزع اللاجئون في المحافظات اللبنانية وفق إحصاء المفوضية على الشكل التالي “22 في المئة يقطنون في مخيمات غير رسمية، 58 في المئة يقيمون في مبان سكنية غير صالحة ومكتظة، و20 في المئة في أماكن مختلفة”.

وسبق أن وضعت الحكومة اللبنانية خطة تقوم على إعادة 15 ألف لاجئ شهرياً، وبدأت بتنفيذها عام 2022 لكن الخطة تعرضت لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية ترفض الإعادة القسرية.

وتمت فرملة الخطة بعد مغادرة قافلتين إلى سوريا، واستعيض عنها بعمليات ترحيل فردية بعيداً عن كاميرات الإعلام مع الاستمرار في الحملة العنصرية وتضييق الخناق على السوريين، والتي تقودها بعض الأحزاب اللبنانية.

العرب