قاسم سليماني في بغداد للملمة ما بعثرته الانتخابات

قاسم سليماني في بغداد للملمة ما بعثرته الانتخابات

بغداد – تحاول إيران تشديد قبضتها على العراق التي تتفكك تدريجيا كلما جرى الحديث عن استعداد رجل الدين البارز مقتدى الصدر، الذي حازت قائمته المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، عبر إجراء اجتماعات مكثفة لإقناع فرقاء سياسيين شيعة بالتحالف لتشكيل الحكومة.

وتسعى إيران لتجميع القوى السياسية الشيعية الرئيسية حول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقادة ميليشيات الحشد الشعبي، عبر تشكيل كتلة صلبة من الممكن لاحقا بناء توافقات حولها، تغلق الطريق على ائتلاف “سائرون”، الذي يجمع قوى مدنية في تحالف نادر مع الصدر.

وبإشراف “مستشارين إيرانيين” لا يثقون كثيرا بالنزعة الاستقلالية للصدر، عُقد الاثنين اجتماعان في بغداد بحضور قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وذكر مصدر حضر الاجتماعين أنهما هدفا “إلى تشكيل تحالف واسع، وإعادة جمع الإخوة الأعداء في حزب الدعوة، نوري المالكي و(رئيس الوزراء) حيدر العبادي، إضافة إلى قائمة الفتح التي يرأسها هادي العامري، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، إلى جانب ممثلين لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني”.

وفي حال فوز الخيار “الإيراني”، فإن “سائرون” تكون قد فازت في الانتخابات من دون أن تتمكن من تشكيل الحكومة. وبالتالي ستنهار آمال الكثير من العراقيين في محاربة الفساد المستشري في البلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من فقدان الثقة بمؤسسات الحكومة.

لكن مصادر قالت لـ”العرب” إن التيار الصدري يبدو عازما على البرهنة لحلفائه وخصومه على أنه قادر على الاضطلاع بأكبر المناصب التنفيذية، حتى إذا كان منصب رئيس الحكومة.

وحققت القائمة التي يدعمها الصدريون فوزا مفاجئا في الانتخابات التشريعية بالعراق، ما يؤهلها لتقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء، وإن كان هذا الأمر بحاجة إلى سلسلة من التحالفات النيابية.

وقال مقتدى الصدر قبيل الانتخابات إنه لا يمانع في دعم حيدر العبادي لولاية ثانية، إذا كان سيفي بشروط التحالف.

ومع أن الصدر لم يتراجع عن هذا الدعم، إلا أنه قال قبل الانتخابات بيوم واحد إن أحد أتباعه علي دواي، الذي يشغل منصب محافظ العمارة في الجنوب، يصلح لترؤس الحكومة المقبلة في حال حصلت قائمة “سائرون” على الأصوات الكافية.

وعاد المتحدث باسم الصدر بعد إعلان النتائج، التي أظهرت تقدم “سائرون”، ليؤكد أن “علي دواي هو مرشح القائمة لتشكيل الحكومة”، لكنها لن تتمسك به إذا قدم الشركاء السياسيون ضمانات على التزامهم ببرنامج حكومي محدد.

وقال المتحدث باسم الصدر، إن تحالف “سائرون” قد يتنازل عن موقع رئيس الوزراء لمن يلتزم ببرنامجه الانتخابي، مشيرا إلى أن ترشيح دواي هو دليل على قدرة التيار الصدري على “التصدي لأي موقع تنفيذي حتى إذا كان منصب رئيس الوزراء”، وأن “العديد من الأطراف تتحدث عن أن الصدريين ليسوا تلك القوة التي يمكنها إدارة دفة الحكم، بل هي حركة احتجاجية فحسب”.

وأضاف المتحدث أن “الصدر يدعم ترشيح دواي لدحض هذه الفكرة”.

ومنذ الغزو الأميركي عام 2003، تخضع تسمية رئيس الوزراء في العراق لثلاث جهات، وهي واشنطن وطهران والنجف.

ويقول سايمون تسدال المحلل في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان، إن “الأداء الضعيف الذي أظهره حيدر العبادي في الانتخابات التشريعية مثل ضربة للنفوذ الأميركي في العراق”.

لكنه قال أيضا إنه إلى جانب الولايات المتحدة، “يبدو أن إيران هي الخاسر الأكبر إلى الآن، بعدما تم تهميش الحشد الشعبي عبر تقدم الصدر، الذي يؤمن بأن شؤون الحكم العراقية يجب أن تدار من قبل عراقيين وليس واشنطن وليس طهران أو أدواتهما”.

وصباح الثلاثاء، وجه العبادي تهنئة للصدر بمناسبة الفوز في الانتخابات، بعدما دعا الاثنين عبر خطاب رسمي إلى احترام نتائج الانتخابات، وهي مؤشرات إيجابية على تقارب الطرفين، بحسب مراقبين.

ووفقا لمكتبه، فقد تلقى الصدر اتصالا هاتفيا من العبادي “مهنئا سماحته بإجراء العملية الانتخابية في أجواء ديمقراطية آمنة وفوز تحالف سائرون الوطني وحصوله على المرتبة الأولى ضمن القوائم الانتخابية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018″.

ويقول مراقبون في بغداد إن “تدخلا إيرانيا في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، من شأنه أن يعزز حظوظ العبادي لدى الصدر في ولاية ثانية”.

والثلاثاء، وردت أنباء عن وصول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى العاصمة العراقية، للمشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة.

وفي حال حافظت المرجعية الشيعية في النجف على مواقفها المناهضة للهيمنة الإيرانية في العراق، وطبق الصدر الشعار الذي ردده أنصاره لدى إعلان فوز “سائرون” في الانتخابات العراقية، وهو “إيران برا برا”، في إشارة إلى رغبتهم في التخلص من هيمنة طهران على القرار السياسي في بغداد، فإن سليماني لن يتمكن من فعل شيء، وفقا لمصادر سياسية شيعية.

وقال محلل سياسي عراقي فضل عدم كشف اسمه لـ”العرب”، إن “إيران ليست في وضع يسمح لها بتمرير صفقة قد ينتج عنها قيام حكومة غير موالية لها في بغداد، مبررا ذلك بأن المعادلة الدولية لم تعد لصالحها وهي في حاجة إلى إسناد خارجي في صراعها القادم. لذلك سيسعى سليماني إلى الحيلولة دون التوصل إلى اتفاق بين الصدر والعبادي يفضي للتحالف بينهما ومن ثم تشكيل الكتلة الأكبر التي يحق لها ترشيح مَن يمكنه أن يشغل منصب رئيس الوزراء”.

ومع تزايد الضغوط الدولية على طهران بشأن ملفها النووي وتدخلاتها في كل من لبنان وسوريا واليمن، يبدو العراق منطقة “حياة أو موت” بالنسبة للإيرانيين، وسيحاولون التدخل لصياغة حكومة توافق توجّهاتهم.

لكن الصدر استبق التدخلات الإيرانية، ليعلن ترحيبه بالتحالف مع جميع القوائم الفائزة في الانتخابات، باستثناء قائمتي الفتح بزعامة هادي العامري ودولة القانون بزعامة المالكي المدعومتين من طهران.

وفضلا عن استثنائه الفتح ودولة القانون، في تغريدة على تويتر، لم يذكر الصدر الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي أسسه وأداره لسنوات الزعيم الكردي الراحل جلال الطالباني، وهو حزب قريب من إيران.

وتقول مصادر شيعية إن الصدر يسعى، من خلال التنسيق غير المعلن مع المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، لصد التأثير الإيراني في تشكيل الحكومة، ثم الاتفاق على تشكيلة وزارية من “التكنوقراط” يقودها العبادي، بعد إلزامه بسلسلة من التعهدات.

وقال المحلل العراقي “من المؤكد أن العبادي سيتعرض إلى ضغوط كثيرة من أجل منعه من المضي قدما في توافقه مع الصدر، وقد يتم إغراؤه بالبقاء في ولاية ثانية، وهو ما قد يحدث شرخا في العلاقة بين الرجلين”.

لكن مصادر ترى أن طهران ربما تذعن لهذه الصيغة التي تطغى عليها الصبغة العراقية الداخلية، لكنها حتما لن تسهم في استفزاز السفارة الأميركية في بغداد.

وتربط هذه المصادر الإذعان الإيراني لهذه الصيغة برغبة طهران في تهدئة الأجواء مع الولايات المتحدة في العراق، خشية دفع الإدارة إلى تضييق الخناق على مصالحها في هذا البلد، الذي يمثل عمقها الاستراتيجي وبوابته الرئيسية على الكثير من مناطق نفوذها.

وأكد المحلل العراقي “نتائج الانتخابات صادمة لإيران، لذلك فإن خياراتها لم تعد ميسرة كما كانت من قبل. فكل الظروف الحالية لن تقود إلى إعادة تأسيس البيت الشيعي الذي تعرض للتشظي وبطريقة لا رجعة فيها. فهناك مَن بين الزعماء الشيعة مَن صار مقتنعا بضرورة قيام حكومة مدنية بعيدة عن نظام المحاصصة الطائفية وهو ما يلغي تأثير عنصر الاستقطاب الطائفي التي عملت إيران طويلا على تكريسه”.

العرب