عادل عبدالمهدي يبحث عن صيغة لـ”ترويض” مجلس النواب العراقي

عادل عبدالمهدي يبحث عن صيغة لـ”ترويض” مجلس النواب العراقي

طريق الإصلاح الذي يؤمل أن يسلكه رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبدالمهدي لن يكون ممهّدا، وسيمر حتما بمنعطفات صعبة حين تتناقض الخطوات الإصلاحية المنشودة مع مصالح قوى نافذة تمتلك مختلف الوسائل السياسية والمادية والقانونية لحماية مصالحها والحفاظ عليها، حتى وإن تناقضت مع مصالح الدولة العراقية ذاتها.

بغداد – تُرافق الحراكَ الجاري في العراق لتشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلّف عادل عبدالمهدي، أسئلة بشأن إمكانيات نجاح الرجل الأقرب إلى التكنوقراطي منه إلى رجل السياسة المتحزّب، في تنفيذ برنامجه الهادف لإدخال تغييرات على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأمني في البلد، دون التصادم مع قوى سياسية نافذة وتمتلك الكثير من الوسائل والآليات لحماية مصالحها، ومن ضمنها حضورها القوي تحت قبّة البرلمان، وما يتيحه لها الدستور من رقابة واسعة على عمل الحكومة.

ويعرف عبدالمهدي أنّ افتقاره لجدار حزبي ولكتلة نيابية مساندة له، بغض النظر عن دعم زعيم التيار الصدري الذي يمكن أن يكون ظرفيا، سيكون عائقا أمام تنفيذ برنامجه، خصوصا إذا انطوى على قدر كبير من الجرأة سواء في محاربة الفساد أو محاسبة الفاسدين، أو في نزع سلاح الفصائل غير النظامية.

وثبت خلال فترة رئاسة حيدر العبادي للحكومة طيلة السنوات الأربع الماضية، أن قبّة البرلمان يمكن أن تكون منبرا لحماية المصالح وتصفية الحسابات الحزبية وحتّى الشخصية، ليس فقط من خلال استخدام آلية الرقابة على عمل الحكومة وتسليطها على وزراء دون آخرين، ولكن أيضا باستخدام آلية التشريع بحدّ ذاتها من خلال انتقاء القوانين التي تخدم مصالح فئات معيّنة وفرضها وتمريرها، وتعطيل أخرى رغم طابعها الحيوي للبلد ككلّ.

وفي أول محاولة لتجاوز هذا العائق، تقدّم عبدالمهدي، الأربعاء، باقتراح لتحقيق التقارب والانسجام بين السلطة التشريعية والتنفيذية وعدم عرقلة تشريع القوانين.

وقال رئيس الوزراء العراقي المكلّف في اجتماع مع عدد من نواب البرلمان بحضور النائب الأول لرئيس المجلس حسن الكعبي إنّ “هناك قوانين تُشرّع من مجلس الوزراء ويرسلها إلى مجلس شورى الدولة وتدرسها اللجان النيابية وقد ترجعها ما يعرقل القوانين”، مشيرا إلى “قوانين لم تنفذ حتى اللّحظة على الرغم من وضعها في الدورة الأولى”، مقترحا “أن يكون لرئيس مجلس الوزراء مقرّ داخل مجلس النواب وأن يكون هناك اجتماع دوري مع النواب للتنسيق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية”.

توريط النواب في قاعدة غير معمول بها لتمرير الحكومة التي يشعر رئيس الوزراء بصعوبة إقناع كل الكتل النيابية بها

كما أشار عبدالمهدي إلى ضرورة “خلق الانسجام والعمل المشترك بدءا من تشريع القوانين”، داعيا إلى التعاون “بين مجلس الوزراء واللجان المختصة لمجلس النواب لتشريع القوانين المهمّة دون عرقلتها، والإسراع في تشريعها دون الدخول في دوامة إرسالها وإرجاعها”.

ولم يسلم مقترح رئيس الوزراء المكلّف. وقال نائب سابق بالبرلمان العراقي، طالبا عدم الكشف عن اسمه، إنّ “الاقتراح سابق لأوانه، وإنّ عبدالمهدي ما يزال مكلفا بتشكيل حكومة ما لم تتم موافقة مجلس النواب عليها ستبقى مجرد أفكار عالقة في الهواء”.

