ان التغيرات التي حصلت في بنية النظام السياسي في العراق بعد عام 2003 اثرت على التركيبة البنيوية للاقتصاد بشكل واضح، خصوصا مزاد العملة الذي كان له الحصة الكبرى في هذا التغير. وتختلف آراء الشخصيات الاقتصادية في العراق حول ايجابيات وسلبيات مزاد العملة الذي ينظمه البنك المركزي منذ عام ٢٠٠٤، اذ انقسموا بين مؤيد يرى أنه محاولة لسرقة المال العراقي وتهريبه إلى الخارج، ورافض لذلك مؤكدا أنه يسهم في استقرار سعر صرف الدولار أمام الدينار.
ان الفساد الاقتصادي موضوع معقد وشائك ومتعدد الاوجه والجوانب، وقد اختلف معظم الباحثين الاقتصادين حول تحديد مشكلة الفساد كونها كبيرة، ومرتبطة بفساد سلطوي سياسي، ولقد كثرت مسمياته، فهناك (الفساد المالي) الذي يعكس قيام الجهات الفاسدة بمخالفات مالية واضحة الغرض منها الحصول على الأموال بطريقة غير شرعية، تؤدي إلى الهدر في الأموال العامة.
وقد حصل مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية على وثائق مهمة فيما يتعلق بمزاد العملة الأجنبية في العراق صادرة عن ديوان الرقابة الاتحادي “دائرة تدقيق نشاط التمويل والتوزيع”، والمرسلة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء “دائرة شؤون اللجان”، وجميع هذه الوثائق تفيد بان هناك اشخاصا معينين، ومصارف محددة تتم عمليات البيع والشراء وتهريب العملة من خلالهم خارج البلد، وهذا من الفساد الاقتصادي الذي ينهش بجسد العراق المنهك رغم انه اصلا يعاني ازمات اقتصادية خانقة، واوصلوا البلاد للاستدانة من صندوق النقد الدولي لتغطية النفقات.
عضو اللجنة المالية في البرلمان، الدكتورة ماجدة التميمي تحدثت لقناة التغيير / برنامج الشارع العراقي ، بأسف كبير عن مزاد العملة في العراق مبينة انه البلد الوحيد في المنطقة الذي يقوم ببيع الدولار عن طريق مزاد علني، وهذا ما يؤثر بشكل سلبي على اقتصاده، لأن معظم إيرادات النفط تذهب إلى الخارج عن طريق الاستيرادات الوهمية”، وتعد اللجنة المالية في البرلمان من أشد المعارضين لبقاء مزاد العملة، وحاولت بعدة طرق إلغاءه، عبر نشر رئيس اللجنة العديد من الوثائق التي تؤكد وجود فساد بعمل المزاد الذي يجري بالتنسيق مع جهات سياسية ومصارف خاصة وشركات وهمية، ولكن جميع هذه المحاولات لم تؤد إلى إلغائه،
ونبهت عضو اللجنة إلى أن “مزاد العملة استنزاف للعملة الصعبة؛ لأنه تجري فيه أعمال وهمية خصوصاً أن لجان الاقتصاد والمال والنزاهة في البرلمان بالإضافة إلى هيئة النزاهة لم تكتشف أي ملف فساد في عمل المزاد لتوصله إلى الجهات المسؤولة عنه. إذ يبين الواقع أن هناك أسماء سياسية كبيرة متورطة به وحامية لنفسها من خلال نفوذها السياسي”، لافتةً إلى أن “الذين يتحدثون عن مزاد العملة في وسائل الاعلام تلقوا تهديدات عديدة.
وقد بلغت مبيعات الدولة من العملة الاجنبية ( الدولار) من 1 /10/ 2003- 10/11/2016 اربعمائة وثمانية مليارات وثمانمائة وخمسة وسبعين (408,875) مليون دولار، بهدف الاستيرادات لاحتياجات البلد للاستثمار والتنمية اقتصادية، وذلك حسب الكتب والوثائق الرسمية التي اشارت اليها التميمي… ولكن الحقيقة تكمن بان نسبة الاستيرادات الفعلية لا تشكل حتى نسبة 15% هذا يعني لو قمنا باحتساب المبالغ المباعة في المزاد المزعوم الى نسبة الاستيرادات الحقيقية لوجدنا انها تساوي 61,3 (مليار دولار) اذن نصل الى سؤال مهم، وهو: اين ذهب الفرق بين العملة المباعة وقيمة الاستيرادات الفعلية وقيمة الفرق تبلغ ( 347 ) مليار دولار ؟؟ واين اختفت هذه المليارات، ومن المسؤول عن ذلك؟ ومن هم المافيات الحقيقية وراء المزاد؟؟ هناك اشخاص بعدد اصابع اليد الواحدة يتلاعبون بقيمة الدولار وهؤلاء المافيات المتنفذون يعملون بشكل جريمة منظمة ولديهم سيطرة على مصارف معينة، وهذه المصارف لديها شركات تحويل وبهذه الطريقة تهرب الاموال خارج العراق بأسماء عديدة وشركات عدة لكنها بالحقيقة تعود لاشخاص محددين .
وكشفت بعض الوثائق تقارير اللجنة السائدة ( ص 1-12 ) لمجلس الوزراء / دائرة شؤون اللجان بتدقيق الاضابير الخاصة بجلسات مزاد الدولار في البنك المركزي العراقي لسنة 2010 ، وتبين التالي :
- تدقيق الاضابير حسب التعليمات والتعاميم والمنشورات المتوفرة لدى اللجنة .
- عدد الجلسات لمزاد العملة الاجنبية 242 جلسة خلال السنة .
- بلغ اجمالي مبيعات البنك المركزي من الدولار المعلنة خلال سنة 2010(ستة وثلاثين مليار دولار ومئتين وستين مليون واثنين وثلاثين الف(36,260,032 ) دولار، موزعة على نوعين
- ( بيع نقدي ) وقيمته 2,193,797 ملياران ومائة وثلاثة وتسعون مليون وسبعمائة وسبعة وتسعون الف دولار.
- البيع عن طريق الحوالات وقيمتها 34,066,735 (اربعة وثلاثون مليار وستة وستون مليون وسبعمائة وخمسة وثلاثون الف دولار) .
المؤشرات التي تم رصدها في التقرير نفسه .. من أصل 242 جلسة لمزاد العملة الاجنبية أجريت 212 فقط يعني ان هناك 30 جلسة مفقودة ، ولم يتم احتساب المصاريف الاضافية المترتبة على المصارف من قبل البنك المركزي التي تبلغ قيمتها 10 دنانير عراقية لكل دولار عن المبالغ المباعة نقدا في مزاد الدولار، وان طلبات شراء الدولار من مزاد العملة يتم تقديمه في يوم المزاد نفسه، وهذا مخالف لكتاب البنك المركزي العراقي / المديرية العامة للرقابة على التحويل الخارجي، لم يتم ارفاق كشف تحليلي للمبالغ التي تم شراؤها من المزاد من قبل بعض المصارف لصالح شركات الصيرفة وشركات التحويل المالي ومكاتب الصيرفة التابعة للمصارف وهذا مخالف ، عدم اكتمال اجراءات الضبط الداخلي من خلال قيام البنك المركزي / لجنة بيع وشراء العملة باستلام الطلبات (وارد) وانما يتم الاستلام مباشر من قبل اللجنة .
وقيام بعض شركات التحويل المالي وشركات الصيرفة بشراء الدولار من مزاد العملة عن طريق اكثر من مصرف لنفس الجلسة الواحدة ، وتوقيع محاضر لجنة البيع والشراء من قبل رئيس اللجنة التنفيذية فقط عوضا عن بقية الاعضاء وهذا مخالف ، وتكرار اسماء الزبائن عن طريق اكثر من مصرف لشراء العملة للاشخاص انفسهم، وفي الجلسة ذاتها لتفادي تقديم قائمة تجارية اصولية وبراءة ذمة صادرة من الهيئة العامة للضرائب، وعدم تقديم الاوراق الثبوتية مثل ارفاق نسخ مصورة من جواز السفر مع معاملات مزاد العملة الاجنبية للبيع النقدي من قبل بعض المصارف وهذا ايضا مخالف، وعدم تثبيت لجنة البيع والشراء عبارة (عدم اجراء المعاملة الا بعد التأكد من توفر الرصيد لدى المصرف ) على استمارة البيع والشراء للعملة.
