جولة بومبيو …. تقليم قوة إيران غايتها

جولة بومبيو …. تقليم قوة إيران غايتها

 بعد مرور أيام قليلة على مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين مايك بومبيو وزيرًا للخارجية الأمريكية قام في 29 نيسان/إبريل الماضي، بزيارة  بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفي زيارته هذه، سار بومبيو في جزء من جولته الأولى على خطى الرئيس دونالد ترمب الذي اختار أن يبدأ جولاته الخارجية من السعودية ثم يثني بإسرائيل، وهو المسار ذاته الذي سلكه بومبيو في جولته الحالية، مما يعني وفقا للكثيرين ترابطا بين البلدين المزورين ومكانة خاصة لهما في السياسة الأميركية الجديدة.

فى الرياض اتفقت السعودية والولايات المتحدة على أهمية تحسين الاتفاق النووى الإيرانى، ووقف أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار فى المنطقة، لذلك قال وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، فى مؤتمر صحفى مع نظيره بومبيو بعد لقاء الأخير بالعاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز، “إن المدة التى يكون فيها تقييد لكمية تخصيب اليورانيوم يجب أن تلغى وتكون بشكل أبدى”، فى إشارة إلى بنود الغرب تلك التى ينتقدها ترامب منذ اليوم الأول لإعلان ترشحه للانتخابات الأمريكية فى مارس بالعام قبل الماضى. هذا التلاقى السياسى السعودى ـ الأمريكى، أدى بدورهه إلى أن يعلن بومبيو أن الإدارة الحالية لن تتجاهل إرهاب النظام الإيرانى واسع النطاق كما فعلت سابقتها، إذ تعمل طهران على زعزعة المنطقة ودعم الميليشيات والجماعات الإرهابية”، وهى تصريحات تنطوى على انتقاد لاذع لإدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، لأنها هى التى وقعت الاتفاق فى الرابع عشر من يوليو بالعام 2015.

مثلت الجولة في محطاتها الثلاث فرصة لمزيد من التحشيد لصالح ما تسمى صفقة القرن وضد إيران والاتفاق النووي معها، حسبما يقرأ من تصريحات المسؤولين الرسميين.وبدا تركيز بومبيو على الملف الإيراني كبيرا في كل التصريحات التي أطلقها أثناء الجولة، حيث كال السباب والشتائم للاتفاق السابق، وتعهد بتغييره أو الانسحاب منه، وبالتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة .وهي ذاتها النبرة التي سمعها مضاعفة في الرياض والقدس على وجه التحديد مع مزيد من المطالبة بالصرامة والشدة مع نفوذ إيران وصواريخها البالستية.

ويعمل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب وفق استراتيجية شاملة تركز إلى جانب الملف النووي الإيراني على “مواجهة مجموعة واسعة من التهديدات غير النووية، مثل أنظمة الصواريخ الإيرانية، ودعمها لحزب الله، وتصدير آلاف المقاتلين بالوكالة إلى سوريا ومساعدتها المتمردين في اليمن”.وتتطلع الولايات المتحدة إلى “العمل بشكل وثيق مع حلفاء أقويا، مثل إسرائيل، في مواجهة التهديدات، والتراجع عن النطاق الكامل للتأثير الإيراني الخبيث”، كما يصفه مايك بومبيو الذي صادق مجلس الشيوخ الأميركي على تعيينه وزيرًا للخارجية في 26 إبريل الماضي.وتلتقي أهم الشخصيات المؤثرة في صنع القرار الأميركي إلى جانب دونالد ترامب على رؤية منسجمة تجاه الملف النووي الإيراني، ودور إيران ونفوذها في المنطقة.ومن العاصمة السعودية، قال وزير الخارجية مايك بومبيو خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير “وعلى العكس من الإدارة السابقة، نحن (الإدارة الأميركية الجديدة) لا نتجاهل إرهاب إيران الواسع النطاق”.

