مقاومة غزة المسلحة ترفض تغيير «قواعد الاشتباك» وتحرج إسرائيل برسائل نارية

مقاومة غزة المسلحة ترفض تغيير «قواعد الاشتباك» وتحرج إسرائيل برسائل نارية

في حادثة لم يشهدها قطاع غزة منذ انتهاء الحرب الأخيرة قبل أربع سنوات، غادرت الفصائل الفلسطينية المسلحة «حالة الصمت» والتحمت بالمقاومة الشعبية التي يشهدها حدود القطاع منذ شهرين، وشنت عمليات قصف طالت البلدات والمواقع العسكرية الإسرائيلية الواقعة في محيط «علاف غزة» رفضا منها لتغيير إسرائيل مؤخرا «قواعد الاشتباك» مرسلة بذلك رسائل شديدة اللهجة لقادة تل أبيب، قبل أن تتدخل مصر لإنهاء التوتر وإعادة الهدوء من جديد.
وبعد عمليات استباحة إسرائيلية للدم الفلسطيني على طول الحدود الشرقية التي تشهد فعاليات المقاومة الشعبية السلمية، المتمثلة في «مسيرات العودة»، وما واكبها من اعتداء إسرائيل على مواقع المقاومة، في مسعى لحرف نشاطات المسيرات التي أحرجت حكومة تل أبيب كثيرا أمام العالم، لقتلها المدنيين العزل، أفشلت المقاومة المسلحة هي الأخرى من جهتها مخططات تل أبيب، التي كانت تقوم على الترهيب من إدخال القطاع في حرب رابعة، بقرار اتخذته حركتا حماس والجهاد الإسلامي، أكبر فصيلين مسلحين.
القرار تمثل هذه المرة بمغادرة «حالة الصمت» التي اعتبرتها إسرائيل طول الفترة الماضية ضعفا، وتجرأت على قصف مواقع المقاومة ونقاط الرصد دون رد عسكري، من خلال إطلاق رشقات صاروخية هي الأعنف منذ انتهاء الحرب الأخيرة صيف العام 2014، وواصلت إطلاق زخات الصواريخ التي فاق عددها 140 قذيفة، مع مواصلة الطيران الحربي الإسرائيلي قصف مواقع المقاومة. وبعثت المقاومة رسالة علنية في خضم تبادل الهجمات وبدون أي وسيط، من خلال بيان مشترك لنشطاء كتائب القسام وسرايا القدس، جاء فيه «الدم بالدم والقصف بالقصف»، منذرة الاحتلال من التمادي، بعد أن أبدت استعدادها لخوض حرب كاملة.
ومثل دخول الفصيلين المسلحين المعركة وتحديد ساعة البدء وساعة الانتهاء، ضربة جديدة لمخططات إسرائيل التي ما انقطعت عن التلويح بخيارات الردع، مستغلة هذه المرة اندفاع الفصائل الفلسطينية بما فيها المسلحة صوب «المقاومة الشعبية» بسبب ظروف المنطقة والإقليم، كما عبر عن الأمر قائد حماس في غزة يحيى السنوار، والذي جاء قرار دخول المعركة تنفيذا لتهديداته السابقة لإسرائيل، من مغبة التمادي ضد القطاع، ملوحا أن الحركة رغم كل الظروف لم تسقط خيار المقاومة المسلحة.
بداية الأحداث وقعت يومي الأحد والأثنين الماضيين، حين قصفت المدفعية الإسرائيلية نقاط رصد للمقاومة، الأولى على الحدود الشرقية لجنوب قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة من نشطاء الجهاد الإسلامي، والثانية على الحدود الشمالية للقطاع، أسفرت عن استشهاد ناشط من حماس وإصابة آخر، ليجتمع بعدها الفصيلان المسلحان، ويقرران تحديد صباح الثلاثاء لبدء معركة عسكرية كان هدفها الأساسي هو «لجم إسرائيل».
وبدءا من صبيحة الثلاثاء، حتى فجر الأربعاء، تبادل الطرفان الهجمات، وأطلقت المقاومة رشقات على كافة مناطق «غلاف غزة»، ما أدى إلى إصابة ستة إسرائيليين بينهم ثلاثة جنود، فيما تعمدت إسرائيل قصف مواقع المقاومة وأماكن ادعت أنها لتخزين الأسلحة والصواريخ، قبل نجاح الجهود المصرية في ثالت المحاولات التي بدأت صباحا لوقف جولة القتال، وإعادة الهدوء بموجب قرار التهدئة السابق الذي جرى التوصل إليه عام 2014.