وخلافا للتعليمات ايضا قيام اللجنة التنفيذية لبيع وشراء العملة على تحويل مبالغ لصالح زبائن بعض المصارف ، واستبعاد اللجنة بعض المصارف مثل شركة الامين للصيرفة والتحويل المالي التي قدمت طلب شراء نقدي عن طريق مصرف الرشيد بمبلغ (50,000) خمسين الف دولار بحجة عدم تقديم كشف تحليلي وبعد التدقيق اكتشف وجود الكشف المطلوب !، وتسهيل عمل اخرى لاسباب غير واضحة رغم انها غير مستكملة لأوراقها القانونية، ولم تقدم كشفا تحليليا حسب هامش اللجنة المثبت على معاملة الشراء مثل شركات(المتحدة للتحويل المالي، النوادر للصيرفة ، سبأ للصيرفة)! ،مصرف الشمال لم يقدم قائمة تجارية اصولية الخاصة بالزبون ( حسين سليم حسين ) وهذا كذلك مخالف، وقيام بعض المصارف باستحصال تعهدات خطية من زبائنهم عوضاً عن المستندات ، واثبتت الكشوفات التحليلية انه تم توديع بعض المبالغ نقدا ولمبالغ تزيد على (10,000)عشرة الاف دولار وهذا ما قام به مصرفا (الرشيد والمتحد)، من خلال التدقيق لاحظنا قيام شركة الفيض للصرافة بالشراء عن طريق المصرف المتحد للاستثمار لصالح شركات واشخاص (معنويين ) اي ليس افراد حقيقين وهذا مخالف، لم يتم تثبيت المبلغ المطلوب للشراء لا رقمأً ولا كتابةً مثلما فعلت شركة المورد للصيرفة وهذا مخالف ، ولاحظنا في بعض الاستمارات عدم وجود أختام على طلبات البيع والشراء المقدمة الى اللجنة، وعدم ارفاق اقرار صادر من مصرف بغداد ضمن مرفقات طلب الشراء مثبت به ان المعلومات الواردة في الكشوفات صحيحة والعملاء المذكورون معروفون وفق مبدأ عرّف عميلك، قيام شركة (عراقنا للتحويل المالي) بتقديم طلبات شراء للدولار عن طريق بعض المصارف متعلقة باستيرادات تخص (دوائر حكومية ) وكل ما ذكر هو مخالف …ان الفرق بين سعر الدولار الذي يبيعه البنك المركزي ( 1089) دينار، ويباع في السوق بسعر ( 1310) دينار، وهذا الفرق في قيمة البيع والشراء زاد من المضاربين على الشراء وبالتالي زيادة الطلب، وارتفاع الاسعار كنتيجة حتمية لذلك.
ورغم وضوح ومعرفة البنوك المشتبه بسياسة ادارتها والتصرف بودائع زبائنها مثل (مصرف الشرق الاوسط ، الهدى، البلاد الشمال ) الا انها مازالت موجودة في المزاد، اشارت الوثيقة الموجهة من البنك المركزي العراقي/ مكتب الابلاغ عن غسيل الاموال / قسم التدقيق والتحقيق العدد :2 تاريخ 7/4/2015 الى رئاسة الادعاء العام- دائرة المدعي العام ان المكتب لاحظ من خلال تحليل البيانات والمعلومات وجود تحويلات داخلية من مصرف الرافدين عبر نظام المدفوعات لتعزيز رصيد مصرف الهدى (شركة مساهمة ) للاشتراك في نافذة بيع وشراء العملة الاجنبية في الحساب الجاري لدى البنك المركزي العراقي حيث بلغت التحويلات 1,543,212 ( ترليونا وخمسمائة وثلاثة واربعين مليارا ومئتين واثني عشر مليون دينار للفترة من 2/2/2014 لغاية 20/6/2014 مع العرض ان حجم الحوالات الخارجية المنفذة للفترة اعلاه بحدود 1,802 ( مليار وثمانمائة و مليونين ) وقد تم اتخاذ عدد من الاجراءات والخطوات من قانون مكافحة غسيل الاموال رقم(93) لسنة 2004 ولم يتمكن المكتب من الحصول على اي تفسير واضح عن مصادر وسلامة هذه الاموال وجهة تحويلها.
