في قمة العشرين.. العالم لم يعد يتطلع إلى القيادة الأميركية

في قمة العشرين.. العالم لم يعد يتطلع إلى القيادة الأميركية


واشنطن- بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارة صعبة إلى أوروبا مغردا خارج سرب الحلفاء التقليديين وبذل جهودا كبيرة لإظهار أن الاستراتيجيات غير التقليدية حيال روسيا والصين قادرة على تحقيق نتائج.

ووعد ترامب منذ أن نال ثقة الحزب الجمهوري كمرشح للسباق الرئاسي للبيت الأبيض بتحسين العلاقات مع المحور الروسي والصيني. منتقدا استراتيجية باراك أوباما الرئيس الأميركي الأسبق عن الحزب الديمقراطي، متعهدا “بإزالة الصدأ عن السياسة الخارجية الأميركية”.

وقال ترامب منتقدا السياسة الخارجية لاوباما آنذاك “إن الرئيس الديمقراطي ترك الصين تستغل الولايات المتحدة وأخفق في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”. لافتا إلى سعيه “توظيف الثقل الاقتصادي الأميركي لإقناع الصين بكبح جماح البرنامج النووي الكوري الشمالي”.

وفي ما يتعلق بالعلاقات الروسية الأميركية التي توترت بشأن العديد من القضايا، من بينها دعم روسيا للرئيس السوري بشار الأسد، قال ترامب إنه يمكن “تخفيف التوتر في العلاقات مع روسيا من موقف قوة”.

وأثارت توجهات الرئيس الأميركي الخارجية مخاوف الحلفاء الأوروبيين خاصة أن ترامب أكد على قوله إن “حلفاء الولايات المتحدة انتفعوا من مظلة الدفاع الأميركي ولكنهم لم يدفعوا حصتهم المادية العادلة مقابل ذلك”.

الخطر الأكبر لخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو في أنه يبدأ بتقسيم أوروبا إلى أوروبا قديمة وأخرى جديدة
كما أنه شدد على اتخاذه موقفا مغايرا لمواقف أميركية سابقة بشأن قضايا مثل التجارة الحرة والتغير المناخي. واعتبر قادة دول العالم الحر أن في تولي رئيس ذي توجه شعبوي محافظ، قيادة الولايات المتحدة تقويضا للقيم الأوروبية الحرة وبداية بروزالانقسامات بالعالم الغربي، عقب ما أبانه ترامب من مواقف انعزالية مثيرة للقلق.

لكن ترامب الذي يواجه حملة تشكيك لفوزه الرئاسي بسبب اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية، حاول جذب الحلفاء الأوروبيين نحو برنامجه الاقتصادي والسياسي وإقناعهم بضرورة الدفع بالعلاقات الثنائية والتاريخية، غير أن محاولاته باءت بالفشل خاصة في ما يخص اتفاق المناخ والتجارة الحرة.

وبدا لافتا في قمة العشرين محاولة ترامب تخفيف حدة الخطاب تجاه الحلفاء والمنافسين على حد سواء، ففي تصريحات كان يفترض أن تتمحور حول سيدات الأعمال تحول خطاب ترامب إلى “مونولوج” حول مزايا إيفانكا وإخفاقاته كوالد. وقال ترامب “لو لم تكن إيفانكا ابنتي لكان الأمر أسهل بالنسبة إليها. ولعل ذلك هو الأمر السيء الوحيد الذي أصابها”.

وتبادل رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ضحكات أشبه ما تكون بالإقرار بأن نظراء ترامب ليسوا واثقين من كيفية التعاطي مع الرئيس السبعيني. وطغى خلال الاجتماع شعور بأن الرئيس الأميركي، قائد “الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها”، قد بدل موقعه، “تاركا للآخرين مهمة اللحاق به” .

البدء مع الأصدقاء

في وارسو، المحطة الأولى من رحلة تستمر أربعة أيام، سعى ترامب إلى إعادة تأكيد موقعه كقائد للعالم الحر. وكملك يتقدم فرسانه على الجبهة، أطلق ترامب جرس الإنذار ضد الإرهاب والبيروقراطية واصفا إياهما بعدوتي الحضارة المسيحية.

وأكد ترامب وقوفه إلى جانب الحلفاء بتأكيد التزامه بمعاهدة حلف شمال الأطلسي حول الدفاع المشترك في ما يشبه الرد على مطالبات بموقف واضح من التحالف. ويقول توماس رايت من معهد بروكينغز “ليس من قبيل الصدفة آن يدلي (ترامب) بخطابه هذا في بلد حكومته محافظة ومشككة في الاتحاد الأوروبي”.

وأضاف رايت أن “الخطر الأكبر لخطاب ترامب هو في أنه يبدأ بتقسيم أوروبا إلى أوروبا قديمة وأخرى جديدة، أو إلى فريقين: من يروق لهم ترامب وخطابه ومن لا يروق لهم”.

ويقوّض ترامب نفسه بادعائه بأنه حامي القيم الغربية وبهجماته ضد حرية الصحافة وتقليله من أهمية التدخل الروسي في الانتخابات. وفي قمة مجموعة العشرين في هامبورغ ظهر ترامب مجددا خارج الإطار السياسي. ففي البيان المشترك بدت الولايات المتحدة خارج تجمع القادة العالميين: ففي المعركة ضد التغير المناخي أيدت 19 دولة الاتفاق ووحده ترامب عارضه.

أيديولوجيا ترامب المتشددة جعلته يغرد خارج السرب السياسي
وقال غاري كون المستشار الاقتصادي لترامب “من الصعب أن يتفق عشرون صديقا على مكان لتناول العشاء معا”. كذلك تعرضت جهود ترامب لإعادة العلاقات مع المنافسين إلى نكسة.