وأظهرت جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، تصميم الإدارة الأميركية على التعامل بحزم مع الحالة الإيرانية. وأصر بومبيو على إرسال رسائل تهدف إلى تبديد أي أوهام لدى طهران من إمكانية تبدل موقف ترامب بعد لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الأميركية أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي، دون الحصول على تبدل كامل في السلوك الإيراني في الملف النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ طهران في المنطقة. وأكدت مصادر دبلوماسية أميركية مواكبة لجولة بومبيو أن واشنطن بعد استماعها إلى شركائها الأوروبيين تتشاور مع شركائها في المنطقة لاتخاذ قرار فعال لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. وأضافت هذه المصادر أن رسائل بومبيو وصلت إلى طهران وأن ردود الفعل الإيرانية تعبر عن قلق حقيقي جراء جدية المسار الذي تجمع عليه المؤسسات الأميركية تجاه إيران. وقال مراقبون للشؤون الإيرانية إن طهران تشعر بتصاعد الموقف الأميركي بعد تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي ومايك بومبيو وزيرا للخارجية، وأن رد الفعل الإيراني أتى مدروسا على مستوى وزارة الخارجية، وشعبويا كالمعتاد على مستوى المرشد علي خامنئي.

ويكشف حديث إيران عن شراكة أميركية سعودية القراءة الجديدة لطهران للمشهد الجيواستراتيجي الذي سينسحب على ميادين النفوذ الإيراني في المنطقة.وتستعد طهران للتموضع وفق هذه الحقيقة، غير أن ما تظهره من مواقف يكشف أن أدواتها الدبلوماسية كما مناوراتها الإقليمية والدولية باتت محدودة، خصوصا إذا ما تم تفاهم ما بين الولايات المتحدة وروسيا قد يصار إلى التوصل إليه في لقاء القمة المرتقب بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأصبح الإيرانيون على قناعة بأن إدارة ترامب تريد التخلص من الاتفاق النووي، الذي يرى فيه مسؤولون أميركيون أنه، تحول إلى عقبة في طريق إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها النووي.ويعتقد مساعدون كبار لترامب أنه طالما سمح الاتفاق لإيران بالاحتفاظ ببرنامجها النووي ومكنها من القدرة على تخصيب اليورانيوم بعد مرور عشرة أعوام على توقيعه صيف 2015، فلن يكون هناك مجال للتوصل إلى اتفاق مع بيونغ يانغ يتم بموجبه نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.

وترى الولايات المتحدة -وفقا لما ذكره وزير خارجيتها في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي- أن التعاون مع إسرائيل أمر حاسم لمواجهة النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط والعالم أجمع، وتشعر بالقلق العميق إزاء تصعيد إيران وتهديداتها لإسرائيل والمنطقة ضمن طموحها المتمثل في الهيمنة على الشرق الأوسط.ورفضت إيران اتهامات الوزير الأميركي التي تحدث فيها عن طموحات إيرانية بالهيمنة على الشرق الأوسط وزعزعة استقرار المنطقة، وهي الاتهامات التي وصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي بأنها تكرار لاتهامات سخيفة لا أساس لها من الصحة، وأن الوجود الإيراني والدعم لحكومتي دمشق وبغداد يأتي استجابة لطلبات من حكومتي البلدين، وهو جزء من مكافحة الإرهاب في المنطقة.وشملت مباحثات وزير الخارجية أثناء جولته في الدول الثلاث ملفات ذات اهتمام مشترك، مثل النفوذ والتدخلات الإيرانية والصراع في اليمن والحرب الأهلية في سوريا والعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مواجهة التحديات المشتركة والحفاظ على أمن الدول الحليفة، وهي السعودية والأردن وإسرائيل.

أتت زيارة بومبيو بينما يدرس ترمب ما إذا كان سيتخلى عن مهلة منحها للحلفاء الأوروبيين غايتها 12 مايو/أيار لإصلاح الاتفاق النووي الإيراني الذي يراه معيبا بشدة، حيث سيقرر في هذا التاريخ بشأن الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة بين إيران والدول الكبرى الست (الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانياوروسيا وألمانيا)، غير أنه من المرجح أن يقرر سحب بلاده من الاتفاق تمهيدا لإعادة فرض عقوبات على طهران على خلفية برنامجها النووي.كما ينتظر أيضا أن يتم نقل السفارة الأميركية إلى القدس في 14 من الشهر ذاته في ذكرى النكبة الفلسطينية، مع أمل أميركي إسرائيلي أن تمثل تلك الخطوة بداية لخطوات أخرى ضمن ما تعرف بصفقة القرن التي تهدف وفقا للفلسطينيين إلى تصفية القضية وإنهاء المقاومة.

الملاحظ فى هذه الجولة أنها استهدفت الدول الرئيسية ذات الصلة بالملف النووى الإيرانى وهى إسرائيل والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية، بما يعنى أن الإدارة الأمريكية استهدفت ترتيب رأى عام عربى ـ شرق أوسطى للقرار الأمريكى المحتمل يوم 12 مايو المقبل بالخروج من الاتفاق.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية