3 أشياء ستخسرها الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني

3 أشياء ستخسرها الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني

سوف ينطوي انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني على زيادة احتمالات نشوب مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران. وقد أصبحت الولايات المتحدة وإيران أقرب الآن من أي وقت مضى وعلى مدى سنوات من خوض هذه المواجهة. وبالإضافة إلى ذلك، أوقعت إسرائيل فعليا خسائر وضحايا في صفوف الإيرانيين خلال هجماتها الأخيرة في سورية.
*   *   *
بدا من المرجح باطراد أن الرئيس ترامب سيقوم بسحب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية بحلول يوم 12 أيار (مايو)، حيث هدد بالقيام بذلك منذ كان مرشحاً للرئاسة. وفي الحقيقة، ما أزال في انتظار أن أسمع حجة عن أي فائدة واضحة يمكن أن تُجنى من التخلي عن اتفاق دولي، والذي تلتزم إيران بتنفيذ بنوده وفق أي معيار.
مع ذلك، ثمة ثلاثة أشياء يمكن أن تخسرها الولايات المتحدة بانسحابها من الصفقة، والتي من الأسهل تفسيرها وكان ينبغي أخذها بعين الاعتبار قبل اتخاذ القرار النهائي حول الانسحاب أو عدمه.
حتى نكون واضحين، ليست هناك أي حجج جديدة مقنعة تدعم الأزمة التي قام باختلاقها معارضو الصفقة في الولايات المتحدة. كان الاتفاق يعمل بالنسبة لكافة الأطراف المشاركة، مع الاستثناء المحتمل لترامب نفسه الذي يبدو عازما على تفكيك أي بقايا من إرث سلفه الرئيس باراك أوباما.
في الفترة الأخيرة، لجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى البث المباشر ليكشف بطريقة دراماتيكية عن آلاف الوثائق التي زعم أن جواسيس بلده حصلوا عليها من خلال غارات شنوها على موقع سري في إيران. وفي ثنايا هذا الكنز المزعوم، ثمة الكثير من المعلومات المعروفة جيدا ومسبقا لدى كل من الولايات المتحدة، وقوى العالم الأخرى، والوكالة الدولية للطاقة الذرية -الرقيب العالمي على الطاقة النووية.
كما أشار آخرون، فإن هذه المعلومات المعروفة سلفا –والتي كذبت بشأنها إيران على مدى أربع سنوات- كانت بالضبط هي السبب في أننا كنا بحاجة إلى إبرام الاتفاق النووي في المقام الأول. ولا يقتصر دور الاتفاق على جعل أمر امتلاك إيران قنبلة نووية مستحيلا فحسب، وإنما يسمح أيضا بعمليات التفتيش التطفلية المفاجئة لمواقع إيران النووية، وهو أول شيء سيعني الخروج من الاتفاق النووي فقدانه.
إلى جانب الهدف الواضح المتمثل في تعطيل إمكانية تمكن إيران من صناعة سلاح نووي في أي وقت، عنى الاتفاق منح طهران الفرصة لكي تصبح عضوا أكثر مسؤولية وإنتاجية في المجتمع الدولي. وبالنسبة لإيران، عنى ذلك، وبشكل حاسم، امتلاك القدرة على مزاولة الأعمال التجارية مع بقية العالم. وكانت إجراءات رفع العقوبات والوعد بتسهيل الاستثمار الأجنبي هي الحوافز التي دفعت إيران إلى الدخول في هذا الاتفاق من الأساس. لكن هذه الفوائد لم تتحقق حتى الآن.
لطالما كان الملالي في إيران يبدون تخوفهم إزاء كل هذا، وهم يواجهون الآن، أخيرا، الواقع الذي يصنعه ترامب بتنفيذ وعده المضلل الذي بذله أثناء حملته الانتخابية، وهو ما سيعني على الأرجح فرض جولة أولى من العقوبات على إيران. وإذن، ما الذي تستطيع إيران أن تفعله في المقابل؟ حسنا. ربما تكون لديها القليل من الوسائل لإيقاع ضرر بليغ بالولايات المتحدة أو بمواطنينا هنا في الوطن، لكنها تستطيع إلحاق الأذى بالأميركيين في المنطقة.
في رسالة بالفيديو بثت مؤخرا على موقع “يوتيوب”، قال وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، أن حكومته لن تعيد التفاوض على الصفقة التاريخية التي تم التوصل إليها في العام 2015. ووعد ظريف بأن إيران سوف ترد بالطريقة التي تراها مناسبة في حال قررت الولايات المتحدة التخلي عن الاتفاق. ونصح ظريف حكومة الولايات المتحدة بأنه “سوف يترتب عليها، وعليها هي فقط، أن تتحمل المسؤولية عن التداعيات”.
تمكن قراءة هذه الرسالة على أنها تهديد مبطن من ظريف بأن إيران مستعدة لأن تعمل بطرق تتجاهل الدبلوماسية والأعراف الدولية. وهو يغسل يديه بشكل أساسي من الالتزامات السابقة، وينذر واشنطن بأن العناصر الأكثر تشددا في النظام –مؤسسة الحرس الثوري الإيراني، على سبيل المثال- سوف تتشجع وتكتسب جرأة جديدة على زيادة جهودها لزرع الفوضى غير المتناسبة في الأماكن التي تنخرط فيها الولايات المتحدة أو حلفاؤها في صراعات مسلحة، تماما كما سبق لهم وأن فعلوا في السابق.
بذلك، سوف ينطوي الانسحاب من الصفقة على زيادة احتمالات نشوب مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران. وقد أصبحت الولايات المتحدة وإيران أقرب الآن من أي وقت مضى وعلى مدى سنوات من خوض هذه المواجهة. وقد أوقعت إسرائيل فعليا خسائر وضحايا من الإيرانيين في عدد من ضرباتها الأخيرة في سورية.
كانت إحدى المزايا الرئيسية لمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني هي فتح خطوط الاتصال المباشر بين طهران وواشنطن. وقد دشن كل من جواد ظريف ووزير الخارجية الأسبق، جون كيري، ذلك الاتصال المنتظم ومنحاه المصداقية بنزع فتيل أزمة نشبت في الخليج الفارسي في أوائل العام 2016، عندما ضل بحارة أميركيون طريقهم ودخلوا المياه الإقليمية الإيرانية. وسوف تكون هذه القنوات للاتصال من بين أولى ضحايا انهيار الاتفاق النووي.
كان القائد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، قد حرم على دبلوماسييه الانخراط مع المسؤولين الأميركيين في أي موضوع خارج المحادثات النووية. ولكن، في الاجتماعات الربعية التي كانت تعقد لتقييم وضع الاتفاق، استغل الدبلوماسيون الأميركيون والإيرانيون الفرصة لإجراء مناقشات جانبية حول مسائل الاهتمام المشترك. وقد شكلت تلك الاجتماعات النقاط الوحيدة للاتصال الرسمي المباشر بين الحكومتين. وسوف يعني انهيار الاتفاق انتهاء هذه الاجتماعات.
ربما يستطيع خامنئي أن يغير رأيه بشأن هذا الأمر، لكن من غير المحتمل إلى حد كبير أن يقوم بتغيير هذا المسار في أي وقت قريب، وهو ما سيعني أن الأميركيين المسجونين الآن بشكل غير عادل في إيران يمكن أن يظلوا عالقين هناك للعديد من السنوات القادمة.
من جهة أخرى، تشكل التجارة الدولية، والأمن الإقليمي واحتمالية نشوب صراع عسكري مكامن قلق وشواغل جيوسياسية كبرى، وسوف يعني قطع العلاقات مع طهران بفعالية ضمان بقاء الرهائن الذين تحتجزهم الجمهورية الإسلامية كطُعم سياسي لفترات أطول في السجن.
مع قيام الرئيس ترامب الآن بزيادة احتمالات عودة ثلاثة مواطنين أميركيين إلى الوطن من كوريا الشمالية قبل عقد قمته المنتظرة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون، فإن إدارة ترامب ودبلوماسييها ينبغي أن يكونوا بصدد فعل كل ما في وسعهم من إجل إعادة مواطنيهم المحتجزين من دون وجه حق في الجمهورية الإسلامية أيضاً.
ولكن، وعلى نحو غير مفهوم، قال لي مسؤولون في وزارة الخارجية أنها لا توجد الآن أي محادثات ذات معنى لإعادة هؤلاء الأميركيين إلى الوطن. وأنا أفكر في المحنة المتواصلة التي يعيشها هؤلاء الأميركيون وعائلاتهم. وسوف يكون التخلي عنهم وتركهم في الخلف واحداً من البنود المهمة في القائمة القصيرة لأكبر إخفاقات مهنة ترامب السياسية حتى الآن.
*كاتب في الشؤون العالمية لصحيفة “الواشنطن بوست”. عمل مراسلاً للصحيفة في طهران في الأعوام من 2012 وحتى 2016. أمضى 544 سجينا بشكل غير عادل لدى السلطات الإيرانية حتى تم إطلاق سراحه في كانون الثاني (يناير) من العام 2016.