رئيس برلمان الصومال: غاب العرب فحضر الأتراك بقوة

رئيس برلمان الصومال: غاب العرب فحضر الأتراك بقوة

_74563_som3

تجاهد حكومة الصومال، بعد خمسة وعشرين عاما من الحرب الأهلية، من أجل بناء مؤسسات الدولة والقضاء على تنظيم الشباب المتطرف، وسط تحديات جمة واستهداف متكرر من الإرهابيين للقصر الرئاسي ومقرات الحكومة في مقديشو، وفي خضم مساع حكومية لإجراء انتخابات برلمانية وإصلاحات دستورية قبل أغسطس المقبل. وهذه القضايا وغيرها كانت محور حوار “العرب” مع محمد شيخ عثمان جواري، رئيس البرلمان الصومالي، على هامش حضوره اجتماعات البرلمان العربي بالقاهرة مؤخرا.

بدأ محمد شيخ عثمان جواري حديثه واصفا قرار مجلس الأمن، بمنع توريد السلاح إلى بلاده، بأنه أخطر التحديات التي تواجه الحكومة الصومالية. وأوضح أن الإرهابيين يملكون أسلحة وذخائر تفوق قوات الجيش الصومالي، بينما الحكومة الشرعية إذا أرادت أن تشتري رصاصة واحدة تحتاج تصريحا من مجلس الأمن، وحتى الدول الصديقة التي تريد دعمنا ومدنا بالأسلحة مطلوب منها الحصول على هذا التصريح، فقرار مجلس الأمن يعيق استعادة الدولة الصومالية لقدراتها.

وطالب المسؤول الصومالي الدول العربية والأفريقية بتوحيد جهودها والضغط دبلوماسيا من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بتوريد السلاح والأجهزة المطلوبة لقوات الأمن وتوفير الدعم اللازم للحكومة الحالية، مشيرا إلى أن من أسباب استمرار العمليات الإرهابية، المؤسسات الأمنية والاستخباراتية التي لم يكتمل بناؤها بعد، إضافة إلى النقص الفاضح في الخبرات والتدريب والتأهيل لرجال الأمن، إلى جانب افتقاد الجنود للتكنولوجيا، والأجهزة والمعدات المطلوبة لتمكين الأجهزة الأمنية والحكومية من أداء مهامها، فلا توجد بوابات إلكترونية ولا حتى كلاب مدربة لكشف السيارات المفخخة.

ويتواجد على الأراضي الصومالية الآن حوالي 27 ألفا من قوات حفظ السلام الأفريقية التي حققت بعض النجاحات، لكن لا يزال الأمن والاستقرار بعيدين عن الصومال، خاصة أن بعض دول الجوار، على غرار كينيا وإثيوبيا تحديدا، لديها أطماع وخلافات حدودية مع الصومال، كما تعاني أوغندا من تسرب بعض العناصر المتشددة إليها والتي نفذت تفجيرات في أماكن عدة، لا سيما في كل من نيروبي وكمبالا.

وعن رؤيته لتعمّد بعض القوى الدولية إعاقة بناء الجيش الصومالي، قال جواري لـ”العرب”، “هذه الفرضية يصعب تأكيدها أو نفيها، وبالرغم من الصعوبات التي تواجه أفراد الأمن، من ضعف في التسليح والتدريب وصولا إلى ندرة الملابس العسكرية وانعدامها أحيانا، حيث يتم تسليم الجندي 30 طلقة فقط، فقد حققنا نجاحا ملحوظا والتنظيمات الإرهابية بدأت في التراجع”.

وأضاف “الإرهابيون لم يعد بإمكانهم السيطرة على ولايات جديدة، وبعد نجاح الحكومة في محاصرتهم لجأوا إلى أسلوب الكر والفر، فهم ينفذون عمليات ويهربون، وهدف العمليات الأخيرة زعزعة الثقة في قدرات الحكومة والإيحاء للمواطن والعالم بأن العاصمة مقديشو ما زالت خارجة عن السيطرة”.

وحول تشريعات مكافحة المتطرفين، قال جواري “لا يمكن مكافحة الإرهاب فقط بالبندقية، بل يجب أن تشمل الآليات المواجهة الفكرية والأيديولوجية، إلى جانب المواجهة التشريعية”.

