المكالمة الهاتفية بين مقتدى الصدر ونوري المالكي لم تحل أزمة تشكيل الحكومة العراقية، بل تحول الأمر إلى سباق بين الطرفين فيمن يمثل الشيعة. ولا يختلف الأكراد كثيرا في اختلافهم على من سيكون رئيس الجمهورية.
بغداد – لم تدم حالة التفاؤل في العراق طويلاً بشأن أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما توقفت المباحثات بين قوى سياسية بارزة في البلاد، لتعيد الأوضاع إلى مربع الانسداد، وذلك عقب أكثر من 5 أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.
وسادت أجواء إيجابية في البلاد بعد أن بادر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بإجراء مكالمة هاتفية مع غريمه السياسي، القيادي البارز في قوى “الإطار التنسيقي”، رئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي في العاشر من مارس الجاري.
وبحث الزعيمان لأول مرة أزمة تشكيل الحكومة، وذلك بعدما كان الصدر يرفض سابقاً تشكيل أو المشاركة في حكومة يكون المالكي جزءًا منها.
ويلوم الصدر المالكي الذي ترأس الحكومة في دورتين متتاليتين (2006 – 2014) على “استشراء الفساد وأعمال العنف” في البلاد، فضلا عن اجتياح تنظيم “داعش” الإرهابي ثلث مساحة العراق في صيف 2014.
وأعقب ذلك الاتصال اجتماع عقد السبت في مقر إقامة الصدر بمدينة النجف وضم وفداً من “الإطار التنسيقي” برئاسة هادي العامري، إضافة إلى الزعيمين السنيين البارزين، رئيس تحالف “السيادة” خميس الخنجر ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
لكن سرعان ما تبددت الآمال إثر توقف التواصل بين الأطراف المختلفة، لاسيما القطبين الشيعيين، وهما “الكتلة الصدرية” بزعامة الصدر و”الإطار التنسيقي”، وكان ذلك بعد القصف الإيراني الأخير لأربيل.
ووفق تقارير محلية، فإن الصدر أبلغ القوى الشيعية والسنية والكردية بأنه يريد تسمية أحد أبناء عمومته، السفير العراقي لدى بريطانيا جعفر الصدر، لرئاسة الحكومة. لكن يبدو أن المالكي وبقية قوى “الإطار التنسيقي” لم يستجيبوا لمطلب الصدر أو أنهم “يناورون” من أجل المزيد من المكاسب في التشكيلة الحكومية.
ويرى إحسان الشمري مدير مركز التفكير العراقي في بغداد أن “توقف المفاوضات بين الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي يعيد العملية السياسية إلى الدائرة الصفرية، لتستمر حالة الانغلاق السياسي بين الأطراف كافة”.
وأضاف أن الأمر لا يرتبط فقط بالكتلتين الشيعيتين؛ إذ أن الانغلاق ما بين حزبي “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” هو أيضا جزء يتحمل ما نسبته 40 في المئة من حالة الانغلاق.
ويتنافس الحزبان الكرديان، الديمقراطي الكردستاني (31 مقعدا) والاتحاد الوطني (17 مقعدا)، على منصب رئيس الجمهورية إثر عدم توصلهما إلى اتفاق لتقديم مرشح واحد.
وبموجب العرف السياسي غير الدستوري المتبع في العراق منذ 2006، تتولى الأغلبية الشيعية رئاسة الوزراء، وهو المنصب التنفيذي الأقوى في البلد، ويشغل الأكراد رئاسة الجمهورية، والسنة رئاسة البرلمان.
وبشأن الأسباب التي تقف حائلاً دون احتواء الأزمة، يوضح الشمري أن “السبب الرئيسي يتمثل في صراع الإرادات والزعامات الذي لا يزال مسيطراً على المشهد، إضافة إلى أن الشروط التي وضعها الصدر لتشكيل الحكومة المقبلة لم تجد قبولا لدى الإطار التنسيقي، وبالتالي انعدمت الجدوى من الحوار مجدداً”.
ويضيف أن “توقف المباحثات بين الأطراف، رغم أنه جاء نتيجة القصف الإيراني لأربيل وتأييد الإطار التنسيقي ضمنياً له فإن الموضوع لا يرتبط بهذا الحدث بقدر صلته بعدم التوصل إلى اتفاق لتقسيم مساحة النفوذ داخل السلطة التنفيذية أو تأمين المصالح أو وجود الضمانات”.
