عاشوراء في العراق.. الحسين مع السلطة وضدها

عاشوراء في العراق.. الحسين مع السلطة وضدها

بغداد – أصبح يوم عاشوراء، منذ عام 2003، مناسبة سنوية يحتفل بها بشكل رسمي، وإن لم يُعلن عن ذلك. لكن العطل تمتد من أول محرم وحتى العشرين مِن صفر. لا يحاسب المتغيب عن العمل خلالها، لأن الغياب لمهمة مقدسة. وهذه المهمة هي حضور المجالس حتى العشرة أيام الأولى من محرم (عاشوراء)، يوم قتل الحسين بكربلاء.

بعد العشرة الأولى تبدأ العشرة الثانية، كما جرت العادة، ثم يبدأ المشي من المحافظات الجنوبية والوسطى، بمواكب كبيرة، كي يتم الاحتفال بمناسبة عرفت بمرد الرؤوس.

تصبح الدَّولة في هذه الأيام معطلة تماما، وتصب الجهود على توفير الحماية للجموع الكبيرة. دخلت الدولة في المناسبة، وصار الممولون ينافسون الجمهور الشيعي على الحسين، بمجالس عزاء فخمة، ومواكب كبيرة.

لكن الأحزاب الدّينية وغير الدينية المعارضة كانت في ما مضى تثير الاستغراب من عاشوراء، فتضطر السلطة بين حين وآخر، إلى منع المواكب والبقاء في المجالس الخاصة، ومحاولات استغلال القوى الدينية للمناسبة، خصوصا بعد الثورة الإيرانية.

واعتبرت الدولة العراقية الحديثة، منذ تأسيسها سنة 1921، يوم العاشر مِن محرم أو عاشوراء عطلة رسمية، وظل الأمر معمولا به حتى الآن.

واستمرت الإذاعة الرسمية الحكومية منذ الخمسينات وبلا انقطاع في إذاعة قصة مقتل الحسين، بصوت الشيخ عبدالزهرة الكعبي.

لكن، لا يفهم من تلك الممارسة استغلالا لعاطفة الجمهور أو توظيف الحسين لغرض سياسي، إنما ما زال هناك جمهور كبير يحتفل بهذه المناسبة ولا بد للدولة أن تقدر تلك العاطفة، من دون أن تعلن أن الحُسين هو الدّولة والدّولة هي الحسين، مثلما يحصل اليوم، وإنما هو موسم اجتماعي يحدد بيوم، ويعود الناس إلى أعمالهم.

يغلب على الظن أن أول من فكر وذهب إلى استغلال الإمام الحسين وآل محمد جميعا، في شأن سياسي خطير، هو المختار بن عبيدالله الثقفي، المقتول في 67 هجري، عندما أشار على عبدالله بن الزّبير بأن يعلن الثأر لآل محمد كي تأتيه الخلافة.

يحصل أول مرة بالعراق أن السلطة تعلن نفسها وريثة لثورة الحسين والجمهور الغاضب منها يفضحها بآمال الحُسين بالعدل والنزاهة. في المقابل مجالس حسينية ومواكب يعقدها الجمهور ويجري فيها فضح السلطة وفساد المسؤولين

منذ ذلك الزمن تحول قتل الحسين وآلامه وآلام ذويه وأصحابه إلى بضاعة سياسية، تستغلها المعارضة والسلطات أيضا.

هذا ما استغله البويهيون عندما أعلنوا عاشوراء يوما رسميا ببغداد، والصفويون الذين استحدثوا المجالس الحسينية، والقراءة الروزخونية، ثم تطورت المناسبة إلى مواكب لطم الصدور وجلد الظهور بالزناجيل وتطبير الرؤوس.

يحصل أول مرة بالعراق أن السلطة تعلن نفسها وريثة لثورة الحسين والجمهور الغاضب منها يفضحها بآمال الحُسين بالعدل والنزاهة. في المقابل مجالس حسينية ومواكب يعقدها الجمهور ويجري فيها فضح السلطة وفساد المسؤولين.

وبسبب ذلك أخذ المسؤولون يكفون عن الظهور بين الجمهور، وهم يسوطون القدور ويشدون على رقابهم الخرق الخضراء ويرتدون الثياب السوداء، لإظهار الحزن على الحسين.

لم يكن هذا التراجع تراخيا من قِبل السلطة في استغلال عاشوراء، بقدر تجنب الغضب من قبل الناس، فما حصل في تظاهرات البصرة من حرق مقرات الأحزاب الدّينية وتدمير بناية القنصلية الإيرانية، على اعتبار أنها رمز لقوة تلك الأحزاب الحاكمة بالمحافظة، أثار الرعب بين القوى الحاكمة، ولم تعد مجاملة الجمهور بعاشوراء أو بقية المناسبات الدينية تُسكت المسحوقين والمعدمين عن المطالبة بحقوقهم، وتعرية الفاسدين مِن أعلى هرم السلطة إلى أسفله، حتى تطورت المطالبة إلى إسقاط نظام الحُكم.

يتساءل العراقيون كيف لمجالس الحُسين أو عاشوراء الضخمة أن تُعقد بمنطقة الجادرية والمنطقة الخضراء مثلا، ومِن قِبل الفاسدين وحماتهم، ألم يعرف الجمهور أن الجادرية وقصور الخضراء غدت منطقة مستلبة ومغتصبة مِن قبل أصحاب تلك المجالس؟

بهذا يكون الحُسين بين فسطاطين، وعلى وجه الخصوص بهذا العام، فسطاط السلطة وفسطاط الغاضبين منها، فالسلطة تعتبر نفسها قد حققت ثورة الحُسين، والجمهور يعتبر الحُسين خصما للسلطة. ناهيك عن أمر آخر، وهو سلب وزراء ومسؤولين لدور قارئ المنبر الحُسيني، هذا ما يظهره المسؤولون وهم يقرأون قصة المقتل.

العرب