خفض المساعدات المالية ينذر بتوتر العلاقات المصرية الأميركية

خفض المساعدات المالية ينذر بتوتر العلاقات المصرية الأميركية


القاهرة – عبّرت القاهرة عن امتعاضها من الإجراء الأميركي الجديد بتقليص المساعدات المقررة لها، حيث وصف بيان صادر عن الخارجية الأربعاء، القرار بأنه “خلط للأوراق” بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق العلاقات المشتركة بين البلدين.

وقررت واشنطن تخفيض 295 مليون دولار من برنامج المساعدات لمصر عبر تخفيض لبعض مكونات الشق الاقتصادي من البرامج وتأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكري.

وبرّرت الإدارة الأميركية الإجراء بسبب البطء في تحسين ملف حقوق الإنسان واستمرار التضييق على الحريات الشخصية وعمل الجمعيات الأهلية.

وقالت الخارجية إن “الإجراء تحرك يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، واتباعا لنهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التي يواجهها الشعب المصري”.

وكان لافتا أن القرار صدر بينما يزور الوفد الأميركي للسلام المنطقة، برئاسة جاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه والذي وصل إلى القاهرة الأربعاء واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسي، فيما رأى فيه مراقبون علامة استفهام كبيرة.

حافظ أبوسعدة: ما دام الملف الحقوقي محور علاقات مصر مع دول كبرى فيجب إصلاحه
كما التقى وزير الخارجية سامح شكري الوفد الأميركي واتفقا على أهمية استمرار التشاور والتنسيق بين البلدين خلال المرحلة المقبلة في كافة القضايا الاستراتيجية ولا سيما في ما يتعلق بدفع عملية السلام واستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وبحسب المستشار أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أعرب شكري عن تقدير بلاده للجهود الأميركية من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وتطلعها لتكثيف الإدارة الأميركية لجهودها خلال الفترة القادمة في هذا الشأن.

وكانت تقارير تحدثت قبل ذلك عن أن شكري ألغى اجتماعه مع الوفد الأميركي بسبب الإجراءات التي اتخذتها واشنطن تجاه القاهرة.

ونقلت رويترز عن مصادر قولها إن واشنطن قررت إعادة برمجة مساعدات عسكرية بقيمة 65.7 مليون دولار في 2017 ومساعدات اقتصادية بقيمة 30 مليون دولار في العام الماضي، ما يعني أن تلك الأموال ستستخدم في أغراض أخرى ولن تذهب لمصر.

ويقول مراقبون إن ثمة تحوّلا بدأ يطرأ بشكل سلبي على العلاقات بين القاهرة وواشنطن إزاء إصرار الإدارة الأميركية الحالية على التعامل بنفس سياسة إدارة باراك أوباما السابقة عبر الضغط عليها باستخدام ورقة المساعدات بذريعة تراجع الحريات وتدني حقوق الإنسان.

وقال محمد العرابي، وزير الخارجية المصري السابق لـ”العرب”، إن “القاهرة تدرك أن القرار الأميركي يمثل ورقة ضغط عليها، لكنها ستتعامل مع هذا الأمر، وربما تعيد سياستها التي كانت متبعة خلال فترة حكم باراك أوباما عندما اتبعت إدارته نفس الأسلوب”.

وأوضح العرابي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب المصري، أن القرار يأتي في إطار التخبط الواضح في الإدارة الأميركية وتعدد دوائر صنع القرار، حيث أن البيت الأبيض سياسته مختلفة عن الخارجية، كما أن الكونغرس يختلف عنهما الاثنان معا.

محمد العرابي: القاهرة تدرك أن القرار الأميركي يمثل ورقة ضغط، لكنها ستتعامل معه
وربط العرابي بين الموقف الأميركي وبين زيادة نشاط أعضاء الجماعات الإسلامية وقيادات تنظيم الإخوان لدى الكونغرس والخارجية الأميركية بعدما خفتت فكرة إدراج الإخوان جماعة إرهابية، وأكد أن هؤلاء لهم دور كبير في اتخاذ القرار الأخير.

لكن الدبلوماسي المصري السابق استبعد أن تصل العلاقة بين القاهرة وواشنطن إلى نفس مستوى التوتر الذي كانت عليه خلال فترة حكم أوباما لإدراك البلدين بأن التباعد سيؤدي إلى خسارة الطرفين اللذين يشتركان في الكثير من القضايا الإقليمية والدولية.

وكان ملف تدني الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان والتضييق على عمل الجمعيات الأهلية في مصر أكثر المنغصات التي أثرت على علاقة مصر بالولايات المتحدة إبان فترة أوباما، وجرى خفض المساعدات مطلع 2014 ثم أعادها أوباما قبل انتهاء ولايته.

ورأى متابعون أن تغير الموقف الأميركي في عهد ترامب بعد فترة من تحسن العلاقات مع مصر واعتبار السيسي حليفا للولايات المتحدة يعكس إخفاق القاهرة في عزل ملف الأوضاع الحقوقية بعيدا عن العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن.

ولم تنجح القاهرة إلى الآن في إقناع الحكومات الغربية بأن إقرار قانون يتعلق بالجمعيات الأهلية، والذي دخل حيز التنفيذ بقرار من السيسي في مايو الماضي، ضروري لحماية الأمن القومي المصري.

وقال العرابي لقد “التقيت بمسؤولين أميركيين أكثر من مرة، وسمعت منهم ملاحظات عديدة عن قانون الجمعيات الأهلية، وأعتقد أن تمسك القاهرة بالقانون هو أحد أسباب التوتر، لكن مصر لن تستثني أحدا من تطبيق القانون، لأن ذلك يمثل تدخلا مباشرا في شؤونها الداخلية”.

ويشتكي حقوقيون مصريون من تراجع حقوق الإنسان في البلاد مؤخرا، وممارسة مضايقات شديدة على العمل الأهلي، في ظل تشديد الرقابة الأمنية على الجمعيات والمنظمات العاملة في المجال لاقتصار القانون على أن تكون الممارسات الحقوقية قاصرة على العمل التنموي وتحت رقابة الأمن.

ويقول حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إنه بات على القاهرة أن تعيد النظر في ملف حقوق الإنسان، وطالب بضرورة إنهاء ملف القضية المنظور أمام المحاكم والمتعلق بالتمويل الأجنبي للتنظيمات الحقوقية مادام يشكل سببا في تعكير صفو علاقات مصر مع حلفائها.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه ما دام الملف الحقوقي محور علاقات مصر مع دول كبرى فلا بد من الاستعجال في إصلاحه في أقرب وقت ممكن، مع ضرورة إعادة النظر في قانون الجمعيات الأهلية والذي أثار انتقادات شديدة محليا وغربيا قبل إقراره من البرلمان.

العرب اللندنية