وأضاف “يبدو أنّ الرجل يسعى إلى تمرير التشكيلة الوزارية التي يسعى إلى تقديمها، مع شعوره بأن الكتل النيابية لن تقتنع بها. ولأنه يدرك أن مجلس النواب موزع بين الكتل السياسية ولا يملك أعضاؤه استقلالية قرارهم، فإنه يسعى إلى توريط تلك الكتل في قاعدة جديدة تقع خارج ما هو معمول به، من خلال اقتراح يبدو أنّ هدفه توجيه أنظار النواب إلى منطقة بعيدة عن المنطقة التي يعمل فيها من أجل اختيار وزرائه”.

وجزم النائب السابق بأن عبدالمهدي “لن ينجح في ذلك في ظل إصرار الكتل السياسية على تقاسم المقاعد الوزارية في ما بينها”.

واعتبر مصدر سياسي داعم لتوجّهات رئيس الوزراء الجديد، أنّ اختيار عبدالمهدي البدء مبكّرا بإثارة الموضوع التشريعي “مؤشّر جيدّ على جديته في إحداث تغيير بالبلد وفي تأسيسه على قاعدة صلبة من التشريعات”، مستدركا بأن “نجاح رئيس الوزراء المكلّف في هذا المسعى يتوقّف على تعاون الكتل السياسية معه، وهو أمر غير مضمون إذ أن لتلك الكتل مصالح وحسابات بينها ما يتجاوز حتى الحسابات المحلّية إلى حسابات إقليمية تفرض على الحكومة العراقية عدم اتخاذ قرارات تتناقض مع مصالح دول داعمة لشخصيات وأحزاب عراقية”.

فتح المنطقة الخضراء خطوة رمزية لتحسين الشعبية
بغداد – ينوي رئيس الوزراء العراقي المكلّف تشكيل الحكومة عادل عبدالمهدي إعادة فتح المنطقة الخضراء بالغة التحصين وسط العاصمة بغداد أمام المواطنين في خطوة تبدو بالغة الرمزية، يهدف من خلالها إلى الرفع من شعبيته في بداية مهمّته التي تلوح صعبة في ظلّ الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية المعقّدة والمتشابكة.

وبفعل الإغلاق المستمرّ للمنطقة الخضراء، ورقيّ الخدمات فيها قياسا بباقي أحياء بغداد تبدو تلك المنطقة شبه منفصلة عن باقي أنحاء المدينة ذات الـ8 ملايين ساكن والتي تعاني مشاكل مستعصية من بينها الاختناقات المرورية بفعل كثرة الحواجز وتعقّد الإجراءات الأمنية.

وتقع المنطقة الخضراء على ضفة نهر دجلة وسط العاصمة بغداد، وتضم مقر الحكومة ومبنى البرلمان ومقرات البعثات الدبلوماسية، فضلا عن منازل غالبية المسؤولين العراقيين. وتعتبر المنطقة الأشد تحصينا على المستوى الأمني منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، ولا يتسنى للمواطنين العاديين دخولها.

ومن أكثر المباني شهرة داخل تلك المنطقة مقرّ السفارة الأميركية بالغ الضخامة والمتكّون من عدّة مبان بينها مقرّ إقامة السفير. والولايات المتحدة هي صاحبة فكرة عزل المنطقة الخضراء وتحصينها بالشكل الذي هي عليه الآن، ويرجّح أن تعترض على فكرة فتحها أمام المواطنين، لما يرتّبه ذلك من أعباء في تأمين المقر الضخم للسفارة والعدد الكبير لموظفيها. وتحولت تلك المنطقة عبر السنوات إلى رمز لعزلة السياسيين عن المواطنين الذين كانوا على مدى سنوات طويلة عرضة لخطر التفجيرات وأعمال العنف الأخرى، بينما كان السياسيون، مسؤولين وبرلمانيين وقادة أحزاب وميليشيات، يتحصّنون خلف أسوار المنطقة.

العرب