وفور انتهاء موجة القتال، أعلنت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، في بيان مشترك، وفي رسالة موجهة بشكل مباشر لإسرائيل، إنه «مضى الوقت الذي يحدد فيه العدو قواعد المواجهة ومعادلات الصراع منفرداً»، مضيفة «فالقصف بالقصف»، وحذرت من مغبة إصرار إسرائيل على كسر المعادلات مع المقاومة، مؤكدة جهوزيتها لـ «التصدي بكل قوة لأي عدوان أو حماقة يرتكبها العدو».
وفي إسرائيل كشف النقاب بأن الأوامر التي تلقاها الجيش من المستوى السياسي للتعامل مع موجة القتال، لم تكن تحمل لغة التصعيد وتوسيع دائرة الاشتباك، واقتصرت عمليات القصف على أهداف محددة، خشية من اندلاع حرب جديدة، في دلالة على عدم رغبة إسرائيل بعد رد المقاومة الواسع، تطوير المواجهة.
وفي دلالة على استمرار فعاليات «المقاومة الشعبية» التي تشهدها حدود غزة، في «مخيمات العودة»، فإن تلك الأنشطة اليومية التي انطلقت منذ 30 اذار/مارس الماضي، لم تنقطع حتى وقت الهجمات الإسرائيلية. فالقائمون على الفعاليات، أرسلوا ظهر الثلاثاء سفينة «الحرية» التي تقل 17 مواطنا، من بينهم مرضى وطلاب وخريجون، من مرفأ مدينة غزة إلى أحد الموانئ القبرصية في محاولة هي الأولى من نوعها لكسر الحصار المفروض على القطاع، قبل أن توقفها البحرية الإسرائيلية في عرض البحر، على بعد 14 ميلا بحريا من سواحل غزة، وتقطرها إلى ميناء أسدود، لتجري تحقيقا مع ركابها، قبل إطلاق سراحهم وتحذيرهم من محاولة العودة من جديد.
وانطلقت تلك الفعالية التي حضرها حشد كبير من السكان، كان في وداع من خرجوا على متن السفينة، في الوقت الذي كان الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف قطاع غزة، وترد المقاومة الفلسطينية بإطلاق رشقات صاروخية على مناطق الغلاف.
كما واصل نشطاء فعاليات «مسيرة العودة» إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، على مناطق إسرائيل الحدودية، بهدف إحداث حرائق جديدة في منطقة الأحراش، على غرار الأيام الماضية، وهو ما كان.
وذهبت تقارير إسرائيلية للقول انه رغم توقف إطلاق صواريخ من قطاع غزة، إلا أن سكان الحدود ما زالوا يعانون من الطائرات الورقية التي تحمل مواد حارقة، حيث لم يتوقف إطلاق الطائرات منذ الأيام الأولى لمسيرات العودة في غزة.
وشهدت الأيام الماضية وتحديدا نهايات الأسبوع، زيادة في عدد الحرائق التي أحدثتها الطائرات والبالونات الحارقة في الحقول الإسرائيلية، وسط عجز منظومة الأمن الإسرائيلية في التصدي لها.
كما شهدت مناطق الحدود فعاليات شعبية وتظاهرات اشتدت يوم الجمعة الماضية، بنزول السكان للمشاركة في فعالية «جمعة من غزة إلى حيفا وحدة دم ومصير»، في إشارة إلى الأحداث التي تشهدها مدينة حيفا، تضامنا مع غزة.
وأدت المواجهات إلى اقتراف قوات الاحتلال خرقا جديدا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، بقتلها ممرضة كانت تعمل ضمن طواقم المسعفين، وهي الممرضة وزان المغربي (21 عاما) إضافة إلى إصابة 100 شاب آخر، بينهم من أصيب بجراح أدت إلى كسور في الأطراف.
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية، على سلمية «مسيرة العودة» في قطاع غزة، مشدداً على أن المقاومة المسلحة ستكون «الدرع الواقي والحامي لها»، كاشفا النقاب أن إسرائيل هي من سارعت للتهدئة الأخيرة ووقف المواجهة.
وأكد أن مسيرات العودة لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها، في كسر الحصار عن غزة للأبد، وأن يستيقظ العالم على أن هناك لاجئين يريدون العودة لبلادهم، مطالبا باستمرار المشاركة الشعبية في مسيرات العودة.

أشرف الهور

القدس العربي