هذا واشارت الوثيقة الموجهة من اللجنة المالية الى رئيس هيئة النزاهة
وموضوعها المخالفات والفساد في مزاد العملة في تاريخ 11/10/2015 العدد (740) تفاصيل احد البنوك التي تمارس تلك المخالفات والجرائم التي ترتكب من قبل مجموعة من البنوك واصحابها ومنها مصرف الهدى، حيث تشير الى ان : هناك ثلاث وثائق تخص المصرف، وهي: وثيقة مشترياته من البنك المركزي لغرض الاستيراد ، ووثيقة من مسجل الشركات تبين ان معظم الشركات غير مسجلة ما يشير الى مخالفات وتزوير هذه العملية، ووثيقة من مسجل الشركات تبين ان مؤسسي شركة الطيب للتحويل المالي، ومنهم السيد حمد ياسر محسن وهو الشخص الذي يدير مصرف الهدى ويمتلك اسهماً فيه اذ قام البنك المركزي بتحويل مشتريات بنك الهدى وتبلغ ( 6,455,660,368 ) (ستة مليارات واربعمائة وخمسة وخمسين مليونا وستمائة وستة وستين الفا وثلاثمائة وثمانية وستين دولارا) الى بنك الاسكان الاردني خلال سنوات 2012 , 2013 ,2014 والجزء الاول من سنة 2015 وتم التسجيل لحساب ثلاث شركات هي: الطيب للتحويل المالي، وشركةعراقنا للتحويل المالي، وشركة المهج للتحويل المالي. وعند التحري اتضح ان السيد حمد ياسر محسن اشترى الدولار من البنك المركزي بوثائق مزورة وحولها الى شركة يملكها ويتصرف بها كاملاً.
اما تسجيل مئات الشركات التجارية التي ليس لها اي مقر او موظفين وهدف هذه الشركات ان يتم من خلالها تنفيذ جرائم غسيل اموال وبالتالي تتمكن من فتح حسابات لهذه الشركات في عدة مصارف ، هذا ما كشف عنه عضو اللجنة الاقتصادية النائب هيثم الجبوري اذ اشار الى ارسال (15) خمسة عشر الف فاتورة شراء للعملة مزورة الى القضاء واكد ان عدداً كبيراً من الشركات التي حولت اليها الاموال وهمية فيما دعا الى تشكيل محاكم مالية مختصة بالامور المالية لتعليمات البنك المركزي العراقي، والجانب السلبي الاخر على الدينار العراقي في مزاد العملة، هو ان زيادة الطلب على الدولار في المزاد سيؤدي الى ارتفاع سعره؛ وبالتالي انخفاض قيمة الدينار العراقي، وهذا يعني انخفاض القيمة الشرائية للدينار، وادت الظروف السياسية والامنية دورا مهما في انعدام الثقة بالدينار ما زاد الطلب على الدولار بشكل اكبر من باب الاحتياط للمستقبل وهذا كله يضعف قيمة الدينار العراقي .
ان الاقتصاد العراقي ليس بمعزل عن حركة العالم الاقتصادية، اذ ان البنك الفدرالي الاميركي، وهو من المؤسسات الرقابية العالمية لحركة الدولار التي تستطيع تحديد اتجاه الاموال وطرق غسلها وجه تحذيرات الى ادارة البنك المركزي العراقي بشان مدى فاعلية القوانين المحلية تجاه الاهدار الكبير للعملة الاجنبية “، في حين ان البنك المركزي يعد الحديث بموضوع مزاد العملة من المحرمات، مكتفيا بإصدار بيانات بين فترة وأخرى توضح بعض القضايا العالقة به.
ان عدم حسم الالاف من ملفات الفساد من قبل القضاء العراقي وعملية تدوير الفاسدين على الوزارات الذين يتولون ادارة الوزارات ومفاصلها من (الاحزاب والسياسيين ) يشير الى وجود اتفاق ضمني بينهم لبقاء منظومة الفساد مستمرة والتي تتوافق مع مصلحتهم. وتفيد وثيقة موجهة بتاريخ 8/10/2015 من رئيس اللجنة المالية الى رئيس مجلس النواب، ووزير المالية، ولجنة النزاهة ان موضوع المزاد للعملة الاجنبية خطير جدا لان البنك المركزي العراقي يلجأ الى بيع الدولار من احتياطي البنك بعد ان اصبح دخل العراق من الدولار من مبيعات النفط اقل من بيع الدولار بالمزاد، واذا استمر الامرعلى هذا المنوال فان احتياطي العملة الاجنبية في العراق سيتعرض للخطر، ما يؤكد ان غياب قوة الدولة وغياب السياسة الاقتصادية افرزت هذا الفساد.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
تقرير قناة التغيير: الفساد وحيتان مزاد العملات يهددان مستقبل الدينار العراقي امام العملات الأجنبية – تقرير