اجتماع أوباما مع أردوغان: “تحسن طفيف” في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا

اجتماع أوباما مع أردوغان: “تحسن طفيف” في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا

obama-erdogan-turkey-summit-639x405

اجتمع الرئيس أوباما مع الرئيس أردوغان في نهاية الأسبوع المنصرم للمرة الأولى منذ محاولة الانقلاب الفاشلة. فكيف تقيّم ذلك الاجتماع؟ وما أهمية هدف أوباما الذي يبدو أنه يقوم على محاولة تلطيف أجواء العلاقات مع تركيا من خلال عدم التطرق إلى حملة القمع، والتعهد بدلاً من ذلك بتقديم الدعم الكامل لأردوغان والمساعدة في مثول مدبري الانقلاب أمام العدالة؟

چاغاپتاي: إذا نظرنا إلى لغة جسد أردوغان وقارناها مع ما كانت عليه عندما اجتمع مع نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، نلاحظ أنه كان أكثر تحفظاً بقليل مع بايدن. وأعتقد أن الاجتماع تكلل بالنجاح، إذ عكس ما يريده الرئيس التركي، أي بشكل أساسي رعاية حنونة ومحبة من الرئيس أوباما، لم يكن يحظَ بقدر كبير منها في الآونة الأخيرة.

لقد كانت هناك خلافات بينهما حتى قبل محاولة الانقلاب الفاشلة، بدءً من تجاوزات أردوغان في الشؤون الديمقراطية ووصولاً إلى السياسة التركية تجاه سوريا. لكن أردوغان يرى أن الانقلاب لا يشكل هجوماً عليه فحسب، بل على النظام الدستوري في تركيا، فضلاً على برلمانها وشعبها. فمدبرو الانقلاب لم يحاولوا فقط اغتيال أردوغان، وفشلوا بذلك، ولكنهم قصفوا أيضاً برلمان البلاد وعاصمتها. لذلك، كان هذا الانقلاب عبارة عن حدث أليم، وأعتقد أن كَوْن أول اتصال هاتفي تلقاه الرئيس التركي من رئيس دولة يُطمئن عليه بعد محاولة الانقلاب كان من [الرئيس الروسي] فلاديمير بوتين، قد لفت الانتباه. فهذا التقارب التركي-الروسي، الذي كان قد بدأ بالفعل قبل محاولة الانقلاب الفاشلة، سارع فعلياً من هذه العملية.

أعتقد أن أردوغان أراد فعلاً عقد هذا الاجتماع مع أوباما. فخلال الاجتماع وبعده، لم يذكر الرئيس الأمريكي سوى دعمه لتركيا ولم يذكر، وسط استياء بعض نقاد أردوغان، الاعتقالات الجماعية التي جرت في تركيا في أعقاب مؤامرة الانقلاب. أعتقد أن وقع الأمر أتى جيداً على نظيره التركي. بطبيعة الحال، فإن هجوم جرابلس، الذي كانت الولايات المتحدة وتركيا تعملان على التخطيط له منذ سنوات، أتى بثماره أخيراً، وهو أمر غير مستغرب. وأخيراً، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») لا يتشارك الحدود مع تركيا حليفة “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”).

هذه كلها أخبار سارة. لذلك نشهد تحسناً طفيفاً في العلاقة، بعد مضي مدة طويلة جداً لم نشهد خلالها أي تحسن، لذلك يعتبر الأمر هاماً جداً.

موقع “سايفر بريف”: ما رأيك بقول أردوغان إنه “ليس هناك من إرهابي جيد أو إرهابي سيئ”، وخاصة في السياق الكردي؟ هل تعتقد أن هذا القول كان ذي أهمية في مثل هذه الساحة العالمية؟

چاغاپتاي: أعتقد أنه كان يصرّح برأيه القائل بأن تركيا تعتبر كل من «حزب الاتحاد الديمقراطي» و تنظيم «الدولة الإسلامية» منظمة إرهابية. ويُظهر ذلك أن تركيا لا تغيّر سياستها تجاه الحزب. فهي تعتبر أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» يشكلان أساساً المنظمة نفسها، ولن تغيّر موقفها في هذا الصدد.

في رأيي، إن التوغل التركي في سوريا، جمّع حقاً العديد من أهداف تركيا، كما بيّن أن الأهداف في سوريا تخضع لعملية إعادة توازن أو إعادة تحوّل. فعلى مدى خمس سنوات تقريباً، حاولت تركيا بشكل منفرد الإطاحة بنظام الأسد، لكنها لم تنجح بذلك.

إلا أن تركيا أبقت على هذا الهدف، على الرغم من أن فئة كبيرة من بقية العالم تخطته ومضت قدماً. من جهتها استمرت تركيا بالتزامها به، عبر توفير المساعدات للثوار وتجاهل، أو على الأقل، تأخير التعامل مع القضايا الأخرى، سواء تنظيم «الدولة الإسلامية» أو غيره من التهديدات القادمة من سوريا.

ويُعتبر هجوم جرابلس، الذي استولى فعلياً على معبر حدودي رئيسي كان في أيدي تنظيم «الدولة الإسلامية»، سابقة في تولي تركيا زمام الأمور في سوريا بنفسها. ولكن لا بد من الإشارة أيضاً إلى أنه بينما تسيطر تركيا على جرابلس بعد أن انتزعتها من يد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتدفع بالتنظيم بعيداً عن الحدود التركية، فهي تعيق في الوقت نفسه تقدم «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا. ومما يثير اهتماماً كبيراً هنا هو أن هذين الهدفين يخدمان بعضهما البعض في الوقت الراهن.