وفي إطار سن القوانين والتشريعات الجديدة يذكر أن البرلمان الصومالي كان قد أصدر تشريعا لتجفيف منابع التنظيمات الإرهابية وتمويلها، حيث لجأت جهات خارجية وأفراد في الداخل إلى تمويل الإرهاب عبر تحويلات بنكية تحت ستار العمل الخيري والزكاة، بينما يضع القانون ضوابط للرقابة على التحويلات عبر البنك المركزي ووزارة المالية، كما يعطي وزارة الشؤون الدينية وحدها حق جمع التبرعات وأموال الزكاة وصرفها على المحتاجين.

وبشأن فرص نجاح هذا القانون في تحقيق الأهداف التي بعث من أجلها في ظل ضعف الدولة، قال جواري إنه “سيحتاج لوقت طويل لتطبيقه والحصول على نتائج إيجابية لحين وقوف الدولة على قدميها”.

وأشار إلى وجود قانون آخر تجري صياغته الآن لمواجهة الإرهاب، يحدد تعريف الإرهابي والمنظمة الإرهابية وعقوبات المشاركين فيها، لكن إصداره سيتطلب المزيد من النقاش. فهذا القانون هو بمثابة سكين ذي حدين، حيث أن هناك نوابا يتخوفون من أن يساء استغلاله من قبل الأجهزة الأمنية والنظام لقمع المعارضة وإلصاق تهم الإرهاب بالخصوم، لذلك نقوم بمناقشة تلك الأمور لتوفير ضمانات عدم استغلاله بطريقة تحيد عن أهدافه الحقيقية، كما أن البعض يرفض أن يتم النص فيه على عقوبة الإعدام.

تركيا تدير المطار والميناء

أبدى رئيس البرلمان الصومالي ضيقه من انخفاض سقف المساعدات والجهود العربية والأفريقية، مؤكدا أن “الدول العربية مازالت غائبة عن الصومال، والأفارقة جربنا حلولهم ولم تسفر عن جديد، وندعو العرب إلى العودة للصومال والأفارقة بأن يغيروا من أساليب تعاطيهم مع الأزمة، وأن يوحد الجميع الجهود لمساعدتنا على استعادة قوتنا”.

وحول البيئة الاستثمارية، قال جواري نعاني من ضعف البنية الأساسية، فالطرقات لم تعبّد منذ 25 عاما، لذا نحن في حاجة إلى دعم، ومن جانبنا أصدرنا تشريعات تحفز على الاستثمار وتسهل تملك الأراضي للمستثمرين، وتلغي الجمارك على الآلات والمعدات التي يدخلها المستثمر للبلاد، إلا أنه لم ينف وجود مخاطر، داعيا إلى مواجهة التحديات بكل صلابة.

وأضاف أن الميزة النوعية يحصل عليها من له السبق في دخول السوق، فتركيا رغم استهداف مشاريعها من بعض الإرهابيين، لا تزال موجودة وحصلت الآن على حق إنشاء وإدارة مطار العاصمة والميناء، ولن يكون بإمكان من يأتي بعد الاستقرار لمنافستها في ما حصلت عليه، ومع ذلك هناك سواحل طويلة تحتاج إلى مستثمرين لبناء موانئ جديدة، إلى جانب فرص الاستثمار الزراعي والصناعي.

ذكرت تقارير إعلامية أن كينيا بدأت في تشييد جدار حدودي عازل بطول 180 كيلومترا على حدودها مع الصومال، بدعوى وقف تسلل الإرهابيين واللاجئين، وهو ما أثار حفيظة الحكومة الصومالية، التي أكدت أن هناك عبثا بالعلامات الحدودية الدولية.

وحول هذه المسألة قال جواري “فور ورود تلك المعلومات أعلن البرلمان عن رفضه لمثل هذا الإجراء، وباعتبار النزعات القائمة بين العشائر الصومالية والكينية على المنطقة الحدودية، فقد تم تشكيل لجنة برئاسة وزير الدفاع ضمت 13 نائبا في البرلمان لتقصي الحقائق، وثبت أنه لا توجد إزالة للعلامات الدولية الموجودة منذ عهد الاحتلال، وبمخاطبة حكومة نيروبي أكدت عدم بناء جدار وأنها تبني فقط حواجز جمركية” .

