قانون شركة النفط الوطنية العراقية بين الرفض والقبول

قانون شركة النفط الوطنية العراقية بين الرفض والقبول

شذى خليل*

    تم استخراج النفط في العراق لأول مرة من حقل بابا كركر في عام 1927 على يد شركة نفط العراق (IPC) هذه التسمية اطلقت على شركة النفط التركية بعد سقوط الدولة العثمانية.
وفي عام 1961 شرع الجهات المختصة القانون رقم 80 الذي بموجبه صادر العراق 95 ٪ من شركة نفط العراق، وحدد عمل الشركات الاجنبية بالحقول التي كانت تعمل بها دون السماح لها باكتشاف حقول جديدة.
وفي عام 1964 حيث أسست منشأة عراقية وطنية سميت (شركة النفط الوطنية) وكان الهدف منها البحث عن حقول جديدة ،واستثمارها وطنيا.
وفي عام 1972 ، تم تأميم مجموعة شركات نفط العراق المحدودة، حيث كانت شركات النفط الأجنبية تملك ثلاثة أرباع حصص وأسهم شركة نفط العراق المحدودة بما في ذلك كامل احتياطي البلاد من النفط قبل ذلك.
وسجلت شركة النفط الوطنية العراقية نجاحات في رفع الإنتاج العراقي من 1.4 مليون برميل يوميا لأكثر من 3 ملايين برميل يوميا في عام 1980، لكن اندلاع حرب الخليج الأولى مع إيران في العام نفسه أدى إلى تضرر الناتج المحلي للنفط بشكل عام. في نيسان من عام 1987، دمجت الشركة مع وزارة النفط، التي اصبحت المنظم لعملها.

والشركة حسب قانون تأسيسها، “تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري” و “ترتبط بمجلس الوزراء” ومن صلاحياتها “ابرام عقود الاستكشاف والإنتاج والتصدير وفق سياسة الدولة بما لا يتعارض مع احكام الدستور.” و “للشركة حق الاقتراض من أي جهة داخل العراق وخارجه؛ لتمويل استثماراتها بموافقة مجلس الوزراء.”
وبشكل مفاجئ وبعجالة صوت مجلس النواب العراقي بشكل نهائي بجلسته (الرابعة) في 5/3/2018 ، على تمرير قانون “شركة النفط الوطنية العراقية”، رغم أهميته والمواضيع الخطيرة التي تضمنها، اذ سارعت رئاسة الجمهورية العراقية بالمصادقة عليه رغم حملة الاعتراضات التي أثارها بعض الخبراء النفطيين.
ومن المفاهيم الاقتصادية والسياسية والنفطية التي تثير التساؤلات التي نشرها مصممو “القانون” واعتبروا تمريره انتصارا نهائيا لمفاهيمهم وجهدهم الكبير في هذه العملية.
ويرى خبراء اقتصاديون معارضون للقانون ان المادة 12 منه تتضمن ما يلي :
1- ان الايرادات المتأتية من تصدير وبيع النفط والغاز هي ايرادات سيادية، ولأيمكن ان تكون ” ايرادات مالية للشركة ” حسب ما ذكره القانون؛ لان هذا يشكل مخالفة للدستور الذي حدد ان النفط والغاز ملك للشعب العراقي وليس عائدا ماليا لشركة عامة.
2- ان اعتبار عوائد الصادرات النفطية ايرادات مالية لشركة عامة يجرد تلك العوائد من الصفة السيادية التي يوفر لها القانون الدولي الحماية وبالتالي يعرض تلك العوائد لكل اشكال الحجز والمصادرة تنفيذا لاي اجراء قضائي في اي مكان توجد فيه العوائد، مما يعرض عوائد صادرات النفط الى مخاطر عديدة.
3- يعطي القانون شركة النفط صلاحيات تمكنها من الناحية الفعلية تحديد حجم الواردات النفطية في الموازنة العامة السنوية وبالتالي تكون قرارات الشركة هي المحدد الاساس للنشاط الاقتصادي. وهذا يعني ان الشركة تصبح اكثر اهمية من وزارة المالية ومجلس الوزراء في تحديد حجم النفقات .
4- خول القانون شركة النفط انشاء وتمويل وادارة كيانات مالية ليست لها علاقة بطبيعة نشاطاتها كشركة نفطية استخراجية؛ وهذه الكيانات هي :(صندوق المواطن) و (صندوق ألأجيال) و (صندوق ألأعمار). ومن الغريب ان هذه الكيانات التي تكون عادة من مهام وصلاحيات الحكومة وخاصة مجلس الوزراء ووزارات المالية والتخطيط المالية وغيرها ، فان القانون جعلها من صلاحياته؟
5- المادة تعني التلاعب بما لايقل عن 10% من عوائد صادرات النفط؛ هذا من جهة ومن جهة اخرى سيعمل بالتاكيد على حرف شركة النفط الوطنية عن مهامها الأساسية كشركة نفطية معنية بتطوير القطاع النفطي الاستخراجية.