موقع “سايفر بريف”: ما الذي يمكنك قوله حول استراتيجية تركيا في ضوء العملية الحالية التي تقودها في سوريا؟

چاغاپتاي: بينما تستولي تركيا على الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، فهي تضمن أيضاً عدم قيام «حزب الاتحاد الديمقراطي» بتشكيل ممر في شمال غرب سوريا. ولا تزال تركيا ملتزمة بهدف الإطاحة بالأسد، ولكن ليس في هجوم جرابلس. لذا فإن الهجوم لا يضعف في الواقع مكانة الأسد بأي شكل، لكنه يعزز من وجود المتمردين السوريين لأنه يوفر لهم ملاذاً آمناً بحكم الأمر الواقع، وهو ما كانت تركيا تطالب به منذ فترة طويلة جداً. ولذلك ففي النهاية، أعتقد أن هذا الهجوم يظهر أن لتركيا ثلاثة أهداف بنفس القدر من الأهمية في سوريا، وهي تخدم بعضها البعض.

لذلك، تستولي تركيا على جرابلس، وتدفع تنظيم «الدولة الإسلامية» بعيداً عن الحدود أولاً، وتمنع «حزب الاتحاد الديمقراطي» من السيطرة على تلك المدينة وشق ممر كردي ثانياً، وتحوّل جرابلس إلى ملاذ آمن للثوار المدعومين من تركيا ثالثاً. بهذه الطريقة أظن أنهم جمعوا الأهداف الثلاثة في هجوم واحد.

موقع “سايفر بريف”: يوم الإثنين قال أردوغان أيضاً إنه طرح فكرة إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، وذلك خلال لقاءاته مع كل من بوتين وأوباما، وأن تركيا تحاول حالياً العمل مع روسيا في محاولة للتوصل إلى وقف محتمل لإطلاق النار في حلب بحلول 12 أيلول/ سبتمبر. ما رأيك بهذه الجهود الخاصة التي يبذلها الرئيس التركي؟

چاغاپتاي: أعتقد أن هذا الهدف أصعب تحقيقاً، حيث أن منطقة الحظر الجوي ستحتاج إلى مباركة روسيا ودعم الولايات المتحدة على حد سواء… يجب أن توافق عليها روسيا كما يتعيّن على الولايات المتحدة تقديم الدعم لها. فبعد أن راقبت سياسة البيت الأبيض تجاه سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث قام البيت الأبيض بإغلاق الباب أمام كل فكرة تتعلق بإقامة منطقة حظر جوي، لا أرى سبباً يدفع بالولايات المتحدة إلى دعم هذه الفكرة حالياً. يمكن للمرء القول إن هناك بالفعل وبحكم الأمر الواقع مناطق حظر جوي لأن الولايات المتحدة قدمت غطاءً جوياً لحلفائها في سوريا، ولكن أعتقد أنه من المبالغة أن نعتقد أن الإدارة الأمريكية ستوافق على إقامة منطقة حظر جوي أو ملاذ آمن بحدود مرسومة، يكون معترفاً به دولياً، بدلاً من الإعلانات المخصصة للملاذات الآمنة لهذه الجماعة أو لتلك المنطقة. أعتقد أن هذا ما يريده أردوغان، لأنه يرغب حقاً في استخدام المنطقة التي استولى عليها بين جرابلس وأعزاز لتحويلها ليس فقط إلى نقطة انطلاق للثوار المناهضين للأسد، بل أيضاً إلى حزام أمان وحاجز وقائي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فضلاً عن مكان لاستضافة اللاجئين.

إذا سقطت حلب التي تضم حوالي 100 ألف شخص بأيدي النظام، سيفر الكثير من هؤلاء السكان. وأعتقد أن تركيا تريد نقل بعض اللاجئين الذين هم بالفعل داخل تركيا إلى الجانب السوري من الحدود.

بالنسبة لي، أهم عامل هنا هو أن هجوم جرابلس يظهر أن تركيا تنتهج أخيراً ما يسمى بالنموذج الأردني في سوريا. والسؤال هنا ما هو النموذج الأردني؟ بعد أن استقبل الأردن ما يقل قليلاً عن مليون لاجئ، قرر العاهل الأردني في وقت مبكر أن هذا النهج لا يشكل المقاربة الصحيحة التي يجب اتباعها. فقد أدرك أنه إذا تُرك الباب مفتوحاً سيأتي عدد أكبر [من اللاجئين] الأمر الذي سيزعزع استقرار البلاد مما سيؤدي إلى إدخال الحرب السورية إلى الأردن. لذلك قرر أن يضع نموذجاً أردنياً على الشكل التالي: الحفاظ على اللاجئين على الجانب السوري من الحدود، وتلبية احتياجاتهم عن طريق المنظمات غير الحكومية والوكالات الإنسانية الدولية، وعقد اتفاق ضمني غير مكتوب مع الحكومة السورية بعدم استهدافهم، مقابل عدم عبور اللاجئين و/ أو المتمردين إلى الأردن واستخدامها  كنقطة انطلاق لمحاربة النظام. وبالتالي، إذا مضت تركيا قُدماً في اعتماد النموذج الأردني، وهو المسار الذي أعتقد أنها تنتهجه، فإن ذلك يعني إقامة ملاذ آمن على الجانب السوري من الحدود حيث سيتم استضافة اللاجئين السوريين، وحيث يمكن أن تبقى تدفقات اللاجئين في المستقبل. وبطبيعة الحال، سيتطلب ذلك إصدار نظام الأسد الأوامر بأنه يتوجب على روسيا احترام هذا الملاذ الآمن غير المعلن، والذي يرتبط إلى حد كبير فيما إذا كانت تركيا ستعتمد النموذج الأردني بشكل تام، أي عدم إعطاء المتمردين ملاذاً آمناً أو نقطة انطلاق في الأراضي التركية.

سونر جاغايتاي

معهد واشنطن