هل سيظل “داعش” و”القاعدة” خصمين على الدوام؟

هل سيظل “داعش” و”القاعدة” خصمين على الدوام؟

1462691415_739

أكثر من 80 شخصاً، وربما يصل العدد إلى 120، لقوا حتفهم مؤخراً في هجمات شنها تنظيم “داعش” في مناطق يسيطر عليها النظام بالقرب من القواعد الروسية في سورية. وتُظهر التقارير التي نشرت في وقت سابق من شهر أيار (مايو) أن “داعش” تمكن من تدمير طائرات عمودية روسية تعمل انطلاقاً من قاعدة في وسط سورية. لكن الروس والنظام السوري يشكلون بالكاد خصوم “داعش” الوحيدين. فالمجموعة منخرطة في صراع مميت مع تنظيم القاعدة، سواء في سورية أو في أماكن أخرى في العالم المسلم. وتنظر أيضاً إلى التهديد القادم من “الدولة الإسلامية” الصاعدة على أنه بالغ الخطورة والجدية. كما أن موقف القاعدة الخاص في قاعدتها الباكستانية ضعيف جداً -حتى أنه يُقال إنها تقوم بنقل كبار قادتها إلى سورية، وتدرس خيار تقليد “الدولة الإسلامية” عن طريق تأسيس إمارتها الخاصة هناك.
يعد فهم أهمية ومدى وأمد هذا التنافس بين الجموعتين الجهاديتين أمراً حيوياً لجهود مكافحة الإرهاب في المستقبل؛ فبقدر ما هاتان المجموعتان خطيرتين بشكل منفصل، فإن من المرعب التفكير بما يمكن أن تفعلاه لو أنهما كانتا متحدتين. وليس احتمال تحقق ذلك الاتحاد بعيد المنال كثيراً على ما يبدو.
حتى لو أن للمجموعتين أهدافا مختلفة -حيث تركز القاعدة أكثر على مهاجمة الولايات المتحدة، بينما يركز “داعش” على تقوية وتوسيع دولته- فإن الحركة ككل تتميز بوجود العديد من الروابط الشخصية القائمة في كثير من الأحيان على التشارك في القتال في أفغانستان والعراق والجبهات الأخرى. وينظر الكثير من الأفراد المعنيين، خاصة خارج المركز الأساسي في العراق وسورية، إلى أنفسهم على أنهم إخوة في السلاح، ولا يبدو حريصين على اختيار أطراف، ناهيك عن أن كلا الجانبين يصلان إلى نفس مصادر التمويل والمجندين، مما يزودهما بالحافز لسلوك دروب متشابهة.
يقول بعض من أبرز الباحثين في شؤون الإرهاب، مثل زميلي بروس هوفمان، إن اندماجاً بين المجموعتين ربما يكون على الطريق. ويحذر هوفمان –مُحقاً- من أنه تم إخراج تنظيم القاعدة بشكل متكرر -وخاطئ- من الحسابات في الماضي. ويؤكد أن التشابهات الأيديولوجية بين القاعدة و”داعش” تظل أعظم بكثير من الفروقات، بحيث ليس من المفاجئ أن يجري اعتبار إحداهما فرعاً للأخرى. ومع أنني أتفق معه على أن الحركتين ربما تندمجان معاً عند نقطة معينة، فإن خلافاتهما تظل عميقة وتشكل تحدياً حقيقياً لأي وحدة محتملة بينهما.
لطالما كانت الحركة الجهادية مبتلاة بالانقسامات. وربما كان الجهاديون المتنافسون هم الذين وقفوا وراء اغتيال عبد الله عزام، عراب حركة العرب الأفغان، في العام 1989. كما حاول جهاديون آخرون قتل أسامة بن لادن نفسه خلال الفترة التي قضاها في السودان. وظهرت القاعدة كحركة منشقة عن القضية العربية-الأفغانية الأوسع، وواجهت في كثير من الأحيان صعوبة في العمل مع نظرائها الجهاديين، ناهيك عن السيطرة عليهم.
ثم خلال عقد التسعينيات، وبعد هجمات 11/9، تمكنت القاعدة من توحيد العديد من فروع الحركة الجهادية الحديثة. وكان لديها في كثير من الأحيان وصول إلى تمويل يعتد به وسيطرت على معسكرات التدريب في باكستان وأفغانستان. وقد أرادت حتى الجماعات التي لم تكن تشاركها رؤيتها الحصول على المال وتحسين كفاءة أعضائها. ومكنت تلك السيطرة تنظيم القاعدة من توجيه المجندين نحو عملائهم المرغوبين، بطريقة مكَّنت الجماعات ذات الفكر المتشابه داخل البلد المعنيّ من أن تصبح أقوى وأكثر قدرة على التبشير، بحيث تجمعت المجموعات المختلفة معاً حول رؤية مشتركة. كما أن فلسفة بن لادن وشخصيته كانتا غير عاديتين. كان رجلاً كارزمياً، وإنما متواضعاً أيضاً. ولم يكن يسعى إلى أن يتملقه المحيطون بقدر ما كان يلهم الذين حوله: في مزيج مثالي لتوحيد حركة مليئة بالشخصيات القوية والمتحمسة. كما أن الهجمات على الولايات المتحدة، بطبيعة الحال، منحت المجموعة مكانة يعتد بها، والتي جلبت لها المزيد من المجندين والمزيد من التمويل. وأخيراً، صنعت الولايات المتحدة بعد هجمات 11/9 حلفاً لجهود مكافحة الإرهاب، والذي قاد -على نحو مفهوم- إلى ضم العديد من فروع الحركة الجهادية المختلفة معاً، بالنظر إلى كثرة الأهداف المشتركة بينها وإلى تدريبها المشترك، بطريقة دفعت الجهاز الخارجي للمجموعة (خاصة المكونات المتواجدة في أفغانستان والباكستان) إلى التجمع معاً لغاية الحفاظ على الذات.