الاتفاق الروسي الأميركي

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي كانت تنتظر قمة مجموعة العشرين، إلا أن الحدث الأبرز ظلّ اللقاء الأول الذي جمع ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ففي اجتماع تاريخي استغرق ساعتين وربع الساعة مع نظيره الروسي بوتين وافق ترامب عمليا على وضع قضية التدخل الروسي في الانتخابات في 2016 خلفه، في تنازل لمصلحة موسكو.

وأكد الرئيس الأميركي الأحد، أن الوقت قد حان للعمل “بشكل بناء” مع موسكو، لكنه استبعد تخفيف العقوبات الأميركية عن روسيا، مع بقاء البلدين على خلاف حول أزمتي سوريا وأوكرانيا.

وقال في سلسلة من التغريدات بعد عودته من أوروبا أنه قد واجه نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول الأدلة التي جمعتها وكالات الاستخبارات الأميركية المتعلقة بتدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وذلك خلال لقائهما الأول الجمعة في هامبورغ.

وفي الوقت الذي رحب فيه بالاتفاق على بدء وقف لإطلاق النار في سوريا، قال ترامب إنه من السابق لأوانه التفكير في تخفيف العقوبات الأميركية على روسيا “حتى حل المشاكل في أوكرانيا وسوريا”.

وقال ترامب “مارست ضغوطا شديدة على الرئيس بوتين مرتين بشأن التدخل الروسي في انتخاباتنا” خلال الاجتماع على هامش قمة العشرين، مضيفا “هو نفى ذلك بشكل قاطع، وأنا سبق وأن أعطيت رأيي”.

وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين “بعد حديث مطوّل في هذا الشأن اتفقا على المضي قدما لبحث قضايا أخرى”. إلا أن ذلك لم يؤت نتائج ملموسة أخرى باستثناء التوصل إلى اتفاق حول منطقة خفض التصعيد في سوريا.

ويأمل مسؤولون في أن يسهم الاتفاق الذي دخل حيّز التنفيذ ظهر الأحد في حقن الدماء وفتح الباب نحو تخفيف حدة الحرب الأهلية المستمرة منذ ست سنوات، إلا أن اتفاقات سابقة لوقف إطلاق نار لم تدم طويلا.

وسعى المفاوضون في عمان لأشهر للتوصل إلى اتفاق أكثر ثباتا: منطقة آمنة تتولاها قوات تحمي الحدود الأردنية وتسمح لمعارضي النظام بالاحتفاظ بأراض سيطروا عليها. ويبدو أن ذلك لا يزال بعيد المنال.

ويقول الخبير كليف كابتشان من مجموعة يور-ايجا “أفضل نتيجة يمكن التوصّل إليها هي تحوّل هذا الاتفاق إلى حجر أساس لتنسيق أكبر بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا”.

ويتابع كابتشان “إلا أن الهدنة التي تم التوصل إليها تواجه معوقات، ومصيرها في أفضل الاحتمالات لا يزال مجهولا”. وعلى الصعيد الكوري الشمالي بدا ترامب غير قادر على ترجمة أسابيع من الضغط والتغريدات الغاضبة ضد الصين بتقدم دبلوماسي ملموس.

توجهات الرئيس الأميركي الخارجية أثارت مخاوف الحلفاء الأوروبيين خاصة أن ترامب أكد على قوله إن “حلفاء الولايات المتحدة انتفعوا من مظلة الدفاع الأميركي ولكنهم لم يدفعوا حصتهم المادية العادلة”
وفي الجهة المقابلة من المائدة جلس شي جين بينغ، دون أي مؤشر لفرض عقوبات على كوريا الشمالية من شأنها دفع بيونغ يانغ إلى التفكير مليا بتطوير صواريخ بعيدة المدى وأكثر فاعلية.

وبدا ترامب مضطرا إلى التخلي عن مفهومه للأمور الملحّة. وقال ترامب “قد يتطلب الأمر وقتا أطول مما أريد أو تريدون لكن سيتحقق النجاح في النهاية بطريقة آو بأخرى”. وبأيديولوجيته المتشددة وفشل دبلوماسيته في أن تكون على مستوى خطابه المنتصر عرضت رحلة ترامب الخارجية الثانية شعار “أميركا أولا” لخطر أن يصبح “أميركا وحيدة”.

وأشارت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن قمة العشرين الأخيرة أثبتت أن العالم لم يعد يتطلع إلى القيادة الأميركية بسبب دونالد ترامب، وأشارت إلى أنه غادر ألمانيا تاركًا أعضاء القمة في حالة من الغضب والتمرد.

وأوضحت أنه حتى الفترة الأخيرة، نظر العالم إلى الولايات المتحدة قائدا لمثل هذه التجمعات العالمية. لكن خلال ستة أشهر منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، تغير كل شيء.

ولفتت الصحيفة إلى أنه في قضايا التجارة وتغير المناخ والتعامل مع المشاكل مثل الأزمة الأوكرانية، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للإجماع. وأيضًا في موضوعات مثل المادة الخامسة من اتفاقية الدفاع المشترك بالناتو، بدا ترامب مترددًا.

وكانت النهايات في ختام قمة العشرين سيئة، بحسب الإندبندنت، حيث كانت الولايات المتحدة وحيدة في قضية المناخ، مقابل اتفاق الدول الـ19 الأخرى على الاستمرار في العمل وفق اتفاق باريس حتى تقليل انبعاثات الغازات.

العرب اللندنية