وعن طبيعة العلاقات الحالية مع إثيوبيا التي خاضت حربا سابقة ضد الصومال، أكد جواري أن الوضع تغير وأن مقديشو تسعى للتعاون وتعزيز السلم الدولي، من خلال بناء شراكة مع أديس أبابا، فتلك الدولة معزولة عن البحر ولا تملك منافذ بحرية في حين يملك الصومال أطول سواحل في أفريقيا، ومن مصلحة البلدين أن يكون بينهما تعاون مشترك.

مركزية الحكم

اندلعت في الصومال حرب أهلية وعشائرية، إثر سقوط نظام الجنرال محمد سياد بري عام 1991، وفشلت الكثير من المحاولات في إعادة بناء حكم دستوري، ودخلت البلاد في سلسلة طويلة من الصراعات والمجاعات، بعد أن انسحبت قوات حفظ السلام الدولية بقيادة الولايات المتحدة في مارس 1994 عقب تكبّدها خسائر فادحة.

غاب العرب عن الصومال فحضر الأتراك بقوة

وكان البرلمان الصومالي قد أعلن في يوليو 2015، بعد التشاور مع رئيس الجمهورية والحكومة عدم القدرة على إجراء انتخابات برلمانية، قبل أن يعود ويعلن مؤخرا الاستعداد لإجراء انتخابات في اغسطس المقبل. ويشكل البرلمان الحالي الذي نجح في الصمود واستكمال دورته وسط جملة من العواصف والأزمات السياسية، من 270 نائبا تم اختيارهم عبر ترشيح قادة العشائر.

وبشأن آليات انتخاب البرلمان المقبل وقدرة الحكومة على تنظيم انتخابات بالاقتراع الحر المباشر، قال جواري، إنه كان من المقرر إجراء اقتراع سري يصوت فيه المواطن بشكل مباشر، لكن تعذّر تحقيق ذلك بسبب تردي الحالة الأمنية وعدم اكتمال بناء مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها اللجنة المستقلة للانتخابات، إلى جانب عدم وجود تعداد دقيق للسكان أو كشوف لمن له الحق في التصويت، وعدم الانتهاء من قانون الأحزاب وتقسيم الدوائر بالولايات، ومن ثم مطالبة قلة بانتخابات مباشرة يعد من المستحيل الآن، وسنعمل على تحقيقه في انتخابات 2020”.

وعن آلية الانتخابات القادمة، أكد عثمان جواري أنها “ستكون على غرار النظام السابق مع بعض التعديلات، وسيتم توسيع قاعدة المشاركة في اختيار النواب، ففي السابق كان زعيم العشيرة وحده هو من يختار النائب البرلماني عن دائرته، لكن المقترح الآن أن يشكل مجلس بكل عشيرة من 50 فردا يتولى اختيار نائبها، وهناك نقاش حول أن يكون عدد المشاركين في الاختيار 100، والبعض يرى أن يكون العدد 30 فقط لتسهيل الاختيار، لكن الأرجح أنه سيكون 50 شخصا”.

وأشار إلى أنه سيكون ممثلا ضمن لجنة من الخبراء والمستشارين ليتولوا صياغة الدستور خلال شهر، بعد أن تمت مناقشته مع الرئيس والوزراء وحكام الولايات تمهيدا لعرض الصيغة المقترحة على الشعب، معترفا بأن هناك نقاطا خلافية لم تحسم بعد، حول ماهية نظام الحكم، وهل هو رئاسي يمنح رئيس الدولة سلطة مطلقة لتسيير شؤون البلاد، لأن هناك من ينادي بذلك، في حين يرى آخرون أن النظام يجب أن يكون برلمانيا، ويميل فريق ثالث إلى النظام المختلط الذي يقتسم السلطة، حيث يعطي الرئيس صلاحـيـات، ورئيس الوزراء صلاحيات أخرى.

وختم محمد شيخ عثمان جواري حديثه مع “العرب” بالإشارة إلى أن النية تتجه بخصوص مركزية الحكم في الصومال إلى الاتفاق حول الحكم الفيدرالي، ويجري الآن بحث حول تقسيم الولايات بما يضمن توزيعا عادلا للثروات، ويمكّن كل ولاية من النهوض بالتعليم والصحة والخدمات، لافتا إلى أن هناك اتفاقا على بناء جيش وطني يمثل فيه الشعب بجميع مكوناته.

أيمن عبدالمجيد

صحيفة العرب اللندنية