الآن، أصبحت مجموعة القاعدة نفسها تقف على الجانب الدفاعي؛ حيث تضاءل الكثير من -وإنما ليس كل- تلك العوامل. ربما ما تزال القاعدة تمتلك معسكرات تدريب في منطقة الباكستان وأفغانستان، لكن جهود الجيش الباكستاني وحملة الاغتيالات بالطائرات من دون طيار تجعل من هذه المعسكرات مجرد ظل لما كانت المجموعة قد أسسته في حقبة ما بعد 11/9. وبالمثل، تضاءل وصول القاعدة إلى التمويل والتجنيد على حد سواء. ويفتقر أيمن الظواهري إلى نوع الكاريزما التي كان يمتلكها أسامة بن لادن وشخصيته التصالحية. وتحت قيادته، تراجعت المكانة الكلية للمجموعة، حيث تقترب الإنجازات العملياتية لمجموعة التنظيم المركزية في السنوات الخمس الماضية من الصفر تقريباً.
فيما وراء هذا التراجع، يستند الانقسام إلى فروقات أساسية في الأيدلولوجية والاستراتيجية. ومع أن كلا من مجموعتي القاعدة و”الدولةالإسلامية” تتقاسمان رؤية أساسية بعيدة المدى عن عالم تحكمه الشريعة الإسلامية، فإنها تختلفان بشكل كبير حول الأولويات. ففي حين يمنح أبو بكر البغدادي و”الدولة الإسلامية” الأولوية لبناء دولة، ويتجاوزان معظم الأهداف الأخرى قبل ذلك، ما يزال الظواهري -في المقابل- يعطي الأولوية لمجابهة “العدو البعيد”، وما يزال متردداً في مسألة إقامة دولة قبل أن تنضج الظروف، مع أن الشعبية التي تحظى بها دولة “داعش” تقود القاعدة إلى إعادة النظر في فكرتها. وفي المناطق التي تحكمها، توجه القاعدة فروعها التابعة، مثل “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” و”جبهة النصرة”، إلى معاملة الأقليات معاملة حسنة، مقارنة بتعامل “داعش” على الأقل، وإلى مصادقة الناس بشكل عام: في حين تؤكد “الدولة الإسلامية” النقاء الديني وتستخدم الرعب والإرهاب لفرض رؤيتها. كما تختلف القاعدة و”داعش” أيضاً على ما إذا كان ينبغي التركيز على الحرب ضد الشعية، وعلى مدى التعاون مع الجماعات غير الجهادية. وأخيراً، يعتنق البعض في “الدولة الإسلامية” رؤية نهاية العالم التي تنظر إليها مجموعة القاعدة بازدراء.
مع ذلك، وعلى المدى القصير، من المرجح أن الكثير من الجهاديين –خاصة المرتبطين بالمجموعتين الراسختين وأعلنوا الولاء لواحدة منهما- سوف يعملون معاً أو ينتقلون من إحدى المجموعتين إلى الأخرى اعتماداً على أيهما أكثر هيبة. وعلى سبيل المثال، تضمن الهجوم على صحيفة شارلي أيبدو الفرنسية بشكل أساسي مسلحين مرتبطين بمجموعة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكن حميدي كوليبالي –الذي أعلن الولاء لمجموعة “الدولة الإسلامية”- نفذ هجمات متزامنة، وكان على اتصال بمهاجمين من المجموعة المركزية للقاعدة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) في سان بيرناردينو، كاليفورنيا، كان مرتكبا الهجوم قد تطرفا على يد منظر القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أنور العوالقي، ثم غيرا ولاءهما بمرور الوقت فقط إلى “الدولة الإسلامية”.
مع ذلك، يبدو “داعش” في الوقت الحالي في صعود، حتى على الرغم من الانتكاسات المهمة التي مني بها أخيراً في مجال التجنيد. ويمكن أن يفضي استمرار تقاعس القاعدة عن العمل، مصحوباً بالتقدم المحتمل لمجموعة “الدولة الإسلامية” إلى التسبب بانشقاقات معيقة عن القاعدة، وخسرانها المزيد من التمويل. وسيكون من شأن وفاة الظواهري، الذي ليس له خليفة واضح، أن تجعل تحقق هذا التصور أكثر احتمالاً. وعلى العكس من ذلك، ربما تفضي النجاحات التي تحرزها فروع القاعدة، مثل “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” و”جبهة النصرة”، إلى استعادة التوازن بين المجموعتين. وسواء كانت الوحدة أو الانقسام هي المسجلة في بطاقات المستقبل، فإن الحركة ككل تبقى قوية -وخطيرة.

ترجمة:علاء الدين أبو زينة

 صحيفة الغد