العراق يغيّر قادة الحكم.. فهل يتحقق الاستقرار

العراق يغيّر قادة الحكم.. فهل يتحقق الاستقرار

السليمانية (العراق) – يتيح اختيار سياسي كردي يحظى بالاحترام رئيسا جديدا للعراق، وتعيينه لشخصية توافقت عليها الآراء لرئاسة الوزراء فرصة مهمة للبلاد لتحقيق الاستقرار، بعد سنوات الصراع الطائفي والحرب والاضطرابات الاقتصادية.

فالرئيس برهم صالح (58 عاما) الذي انتخبه البرلمان يحظى باحترام كل من الولايات المتحدة وإيران الخصمين اللدودين اللذين غذى تنافسهما على النفوذ في العراق النزعة الطائفية في بلد كبلته صراعات طائفية عميقة.

ووجهت السفارة الأميركية في بغداد والرئيس الإيراني حسن روحاني التهنئة لصالح الأربعاء، الأمر الذي أثار الآمال أن يتمكّن من تنشيط الدور الشرفي التقليدي الذي يلعبه الرئيس ويتواصل مع طهران وواشنطن بما يحقّق النفع للعراق.

ومنذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، سيطر الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب الرئيس الراحل جلال طالباني) على منصب رئاسة الجمهورية، بناء على اتفاق ضمني مع منافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، الذي احتفظ في المقابل بمنصب رئاسة إقليم كردستان.

لكن المنافسة هذه المرة كانت شرسة، خصوصاً بعد تجميد منصب رئاسة الإقليم، واعتبار الحزب الديمقراطي الكردستاني الاتفاق السابق بحكم الملغى، خصوصاً وأنه صاحب الكتلة البرلمانية الكردية الأكبر في بغداد.

ويعتبر فوز صالح أمام فؤاد حسين، مرشح الزعيم الكردي مسعود بارزاني، ضربة ثانية للأخير الذي يعدّ مهندس الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان الذي باء بالفشل في سبتمبر 2017.

وقال النائب البارز من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ريبوار طه “الرئيس برهم صالح يمتلك شخصية قوية وهو يحظى باحترام الغرب والدول الإقليمية وأهمها إيران”.

وينزع اختيار صالح لعادل عبدالمهدي (76 عاما) لرئاسة الوزراء الفتيل بعد توتر استمر شهورا بين الكتلتين الشيعيتين الرئيسيتين في العراق اللتين فازتا بأكبر عدد من المقاعد ولهما أقوى الفصائل المسلحة.

وسيكون عادل عبدالمهدي سيكون أمام مهمة شاقة وسط سعي ائتلافات عدة داخل البرلمان إلى تقديم نفسها كالأكثر حضورا، وبالتالي الأحق في تمثيل أكبر ضمن تركيبة الحكومة القادمة.

وتمثّل رئاسته للوزراء نهاية حكم حزب الدعوة الذي استمر 15 عاما هيمن خلالها على الحياة السياسية في العراق منذ الإطاحة بصدام حسين في الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في العام 2003.

وقال نواب إن هذا بالتحديد هو ما جعل عبدالمهدي اختيارا مغريا لا سيما لرجل الدين الشيعي القوي مقتدى الصدر الذي يعارض حزب الدعوة.

ويقود الصدر ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إحدى الكتلتين الشيعيتين، بينما يقود الأخرى قائد الفصائل الشيعية المدعومة من إيران هادي العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

والعامري والمالكي هما حليفا إيران الرئيسيان في العراق. وكان العبادي يعتبر المرشح المفضل لدى الولايات المتحدة، بينما يصوّر الصدر نفسه كسياسي قومي يرفض النفوذين الأميركي والإيراني.

الاصطدام بالاحتجاجات
أصبح للعراق الآن قياداته العليا الثلاث متمثلة في الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان واقترب من تشكيل حكومة جديدة بعد شهور من الانتخابات البرلمانية غير الحاسمة التي شهدت إقبالا منخفضا بشدة على التصويت، وادعاءات واسعة الانتشار بالتلاعب في الأصوات.

وجاءت التعيينات الأخيرة بعد أسابيع من الاحتجاجات التي شهدتها البصرة الغنية بالنفط والتي تمثل قلب منطقة الانتشار الشيعي في جنوب العراق، الأمر الذي هدد بزعزعة استقرار البلاد.

ويرى الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف أنه من الواضح أن توليفة الحكم في العراق التي انتهى إليها ماراثون الكتل السياسية تعد ضربة لآمال الكثيرين في التغيير من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد، ذلك لأنها لن تنتج إلا حكومة ضعيفة خاضعة لإملاءات الأحزاب التي لم تخسر شيئا من نفوذها في مقابل أنها لم تعد في الواجهة بما يعني عدم تحملها المسؤولية التي تنتج عن عجز الحكومة عن تلبية مطالب الشعب في الخدمات الأساسية وتحسين ظروف العيش.

وقد أقنع عجز الحكومة عن احتواء هذه الاحتجاجات وتوفير الخدمات الأساسية التي كان السكان يطالبون بها الصدر بالتخلّي عن حليفه العبادي رئيس الوزراء.

وقال مصدر وثيق الصلة بالصدر “بعد الاضطرابات في البصرة، مقتدى كان على قناعة بأن رئيس الوزراء الذي فشل في توفير الماء النظيف لشعبه سيفشل مطلقا في توفير الاستقرار لبلده”.

وأضاف “هذا كان كافيا للصدر لكي يجلس مع العامري ويقبل بمرشح التسوية، عبدالمهدي”.

وسيكون على عادل عبدالمهدي وفق فاروق يوسف أن يتحمل مسؤولية تردي الأوضاع فيما سيتعرض برهم صالح لغضب مسعود البارزاني الذي لا يزال رجل كردستان القوي، أما الحلبوسي الذي عُين رئيسا لمجلس النواب فإن ضعف خبرته السياسية سيجعل منه دمية بين أيدي نوري المالكي وهادي العامري اللذين وقفا وراء صعوده. ويمثّل انتخاب صالح رئيسا أول مرة تصعد فيها شخصية لأعلى المناصب في العراق دون اتفاق عبر مداولات مسبقة وهذه نتيجة ربما تشير إلى أن النواب يقدمون الاحتياجات الملحة للبلاد على المكاسب السياسية.

تنافس أميركي إيراني
منذ سقوط صدام تقاسمت الطوائف الثلاث الرئيسية في البلاد عرقيا ودينيا السلطة فكان منصب رئيس الوزراء الذي يعدّ أهم المناصب من نصيب عربي شيعي، ومنصب رئيس البرلمان من نصيب عربي سني، بينما كانت رئاسة الدولة من نصيب شخصية كردية وذلك رغم أن هذه الصيغة لم تضمن الاستقرار.

ويقول يوسف “إن ما جرى لا يدعو إلى التفاؤل لأنه لم يكسر القاعدة حيث كانت التسويات والصفقات هي الأساس الذي تم اعتماده في اختيار الأشخاص وكل ما قيل عن الكتلة البرلمانية الأكبر قد تم القفز عليه. أما الشروط التي وضعها مقتدى الصدر والتعليمات التي أصدرتها مرجعية النجف الدينية فقد تم تناسيها لصالح تنصيب أشخاص هم جزء من التركيبة السياسية التي سبق وأن تم تجريبها. وشكل انتخاب برهم صالح رئيسا للجمهورية وتكليف عادل عبدالمهدي لتشكيل الحكومة المقبلة، سقوطا قاسيا للقطبين السياسيين في بغداد وكردستان، اللذين أبعدا لصالح شخصيات تصالحية عابرة للأحزاب.

تتنافس كل من واشنطن وطهران منذ شهور على التأثير في شكل الحكومة العراقية المقبلة، لكن لا يستطيع أي منهما أن ينسب لنفسه الفضل في اختيار من يشغل منصب الرئيس.

وقال بلال وهب الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الموجود حاليا في بغداد “النتيجة لم تحسم مسبقا. ورغم التدخل الأميركي والإيراني كان الكل على الهاتف. كانت عملية سياسية فريدة. سياسة حقيقية. لكن هذا كان حدثا شاذا”. وكلّف الرئيس برهم صالح عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة ويعتبره كثيرون من التكنوقراط وله سجل لائق في الحكومة.

وكانت التطورات الجديدة في المشهد السياسي العراقي بمثابة “ليلة سقوط الحزبين” أي حزب الدعوة الاسلامي والاتحادالوطني الكردستاني. وحسبما قال الباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم السياسية بباريس عادل بكوان، ما حصل فعلا هو “فشل غير مسبوق للدعوة الذي زرع من العام 2003 كوادره في المؤسسات حتى احتكرها”.

ومع فقدان رئاسة الحكومة، لم تكن انتكاسة الحزب الذي تأسس إبان خمسينات القرن الماضي رمزية فقط، بل هناك أيضا خسارات مالية في بلد يحتل المرتبة الـ12 على لائحة البلدان الأكثر فسادا في العالم.

العرب