ويمكن يرصد حيثيات المعركة الانتخابية الشرسة والاختبارات القاسية التي ستمر بها القوى السياسية التي تخوض هذه الانتخابات وسط انقسامات حادة. تحالف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتحالف “سائرون نحو الإصلاح” بزعامة مقتدى الصدر، وتيار “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم هي القوى الشيعية التقليدية المتنافسة على أصوات السكان الشيعية.وتعيش الأحزاب الشيعية في أقسى اختبار لها على وقع خلافات عميقة بين مكوناتها، وبعدما كانت تدخل في الانتخابات موحدة في تحالف واحد، او عبر تحالفات عدة لكنها متوافقة على التوحد بعد الانتخابات، إلا أن الخلافات الحالية تبدو واسعة، حزب “الدعوة” الذي يمتلك منصب رئاسة الحكومة وهو المنصب الأقوى في البلاد انقسم الى جناحين بين العبادي والمالكي، كما ان التيار الصدري المعروف بمشاكسة الأحزاب الشيعية اختار هذه المرة الذهاب بعيدا نحو التحالف مع الحزب الشيوعي.وللمرة الأولى يشارك تحالف شيعي جديد هو تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، التحالف عبارة عن تحالف الفصائل الشيعية القريبة من إيران، اذ تسعى إلى استثمار شعبيتها التي حققتها في المعارك ضد تنظيم “داعش”، وأيضاً نفوذها داخل الأحياء والمناطق عبر مكاتب تابعة لها داخل الأحياء الشيعية والسنية.وقدم كل حزب من هذه القوى الشيعية (137) مرشحا في إشارة إلى التنافس المحتدم بينها على مقاعد العاصمة.هذه الأحزاب الشيعية ستخوض منافسة شرسة في الأحياء الشيعية في بغداد وهي “مدينة الصدر” و”الحسينية” و”الشعب” شمال العاصمة، و”البلديات” و”العبيدي” و”بغداد الجديدة” و”الزعفرانية” شرق العاصمة، و”البياع” و”الإعلام” و”الشرطة” و”أبو دشير” جنوب العاصمة، و”الكاظمية” و”الحرية” و”الشعلة” و”العطيفية” و”الوشاش” غرب العاصمة.
أما على مستوى المنافسة السنية في بغداد فإنها تتركز حول تحالف “القرار” بزعامة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، وائتلاف “الوطنية” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الذي تحالفت معه أحزاب سنية مهمة بينها حزب العمل بزعامة رئيس البرلمان سليم الجبوري، وائتلاف “العربية” بزعامة السياسي صالح المطلك. وتحالف بغداد برئاسة الدكتور جمال الكربولي ومحمود المشهداني الى جانب القوى السنية التقليدية، برزت تحالفات جديدة تسعى للمنافسة في الأحياء السنية وأبرزها تحالف “تضامن” بزعامة الشخصية العشائرية المعروفة وضاح الصديد، وكل منها قدم أيضاً قوائم بـ (137) مرشحا. وتتنافس هذه الأحزاب داخل الأحياء السنية في العاصمة وهي “الغزالية” و”العدل” و”حي الجامعة” و”الخضراء” و”المنصور” و”اليرموك” و”العامرية” و”حي الجهاد” غرب العاصمة، و”الأعظمية” و”الصليخ” و”سبع أبكار” شمال العاصمة، و”السيدية” و”الدورة” و”عرب جبور” و”هور رجب” جنوب العاصمة.وبعد أن كانت موحدة في الانتخابات السابقة، تعرضت قوى وأحزاب علمانية ومدنية الى الانقسام في الانتخابات المقبلة، وكان الخلاف الكبير بين حركة “تمدن” بزعامة النائب فائق الشيخ علي، وبين الحزب الشيوعي، ويعود الخلاف إلى تحالف الحزب الشيوعي مع التيار الصدري (الإسلامي) في ظاهرة فريدة في المشهد السياسي العراقي،