وينتقد الخبراء ذاتهم المادة (١٣) من قانون شركة النفط الوطنية العراقية المتعلقة بملكية النفط وواردات الشركة المالية، وكيفية توزيع أرباح الشركة ولأهمية هذه المادة نورد بعض موادها : ـ
أولا: تتكون الإيرادات المالية للشركة من الإيرادات المتأتية من بيع النفط الخام والغاز وأية منتجات أخرى. يضاف إليها أية إيرادات قد تحصل عليها الشركة.
ثانيا: تتكون أرباح الشركة من الإيرادات الإجمالية مطروحا منها النفقات كما وردت في (المادة “١٢”).
ثالثا: توزيع أرباح الشركة على الوجه التالي:
• خزينة الدولة: تؤول نسبة لا تتجاوز ٩٠٪ تسعون بالمئة من أرباح الشركة إلى خزينة الدولة وتحدد نسبتها في قانون الموازنة الاتحادية.
• توزيع باقي أرباح الشركة بعد استقطاع النسبة المخصصة في (١) من هذا البند على الشكل التالي:

آ – نسبة من الأرباح لاحتياطي رأسمال الشركة، ولمجلس الإدارة تحديد آليات ومجالات التصرف بالاحتياطي لتحقيق مصالح وأهداف الشركة.
ب – نسبة من الأرباح لـ (صندوق المواطن) حيث توزع على أسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق، وحسب الأولوية لشرائح المجتمع. ولا يجوز بيع وشراء أو توريث الأسهم وتسقط عند الوفاة.
ج – أسهم العراقيين المقيمين في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز المنتج إلى الشركة تحرم من الأرباح ويضاف استحقاقها إلى باقي المساهمين.
د – نسبة من الأرباح لـ(صندوق الأجيال)، وبهدف الاستثمار لصالح الأجيال.
هـ – نسبة من الأرباح تخصص لـ(صندوق الإعمار)، بهدف تنفيذ مشاريع استراتيجية في المحافظات التي يمارس فها نشاط نفطي للشركة. ليس في كلام الأستاذ جياد مبالغة رغم غرابته.
و- يرى الخبير الاقتصادي احمد موسى جياد ان القانون الذي يصفه بالغريب يكلفها بتوزيع مردود النفط، الذي صار ملكاً لها، بحيث لا تحول أكثر من 90% منها إلى خزينة الدولة. وتوزع الشركة الباقي على “صناديق”. خصص أولها لرشوة المواطن ليتقبل هذا الخطر على ثروة بلاده اسمه “صندوق المواطن” الذي يقدم لكل مواطن، وفق حسابات الخبير الاقتصادي حمزة الجواهري ما لا يزيد على 50 دولاراً في العام.
ويرى الخبراء بعد عرض مواد المادة 13 ان القانون نصب شركة النفط الوطنية جهة قيمة على العراق فوق الدولة تستلم عمليا كل عوائد العراق المالية المتأتية من تصدير النفط والغاز، وتعود ملكيتها جميعها إليها، في حين كانت جميع العوائد تعود إلى وزارة المالية.

ويشيرون الى تناقض الدستور إذ إن النفط والغاز (وعوائدهما) ملك للشعب العراقي وليس عائدا ماليا لشركة عامة تشغيلية، بالرغم من ان القانون جعل رئيس الشركة بمنصب وزير وعضو في مجلس الوزراء، ولكن الشركة في كل الاعتبارات تعد شركة / وزارة تشغيلية تجارية وغير سيادية، وهي في كل الأحوال شركة عامة. وإن اعتبار عوائد الصادرات النفطية والغازية إيرادات لها يجرد هذه العائدات من الصفة السيادية، وقد تتعرض للحجز او المصادرة خارج العراق نتيجة أية مشكلة قضائية تتعرض لها الشركة.
ويقولون ان القانون اعطى الشركة حق توزيع أرباحها للدولة وخلق صناديق مختلفة، وتحديد حجم المبالغ المصروفة لخزينة الدولة، وأصبحت الشركة كيانا يتجاوز بكل المقاييس الوزارات السيادية كوزارات النفط والمالية والتخطيط مجتمعة.

ومن جانب اخر يرى الاقتصادي والسياسي العراقي عدنان الجنابي ايجابية بالقرار ، اذ ان تفعيل المادة 111 من الدستور التي نصت على ان النفط والغاز ملك للشعب العراقي ، والمادة 12/ ثالثا على جعل نسبة الارباح الشركة تقرر بموجب الموازنة السنوية وتوزع على اسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق ، ولا يجوز بيع وشراء او توريت الاسهم وتسقط عند الوفاة وتقرر هذه النسب على ضوء ما تحدده الموازنة الاتحادية لحصة خزينة الدولة .
كل ذلك يعني ان كل عراقي يصبح مساهما بأسهم متساوية القيمة في ارباح شركة النفط الوطنية المتبقية بعد فرض ضريبة يحددها مجلس النواب عند اقرار الموازنة الاتحادية .
ويرى الجنابي ان المادة 111 تعد انقلابا على المعادلة للدولة الريعية بان تجعل الريع لا يذهب مباشرة الى حساب وزارة المالية بل للمواطن ! وللمواطن من خلال ممثليه في مجلس النواب القبول بنسبة ” ضريبة” على دخله من ريع النفط .
ويشير الجنابي الى ان اقرار الشركة هو قضاء على الفساد لبعض النواب ، وتخليص الاجيال القادمة من اعباء الاسراف وفساد الدولة الريعية ، وان وجود الاسهم المتساوية القيمة يؤدي خلال سنوات قليلة للقضاء على الفقر الشديد وتقليص الفوارق في الدخل من خلال تطبيق مبدأ الدخل الاساسي الشامل .
ويضيف ان تأسيس صندوق الاجيال هو صندوق سيادي لفوائض عائدات النفط ، داعيا للبدء بوضع نسبة لصندوق الاعمال للمشاريع الاستراتيجية .
ويؤكد الجنابي ان القانون سيجعل المواطن ونوابه يتسابقون لزيادة حصة صندوق المواطن وتقليل ضريبة الحكومة ومتابعة السلطة التنفيذية، ومحاسبتها.
ومن المواضيع المهمة في القانون بحسب الجنابي هو حرمان المقيمين في المحافظات التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز الى الموازنة الاتحادية من حصتهم بالاسهم؛ مما يؤدي الى ضغط المواطنين فيها على تسليم عوائد النفط والغاز الى الموازنة الاتحادية .
ويرى الجنابي ان القانون لا يختصرعلى الحقول، بل يوسع عمل ليشمل جميع الاراضي الجمهورية العراقية ومياهه الاقليمية وجرفه القاري، بمنطوق المادة 112/ اولا من الدستور .

 

وحدة الدراسات الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية