العبادي والتحديات الداخلية بعد داعش

العبادي والتحديات الداخلية بعد داعش

بدأت صور المواجهة والاستحقاقات السياسية والميدانية تفرض واقعها وملامستها للأوضاع السائدة في العراق بعد الانتهاء من المواجهات العسكرية مع عناصر داعش وقياداته ودحر تنظيماته وأدواته في جميع مناطق العراق ومحافظاته التي استولى عليها قبل ثلاث سنوات والانطلاق لمرحلة جديدة في تعزيز ما تحقق ميدانيا بمواجهة الفاسدين والسيطرة عليهم وفتح ملفات المال العام المهدور الذي أسس لمافيات وقيادات أسهمت في سرقة أموال الدولة وعملت على ايجاد عقود وهمية ومشاريع ميدانية لا وجود لها على الارض وبدعم من كتل وأحزاب سياسية متنفذة في القرار السياسي العراقي .

هذه المؤشرات وغيرها ستكون على أجندة العبادي ومساعيه في مواجهته لمرحلة حاسمة قبل البدء بالانتخابات المقبلة، والتي من المؤمل أن تبدأ في منتصف شهر أيار 2018 ، وتكون ضمن الاولويات التي ستواجه العبادي وتكون امتحانا ميدانيا له ومواجهة صريحة وفعالة مع خصومه السياسيين والمنتفعين واثباتا لما حققه في السنوات الثلاث الماضية التي شكلت المرحلة الاولى له في رئاسة الوزارة العراقية وما شهدته من تطورات وامكانات على جميع الاصعدة السياسية والامنية والعسكرية والانفتاح على بناء علاقات جيدة مع دول الجوار العراقي وفتح صفحات جديدة في العلاقات مع أقطار الخليج العربي والانفتاح نحو الدول الاوربية وتعزيز القدرة السياسية في محاولة البدء بمواجهة أذرع النظام الايراني في العراق وهي مسؤولية ومواجهة دقيقة وصعبة ستكون المفتاح الرئيسي لإكمال العبادي لمرحلته الثانية في تحالفاته السياسية واستمرار دعمه داخليا وعربيا واقليميا ودوليا في تجديد الولاية الثانية له في الوزارة العراقية .

ومن أهم أولويات التحديات التي سيواجهها العبادي في المرحلة المقبلة ما يلي:
1.يعد العبادي أحد قيادات حزب الدعوة الذي يتولى المالكي أمانته العامة، والمسيطر على جميع قراراته وتوجهاته واستراتيجيته وتحالفاته وعلاقاته في الداخل ورسمه للعديد من أوجه المواجهة مع الكتل والاحزاب السياسية العاملة على الساحة العراقية وبهذا يشكل وجود المالكي على رأس قيادة حزب الدعوة واعتبار العبادي الرجل الثاني في المكتب السياسي للحزب أهمية بالغة في تحديد مسارات العمل المقبل للعبادي أي هل يتمكن من الخروج والابتعاد عن توجهات المالكي ويسعى الى تكوين رأي سياسي يتحكم به وينطلق منه ويثبت انه يمثل العراقيين بكتلهم السياسية وانتماءاتهم أم أنه سيبقى أسيرا لتوجهات حزب الدعوة وقيادته ،هذا التحدي الاول والمواجهة التي تشكل أهمية عالية في تحديد مسارات العمل السياسي المقبل والتحالفات التي يسعى اليها العبادي .

2.تشكيلات الحشد الشعبي وقياداته وفعالياته وتحركاته على الارض وعلاقاته مع المؤسسات العسكرية والاجهزة التنفيذية في وزارة الدفاع وإمكانية حصر نشاطاتها في قبضة العبادي أو الحد من تأثيراتها على الارض ومشاركتها في القرار السياسي والامني أم الابتعاد لتعمل منفردة بعيدة عن جميع التوجهات والتعليمات الصادرة من العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة العراقية وبالاستناد الى قانون الحشد الشعبي الذي أقره مجلس النواب العراقي نهاية عام 2016 والذي بموجبه تكون جميع قيادات الحشد بإمرة العبادي وتعمل ضمن السياقات والاوامر التي يصدرها، ولكن حقيقة الامر التي نراها أن العديد من تشكيلات الحشد الشعبي لديها رؤيتها الميدانية وعلاقاتها الامنية والعسكرية بل حتى مرجعيتها الدينية وهي جميعها تشكل عائقا ومسلكا صعبا يواجهه العبادي ويحاول أن يثبت أنه باستطاعته العمل باتجاه تحييد تأثير قيادات الحشد الشعبي ،التي سعى اليه من خلال توجيهه بمنع مشاركة الاحزاب والكتل السياسية التي لديها تشكيلات عسكرية في الانتخابات المقبلة ومراجعة حسابات وأموال متطوعي الحشد الشعبي .

3.الهدر المالي وسرقة المال العام وفساد الاجهزة الادارية في المؤسسات والوزارات العاملة في العراق وارتهان المال العام وضياع ثروات العراق بسبب عدم وجود رؤية وسياسة اقتصادية وسياقات عمل وأهداف ومشاريع ذات بعد استراتيجي يخدم التطور الحضاري للعراق وشيوع حالات الفساد التي أصبحت سمة أساسية من سمات العملية السياسية والمؤسسات التنفيذية فيها ، تؤكد حقيقة المواجهة التي على العبادي أن يبدأ بها لتتواصل مع النتائج المتحققة في الميدان العسكري وتعكس حقيقة التواصل بين الفعل السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يحقق مجتمعا رصينا ذا أبعاد حقيقية ونتائج متقدمة لبناء مجتمع جديد تسوده روح العدالة الاجتماعية والحفاظ على ثروات العراق ومحاسبة الفاسدين وايقاع العقوبات بحقهم وهي مواجهة ستجعل العبادي في تحد آخر يواجه فيه العديد من القيادات السياسية العاملة ضمن الكتل والاحزاب الفعالة والمؤثرة ومن الممكن أن تشكل له الكثير من المعوقات ولكنه ان استطاع احكام السيطرة عليها وتثبيت جميع الحقائق والادلة والوثائق التي تدين الفاسدين مهما كانت مراكزهم ومواقعهم فانه سيرفع من عملية احكامه على ولاية ثانية لأنه سيحظى بتأييد شعبي وجماهيري لاستئصال الفساد ومحاكمة الفاسدين .

4.التحدي المباشر الذي من الممكن أن يكون عاملا يسهم في تحديد مسارات العملية السياسية والانتخابية المقبلة في العراق هو نجاح العبادي في تأمين عودة النازحين الى محافظاتهم ودورهم ومزارعهم وتوجيه الجهد الحكومي لتقديم الخدمات ضمن المؤسسات المرتبطة بالوزارات الخدمية ومساعدة أهالي المحافظات التي شهدت صراعات ومواجهات عسكرية ميدانية طيلة الثلاث سنوات الماضية وادامة زخم الجهد الخدمي وايجاد السبل الكفيلة لتأمين عودة هذه العوائل الى مناطقها لتكون مؤشرا فعالا الى قوة العبادي وإمكاناته في قيادة الوزارة واشرافه على تنفيذ جميع قراراته وتوجهاته وسعيه لعودة الحياة الى المناطق المتضررة وتعويض أهاليها وتوفير حياة أفضل لهم وبمعايير تخدم وجودهم والحفاظ عليهم .

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدرسات الاستراتيجية