فيما قرر “التحالف المدني الديمقراطي” بزعامة غسان العطية الدخول بشكل مستقل في الانتخابات. تنامي الانتقادات الشعبية ضد الأحزاب الإسلامية، وصعود شعبية القوى والتيارات المدينة والعلمانية بعد التظاهرات الشعبية التي قادتها ضد السلطة منذ صيف العام 2015، دفع قوى وأحزابا إسلامية إلى تغيير أسمائها نحو عناوين جديدة تحمل اسم المدنية. ومثلا فان “الحزب المدني” الذي يشارك في الانتخابات بقوة عبر حملته الانتخابية الواسعة بزعامة حمد الموسوي، هو في الواقع حليف معروف “لائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي. وبرغم الخلافات العميقة بين الأحزاب الكردية وتراجع شعبيتها في بغداد وباقي المحافظات بعد تنظيم استفتاء الاستقلال على الانفصال في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، إلا انها قررت المنافسة أيضاً في بغداد، ويشارك “الاتحاد الوطني الكردستاني” بـ (10) مرشحين، فيما تشارك النائبة الكردية البارزة آلاء طالباني في انتخابات العاصمة ضمن تحالف “بغداد”. حركة “الجيل الجديد” بزعامة رجل الأعمال ساشوار عبد الواحد والمعروف بمعارضته الأحزاب الكردية الرئيسية في اقليم كردستان، قرر أيضا خوض المنافسة في بغداد ويشارك عبر (27) مرشحا للحصول على أصوات السكان الكرد في بغداد وأيضا يعوّل على أصوات ناخبي العاصمة من السنة والشيعة الراغبين باختيار أحزاب وقوى جديدة وليست قديمة. أما المسيحيون فيخوضون الانتخابات في بغداد عبر ستة كيانات سياسية للمنافسة على مقعد واحد مخصص لهم وفق نظام الكوتا، وهذه القوى هي “المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري”، “اتحاد بيث نهرين الوطني”، “حركة تجمع السريان”، “ائتلاف الكلدان”، “ائتلاف الرافدين”، وأخيرا “حركة بابليون” المدعومة من قبل فصائل “الحشد الشعبي”. والشيء نفسه مع الأقلية الدينية الصابئية والتي تمتلك مقعدا واحدا في بغداد وفق نظام الكوتا، ويتنافس عليها ست شخصيات من ابناء هذه الديانة، وبعض هذه الشخصيات مدعومة من أحزاب كبيرة طمعا في نيل هذا المقعد.
ومن هنا تشهد هذه الانتخابات ظاهرة «التحول السياسي» التي تكرست بشكل أكثر وضوحاً في الدورة النيابية الحالية، إلا أن الظاهرة شملت شخصيات من مختلف الاتجاهات السياسية العراقية، ولم تسلم منها حتى الأحزاب والكتل الكردية، فالتحقت القيادية السابقة في «الاتحاد الوطني الكردستاني» آلا طالباني هذه المرة بتحالف «بغداد» الذي يقوده السياسي السنّي رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني. وكذلك فعلت رئيسة كتلة «التغيير» الكردية في مجلس النواب الاتحادي سروة عبد الواحد التي التحقت بقائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي «النصر»، ثم انسحبت منها في اللحظات الأخيرة.
ويعزو مراقبون للشأن السياسي العراقي ظاهرة «التحول السياسي» إلى الاضطراب وعدم الاستقرار الذي لازم العملية السياسية منذ 2003، إضافة إلى ضعف الأحزاب والتقاليد السياسية بعد هيمنة النظام الشمولي «البعثي» على الحياة العامة لأكثر من 3 عقود. ويرى آخرون أن «التحول السياسي» مرتبط بظاهرة الانقسامات والانشقاقات الحادة التي مرت بها غالبية الأحزاب السياسية العراقية، سواء العلمانية منها، كالحزب «الشيوعي» الذي انقسم عبر تاريخه الطويل إلى أحزاب عدة، أو الدينية كحزب «الدعوة الإسلامية» الذي انقسم هو الآخر إلى مجموعة أحزاب.
ويحق لـ24 مليون عراقي الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات من أصل 37 مليون نسمة. وسيواجه الفائز في الانتخابات مهمة شاقة تتمثل في إعادة بناء البلد الذي دمرته الحرب وخوض معركة ضد الفساد المستشري الذي يأتي على إيرادات البلاد من النفط. وتقول بغداد إنها ستحتاج مئة مليار دولار على الأقل لإعادة بناء المنازل والأعمال التجارية والبنية التحتية التي دمرتها الحرب.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية