خطر داعش في تونس ينحسر بعد عام من فشله في بنقردان

خطر داعش في تونس ينحسر بعد عام من فشله في بنقردان


تونس – بعد نحو عام من أكبر عملية نفذها تنظيم داعش الإرهابي في تونس، تبددت المخاوف أكثر من قدرته على التمركز في البلاد، وفق العديد من الخبراء.

ففي فجر 7 مارس 2016، نفذ مسلحون ينتمون إلى التنظيم هجوما استهدف ثكنات عسكرية وأمنية في مدينة بنقردان على الحدود مع ليبيا (جنوب شرق)، أسفر عن مقتل 49 مسلحا و12 من القوات الحكومية و7 مدنيين، وقررت السلطات حينها إغلاق المعابر الحدودية لدواع أمنية وفرض حظر ليلي للتجول واتهمت الحكومة التنظيم بمحاولة إنشاء “إمارة داعشية” في تونس.

وأشارت تقارير إعلامية نقلا عن خبراء أمنيين إلى أن عناصر داعش التي هاجمت تونس قدمت من مدينة صبراتة الليبية (تبعد 70 كلم عن الحدود الليبية التونسية)، بعد أن قامت طائرة أميركية باستهداف مركز لتجميع وتدريب الملتحقين الجدد به بالقرب من المدينة.

إلا أن وجود داعش في تونس برز قبل ذلك من خلال عدة أحداث أخرى، مثل الهجوم الإرهابي على متحف “باردو” في العاصمة في 18 مارس 2015، الذي أسفر عن مقتل 20 سائحا أجنبيا والهجوم على نزل “أمبريال” بمدينة سوسة (شرق)، مخلفا 39 قتيلا من السياح أغلبهم من بريطانيا.

وحاول داعش البحث عن ملاذ في الجبال الغربية لتونس بعد أن التحقت به عناصر منشقة من “كتيبة عقبة بن نافع” التابعة لتنظيم القاعدة والمتمركزة في جبال الشعانبي أساسا.

وبرز جبل “مغيلة” الممتد بين ولايتي القصرين (غرب) وسيدي بوزيد (وسط) كمجال لنشاط داعش، عندما هاجمت مجموعة تابعة لـ”جند الخلافة” الداعشية في 7 أبريل 2015 دورية للجيش التونسي في بلدة عين زيان التابعة لمنطقة سبيبة في القصرين؛ ما أدى إلى مقتل خمسة عسكريين وجرح أربعة آخرين.

المجموعات المسلحة المتحصنة بالجبال تفتقد للحاضنة الشعبية والدعم المادي خاصة بعد الضربات المتتالية التي تلقتها

ومع تواصل العمليات العسكرية تمكن الجيش التونسي يوم 19 مايو 2016 من قتل مؤسس مجموعة “جند الخلافة” سيف الدين الجمالي.

ورغم مقتل مؤسسها، عادت المجموعة إلى الظهور في بداية نوفمبر الماضي، بقتلها عسكريا برتبة رقيب كان غير مسلح أثناء قضاء إجازته في منزل أسرته بمنطقة الثماد التابعة لمعتمدية سبيطلة في القصرين.

وقال فرحات الحرشاني، وزير الدفاع التونسي، “إن الوضع الأمني تحسن والبلاد ستنتصر على آفة الإرهاب، ولا بد من حلول جذرية تنموية وثقافية وتربوية لمحاربته”.

وأكد بمناسبة حضوره موكب إحياء ذكرى أحداث بنقردان، الثلاثاء، على أهمية تماسك الدولة وتوحد الشعب في القضاء على الإرهاب الذي “يظل غريبا على ثقافتنا وهويتنا ولا علاقة له بديننا بل بمجموعات إجرامية لها علاقة بالمال والفساد وبجماعات ترغب في ترهيب تونس كبلد ديمقراطي لا يروق لهم نجاحها”.

وقال الهادي المجدوب، وزير الداخلية “إن الوضع الأمني مستقر عموما ولا وجود لما يثير القلق، رغم تواصل وجود تهديدات تتطلب مواصلة الحذر واليقظة”.

ويرى خبراء تونسيون أن هذه المجموعات المسلحة وإن مازالت تتمركز في الجبال فإنها تفتقد للحاضنة الشعبية في البلاد، كما تفتقر إلى الدعم اللوجستي خصوصا بعد الضربات المتتالية التي تلقتها وفشل أول محاولة عندما حاولت مجموعة في مارس الماضي إعلان إمارة “داعشية” ببنقردان، وتم القضاء عليها.

ويلاحظ الخبراء أنه رغم هذا التراجع فإن التهديدات الإرهابية في تونس لا تزال قائمة خصوصا وأن الجماعات المسلحة لم يبق لها سوى البحث عن ثغرات أمنية للتمركز في غياب الحاضنة الشعبية.

ويشكل خطر عودة التونسيين المقاتلين في صفوف داعش، هو الآخر، محور انشغال ليس فقط الأجهزة الأمنية في تونس بل المواطنين أيضا.

وبدأت تونس فعليا في استقبال أعداد منهم، ففي تصريحات سابقة له، قال وزير الداخلية التونسي الهادي المجدوب إن “عدد العائدين من بؤر التوتر يقدر بـ800 إرهابي”، مؤكدا أن “137 منهم يخضعون للإقامة الجبرية”.

كما منعت السلطات التونسية خلال 2016 نحو 4 آلاف شخص أغلبيتهم من العناصر المصنفة بـ”الخطرة” من السفر إلى الدول التي تشهد نزاعات مسلحة.

ولاحظ مختار بن نصر العميد المتقاعد بالجيش التونسي أن “الوضع الأمني في البلاد يشهد استقرارا منذ فترة”، معتبرا أن “الوضع تحت السيطرة حاليا مقابل تقهقر وتراجع داعش في الأشهر الأخيرة”.

ويفسر بن نصر هذا التراجع “بالقضاء على عدد كبير من الإرهابيين في مدينة سرت الليبية (450 كلم شرق طرابلس) في الآونة الأخيرة، ما أدى إلى تحولهم إلى الجنوب الليبي ثم توجههم إلى مالي والنيجر للبحث عن ملاذ آمن، وآخر معاقلهم حاليا في الموصل والرقة كما أنهم يتلقون يوميا ضربات متتالية من المجموعة الدولية”.

واعتبر أن “المجموعات الإرهابية تستمد بقاءها من خلال أعمال القرصنة والمضاربات والتهريب والمخدرات وغيرها”، مشيرا إلى أن “استمرارية التنظيم من عدمه مرتبط بالوضع الدولي”.

ولفت بن نصر إلى أن “هجوم بنقردان في مارس الماضي كان درسا لداعش جعلهم يوقنون أن الوجهة التونسية ليست وجهة آمنة بالنسبة إليهم، فضلا عن غياب حاضنة شعبية، كما أن قدرات الأمن والجيش التونسيين كانت أكبر من توقعاتهم، إضافة إلى تفكيك العشرات من الخلايا ووضع اليد على مخازن للأسلحة ويقظة المجتمع المدني التونسي، وهذا ما سيدفعهم إلى البحث عن ملاذ آخر”.

واستدرك قائلا إنه “برغم هذا التراجع فإن التهديدات تبقى قائمة فيمكن تسلل هذه المجموعات في أي وقت”.

ويعتبر يسري الدالي الخبير في الشأن الأمني التونسي أن “داعش ليس تنظيما قائما بذاته في تونس ولا يوجد نشاط رسمي له، لكن هناك تونسيين بايعوا هذا التنظيم على غرار أنصار الشريعة”.

العرب اللندنية