ولم يستبعد الشمري أن تخترق الكتلة الصدرية صفوف “الإطار التنسيقي” وتقوم باستقطاب بعض القوى إلى صفّها، كما أن الإطار قد يقوم “بخطوة مماثلة”.
وأضاف أن “تقارباً قد يحدث بين الأطراف المتنافسة إذا مارست قوى سياسية وبرلمانية ومنظمات مجتمع مدني ضغوطاً عبر اللجوء إلى المحكمة الاتحادية من أجل المطالبة بإلغاء الانتخابات وتنظيم انتخابات جديدة”.
ومنذ إعلان نتائج الانتخابات التي أجريت في أكتوبر الماضي يشهد العراق توترات سياسية، ويدور الخلاف بين تحالف قوى “الإطار التنسيقي” المدعومة من إيران و”الكتلة الصدرية” حول الجهة التي يحقّ لها ترشيح شخصية لمنصب رئيس الوزراء.
وبينما لم تتجاوز قوى “الإطار التنسيقي” نحو 60 مقعدا، تحدث ممثلوها في جلسة نيابية مؤخرا عن ضمها مستقلين وبلوغ مقاعدها 88 من أصل 329 مقعدا، بينما حلت “الكتلة الصدرية” أولاً في الانتخابات بـ73 مقعداً في البرلمان، وفق النتائج الرسمية.
كما لا يزال هناك اختلاف حول تسمية شخص رئيس البلاد، وهي خطوة لا بد منها ليقوم الأخير بتكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر عددا بتشكيل الحكومة خلال 30 يوماً.
ويعتقد المحلل السياسي العراقي أحمد الياسري في حديثه للأناضول أن “الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2019 وأطاحت بحكومة عادل عبدالمهدي أحدثت تغييراً في التحالفات التقليدية”.
ويبين أن “التحالفات السابقة كانت تستند إلى أساس قومي أو طائفي؛ أي أن الشيعة كانوا يدخلون في تحالف واحد، وكذلك السنة والأكراد”.
ويضيف الياسري “أما الآن فإن التنافس والنزاع موجودان داخل كل واحد من هذه المكونات مثلما يحدث الآن في صراع الأكراد على الرئاسة وكذلك الشيعة على رئاسة الوزراء”.
ويشير أيضاً إلى “تضاؤل نفوذ الأكراد في المعادلة السياسية العراقية عقب استفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم كردستان عام 2017”.
ويتابع “سابقا كانت أربيل هي التي تفرض استراتيجيتها على بغداد، أما الآن فقد تغير الوضع وصارت بغداد هي التي تنظم حضور الأحزاب الكردية وحصصها”، منوها إلى وجود انقسام بين الأكراد بشأن الحصص والامتيازات في بغداد.
صراع الإرادات والزعامات لا يزال مسيطراً على المشهد الشيعي في العراق
وبالنسبة إلى الخلافات بين القوى الشيعية يرى الياسري أن “الخلاف يتركز على موقع رئاسة الوزراء، لأنه يمنح صاحبه تنفيذ مشروعه ويضعه في موقع احتكار التمثيل الشيعي في الحكومة المقبلة، وبالتالي يستطيع فرض إرادته”.
ويوضح أن “التيار الصدري يريد احتكار التمثيل الشيعي في الحكومة المقبلة بعد أن حل أولاً في الانتخابات”، منوهاً إلى أن “قوى داخلية وخارجية، وخاصة إيران، ستواصل الضغط على الصدر من أجل ضم بقية القوى الشيعية في الإطار التنسيقي للحكومة المقبلة”.
ولم تحقق أية قائمة انتخابية الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، ويتعين على الفائزين تشكيل ائتلاف برلماني يحوز على أغلبية المقاعد ليتسنى له تمرير الحكومة المقبلة.
ونظام الحكم في العراق برلماني، أي أن السلطة التشريعية هي المعنية بانتخاب مسؤولي السلطة التنفيذية، إذ ينتخب مجلس النواب (البرلمان) في البداية رئيساً للمجلس ونائبين له، ومن ثم تنتخب رئيسا للجمهورية، والأخير يقوم بتكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكثر عددا بتشكيل الحكومة الجديدة التي يجب أن تحظى بثقة البرلمان.
ونجح البرلمان في انتخاب رئيس له وهو محمد الحلبوسي خلال أول جلساته في التاسع من يناير الماضي، وحالت الخلافات الكبيرة بين الكتل الفائزة دون المضي قدما في الخطوة التالية وهي انتخاب رئيس جديد للبلاد.
العرب